الديمقراطية الفلسطينية في الميزان..مهند عبد الحميد

الثلاثاء 19 يونيو 2018 11:06 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الديمقراطية الفلسطينية في الميزان..مهند عبد الحميد



تعرض التجمع الاحتجاجي الثالث في مدينة رام الله، المطالِب بوقف الإجراءات أو العقوبات التي ما زالت سارية المفعول ضد قطاع غزة، لعملية قمع انتهكت فيها أبسط حقوق المواطن. شعر كثيرون ممن شاركوا أو شاهدوا التجمع السلمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الفضائيات بالإذلال والإهانة والإحباط والانكسار. أسباب كثيرة للحالة التي نغَّصت حياة عدد لا يستهان به من الناس داخل وخارج الوطن في اليوم السابق لعيد الفطر.
إن الدوافع النبيلة المشروعة التي دعت إلى الاحتجاج والمطالبة بوقف إجراءات السلطة التي طالت مواطنين على حافة الاختناق جراء الحصار الإسرائيلي، ونتيجة لحكم حركة «حماس» وانقلابها العسكري. تلك الأسباب جعلت من واجب أي مواطن المساهمة في إخراج أشقائه وجزء أساس من شعبه من محنتهم، من خلال الاحتجاج والمطالبة بوقف الإجراءات.
مقابل ذلك ثمة أسباب غير مشروعة ولا مبررة للقمع ولاستمرار الإجراءات في آن. فالقرار الذي يدعو إلى منع الاحتجاج، اتخذ في أعقاب المسيرتين السلميتين الأولى والثانية، اللتين لم تخرقا النظام العام ولم تمسا بحرية المواطنين في التسوق قبل العيد. من جهة أخرى، لم يطبق قرار المجلس الوطني الذي ينص صراحة على وقف الإجراءات المتخذة بحق قطاع غزة، فكان منطقياً انبثاق حراك محتجين ضموا في صفوفهم أعضاء لجنة تنفيذية وقيادات تطالب بتطبيق قرار المجلس الوطني، وكان أكثر من 100 عضو مجلس وطني قد وقعوا عريضة تطالب حكومة الوفاق بتطبيق قرار المجلس الوطني فوراً. هذا الموقف يضفي على الاحتجاج شرعية ويبطل مبررات قمعه.
السبب الأكثر حضوراً والذي وسع الهوة بين أصحاب القرار والمحتجين هو الغموض في اتخاذ القرار؛ فلا يوجد تحديد صريح للأهداف التي تقف خلف القرار، بل لا يوجد اعتراف بالقرار، فضلاً عن هشاشة الخطاب السياسي الإعلامي الذي يتحدث مرة عن سبب فني، وأخرى عن ضائقة مالية، وثالثة عن وجود قرار وشيك حول إنهاء الإجراءات. كما يجري إنكار الضرر الذي يلحق بالمواطنين في القطاع لأن المستهدف من القرار سلطة «حماس» فقط لا غير، في الوقت الذي يشمل قرار وقف الرواتب موظفين وكوادر وقيادات من حركة «فتح»، وفي الوقت الذي يشمل القرار وقف دعم الكهرباء الذي يتضرر منه كل المواطنين، ووقف موازنات كل اللجان والمؤسسات في قطاع غزة، كل ذلك غير مفهوم وغير مقنع، ويؤدي إلى اتباع مواقف متعارضة تلحق الضرر بوحدة الشعب ومصالحه الوطنية، وقدرته على مواجهة صفقة ترامب لتصفية القضية الفلسطينية.
