قمع التظاهرة في غزة ..عدلي صادق

الإثنين 18 يونيو 2018 02:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
قمع التظاهرة في غزة ..عدلي صادق




في تكثيف فاضح، لحقيقة كبت الحريات في غزة؛ إنقضّت قوة من حماس، على تجمع شعبي فيها، لم يكن لديه أية مقاصد، سوى التعبير عن محنة السكان واستنكاره لممارسات استهداف الناس في أرزاقها وحياتها اليومية. وحيال هكذا انتهاك فظ لحق الشعب الفلسطيني في التعبير عن رأيه والمطالبة بحقوقه، ممن يعتاشون على حسابه ومن أمواله؛ تكون القوة التي تحكم في غزة، قد مارست  بغباء جنس الفعل المارق نفسه، الذي قُمعت به تظاهرة شعبنا في الضفة، للتعبير عن رفضه لممارسات السلطة ضد غزة، وعن تصميمه على فضحها لكي ترعوي هذه السلطة وتُعدل بوصلتها.
كانت حماس ولا تزال، مستفيدة من الحراك الشعبي ضد ما يُسمى "العقوبات"، على الأقل لأن الحراك يتجاوز عن سيئاتها ويجعل الاحتجاج على منهجية حكمها، غير ذي أولوية مُلحة، إنطلاقاً من قناعة الناس بأن الحاكمين والمحكومين في غزة، أصبحوا في مركب واحد. أما أن تحاول حماس جعل الحراك حراكها، وأنها صاحبة المركب،  وأنها أب فلسطين وأمها، فهذا ليس من حقها، لأن الشعب عندما يتظاهر ويعبر عن رأيه، هو أب وأم الشهداء الذين منحوا الحاكمين سلطاتهم. فلا حماس ولا فتح، هي التي أنجبت وربّت المقاومين والمناضلين والوطنيين الذين قضوا، أو الذين لا زالوا أحياءً يرزقون. فكل هؤلاء أبناء المجتمع ولا فضل لحركة أو فصيل على الشعب! 
ليست محاولة حماس اختطاف أو امتطاء أي حالة نهوض شعبي في غزة، إلا المعادل الموضوعي لمحاولة السلطة في رام الله، اختطاف المسطرة التي تُقاس بها سلوكيات الشعب، واختبار الظواهر الاجتماعية، والحكم عليها سلباً أو إيجاباً، لا سيما في غياب المؤسسات الدستورية والأطر التي يجتمع فيها ممثلو الشعب المفوّضون منه. فالحركات والفصائل والقوى كلها في المشهد الفلسطيني، ليست مُفوّضة، وهذه هي المشكلة التي تتفرع عنها مشكلات، وتمثل أخطر الظواهر وحقائق الأمر الواقع في المشهد الفلسطيني، وتؤثر سلباً عليه وعلى فلسطين، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، بينما نحن نواجه مخاطر تصفية القضية والإجهاز على التمنيات المشروعة للفلسطينيين، والقضاء على مجمل القوى السياسية، بكل اجتهاداتها ومناهجها!
التظاهر في غزة، لإسناد تظاهرات أسبق في الضفة، لنصرتها؛ لا يلائم حماس ولا يشبهها في شيء، إن لم يكن بسبب تشابه ممارسات السلطتين في الضفة وغزة، حتى على مستوى الخوف من التصوير ومن الصور، بل وأرجحية حماس فيها؛ فليكن بسبب كونها تظاهرات مطلبية تتوخى العدالة من سلطة لا ترضى حماس عنها في شيء. لذا بات غريباً ودليل غباء أن تسعى حماس لاحتواء فعل شعبي مطلبي، يبعث برسائلة الى سلطة انحرفت عن سياقها الذي تعارضه حماس جملة وتفصيلاً. فلو كان الناس، في ضائقتهم، يركزون على هدف استعادة المؤسسات الدستورية، لكان التظاهر في الضفة، على هذا الصعيد، موجها الى السلطة فيها، والتظاهر في غزة موجهاً الى السلطة فيها. لأن الفئتين الحاكمتين أطاحتا المؤسسات، بل إن الفئة التي في غزة، هي البادئة بالإطاحة وهي سببها الذي أتاح للسلطة في رام الله أن تفعل ما تشاء!
مخطئة حماس جداً، إن توهمت أن سلطة رام الله هي وحدها الآثمة، وأن الرشاد والرفق وتحسس آلام الناس من شيم وأخلاقيات حكمها. الفارق الرمزي بين طرفي الخصومة، هو أن السلطة في رام الله، هي التي يعترف العالم بشرعيتها، وهي التي تتقاضى عوائد الضرائب وتتلقى المساعدات، وهي المعنية بتطبيق سياسات اجتماعية عادلة، وهي التي لديها أموالنا لكنها تمنح وتمنع من وراء ظهر الإرادة الشعبية. أما حماس، فهي محض حزب يحكم ويعتصر هو الآخر المجتمع الفلسطيني في غزة، ويحمي نفسه بالسلاح ولم يعد ذا تفويض. والسلاح نفسه، مقبول عندما يقاوم ومرفوض تماماً عندما يقمع، بل يمثل أحد أبشع ممارسات الإكراه.
لعل آخر ما ينبغي قوله، قبل أن نصل الى حدود هذه المساحة، أن فتح وحماس مخطئتان، إن ظنت إحداهما أو كلاهما، أن من بين قياداتها من ارتفع الى منزلة الخطيب الذي إن تحدث، سيجد الناس أنفسهم معنيين بالاستماع اليه، أو متلهفين لرؤية مُحيّاه!