من حق المواطن أن يعرف المبرر والأسباب والنتائج المتوقعة لمثل هذا القرار، فإذا كان الهدف من القرار هو الضغط على حركة «حماس» من أجل تسليم السلطة لحكومة الوفاق، فإن مثل هكذا ضغط لا يؤثر في حركة استمرت في اللعب على معاناة مليوني مواطن، وتفتقد للحساسية التي تغلب مصلحة المواطنين على مصلحتها الفئوية، وهذا ما أكده تنصلها من المسؤولية وعدم حرصها على إنهاء معاناة المواطنين بالتراجع عن انقلابها، فقط حاولت توظيف عذابات وآلام الناس بما يخدم بقاء سيطرتها، يساعدها في ذلك إعفاؤها من نقد بعض القوى التي اقتصر نقدها على السلطة فقط لا غير، واضعين نقدهم للسلطة في خدمة حركة «حماس» واستئثارها بقطاع غزة، وتوظيفه في خدمة أجندتها المعلنة وغير المعلنة. الضغط على «حماس» وعلى إجراءات السلطة لا يتجزأ إذا كان الانحياز لمصالح المواطنين والعمل الجدي لحل مشاكلهم هو الهدف.
ما حدث من قمع للاحتجاج السلمي يضع الديمقراطية الفلسطينية على المحك، وعندما نكون بصدد تقييم ديمقراطيتنا، سنكون وجهاً لوجه أمام التقارير المحايدة وشبه المحايدة التي تكشف عن مستوى الديمقراطية الفعلي استناداً لشرعة حقوق الإنسان والاتفاقات الدولية بشأن المرأة والطفل والعمل.
يقول تقرير «أمنستي»: «إن السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تستعمل، عبر حملة اعتقالاتها للصحافيين وإغلاق المواقع الإلكترونية التابعة لمعارضيها، أساليب الدولة البوليسية لإسكات انتقادات وسائل الإعلام وحجب المعلومات عن الناس تعسفاً». ولا تخلو كل التقارير السنوية من عرض للانتهاكات التي لا مجال لذكرها في هذا المقال. أما الهيئة المستقلة لحقوق المواطن فقد كان تقريرها عن العام 2017 زاخراً بالانتهاكات. من وفيات بأماكن الاحتجاز 4 في غزة وواحد بالضفة. و33 حكماً بالإعدام في غزة، واعتداءات جسدية ومعنوية وتعذيب أثناء التوقيف، ومعاملة حاطة بالكرامة، وانتهاكات في مجال السلامة الجسدية بحق النساء في غزة والضفة، وإصدار قوانين مقيدة للحريات كقانون الجرائم الإلكترونية في الضفة. ويتحدث التقرير عن 1595 شكوى حول انتهاك الحق في الحرية والأمان الشخصي بالضفة والقطاع، وعدم احترام حقوق المحتجزين، وتشمل الانتهاكات 14 حالة منع من السفر في الضفة و21 حالة منع من غزة، وتوقيف 21 صحافياً ومصادرة معدات في الضفة وغزة، وانتهاك الحق في التجمع السلمي: 18 انتهاكاً بالضفة و40 انتهاكاً في غزة، وفض 42 تجمعاً: 8 بالضفة و34 في غزة، كان أهمها فض مسيرة سلمية تضم 5 آلاف في مخيم جباليا تطالب بحل أزمة الكهرباء. وإذا كان تقرير الهيئة المستقلة يحوي كماً كبيراً من الانتهاكات، فإن أحداث العام 2018 تشير إلى زيادة الانتهاكات، التي كان آخرها قمع احتجاج سلمي في رام الله، وقمع احتجاج سلمي مؤخراً بغزة.
من المعروف أن فلسطين انضمت إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والبروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، واتفاقية سيداو واتفاقية الطفل وغيرها، غير أن الانضمام بقي منفصلاً عن الممارسة العملية. وهذا يكشف عن اختلال في الجهاز السياسي والجهاز التنفيذي والقضائي، ومنظومة القوانين الرجعية التي لا تزال سارية المفعول، وطالما بقيت البنية والثقافة التي تنتمي إلى تقييد وقمع الحريات باقية فإن الانتهاكات ستبقى وقد تستفحل في ظل حالة التنازع اللاديمقراطي على السلطة.
Mohanned_t@yahoo.com