ترامب يعيد أميركا إلى عهد الاستعمار...رجب أبو سرية

الجمعة 01 يونيو 2018 02:18 م / بتوقيت القدس +2GMT
ترامب يعيد أميركا إلى عهد الاستعمار...رجب أبو سرية



بكل صفاقة، عقبت مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي، على فشل مجلس الأمن في إصدار بيان بالقول: إنه لأمر مفزع أن يفشل مجلس الأمن في إصدار بيان يدين إطلاق «حماس» صواريخ على إسرائيل. ورغم تصريحات هذه السيدة المشبعة بالعداء للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، والتي عبرت عنها في العديد من المناسبات منذ تبوأت المنصب، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يتم التعليق والرد على ما تعلنه كل مرة، وإظهار كل ما تنطوي عليه مواقف وتصريحات المسؤولين الأميركيين منذ دخل دونالد ترامب البيت الأبيض، وإلى أن يغادره؛ لأنها تظهر مستوى الصفاقة والانطباق مع كل ما تختزنه الثقافة الأميركية من تاريخ القرصنة والعنجهية وحتى من انحطاط ثقافي لجهة الدفاع والانحياز لقوى القهر والظلم والاضطهاد العالمي.


فقد نسيت هايلي، بل إنها لم تفكر للحظة بأن الولايات المتحدة سبق لها وأن أحبطت أكثر من أربعين مشروع قرار، كان يجب أن تصدر عن مجلس الأمن، تدين إسرائيل وأفعالها الاحتلالية الشائنة، بحق الشعب الفلسطيني، بل إن هايلي قد نسيت سريعاً أنها، وقبل نحو أسبوعين فقط، أحبطت مشروع بيان يدين إقدام إسرائيل على ارتكاب مجزرة سقط خلالها، وفي يوم واحد فقط، أكثر من ستين شهيداً فلسطينياً ونحو ألفي جريح، كانوا يتظاهرون بشكل سلمي، دون أي تهديد لجنود إسرائيل المدججين بسلاح القتل، وإن كل التظاهرات التي بدأت منذ يوم الأرض، في الثلاثين من آذار الماضي، وحتى الآن لم يذهب ضحيتها مواطن إسرائيلي واحد!


الأمر المفزع إذاً هو تلك الجوقة التي دخلت البيت الأبيض مع الرجل الصفيق حتى تظهر أميركا بأقبح وجه سياسي، وها هي تظهر كذلك حقاً وفعلاً، ليس فيما يخص ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولكن أيضاً فيما يخص علاقات أميركا الخارجية مع دول العالم كله، وحتى فيما يخص شبكة العلاقات الاجتماعية الداخلية، حيث تطل مجدداً النزعة العنصرية تجاه المهاجرين، خاصة من فتحات وشقوق البيت الأبيض، الذي يبدو أنه يفكر في العودة إلى عصر الاستعباد مجدداً.
قد يبدو هذا أمراً مستهجناً، أو أنه عصي على ترامب وجوقته الصفيقة، لكن العودة إلى عهود الاستعمار الذي كانت قد انتهت خلال الحرب الباردة وبنتيجة الحرب العالمية الثانية، تبدو أمراً ممكناً، بل إنه قد بدأت حقاً وفعلاً، وذلك منذ نحو ثلاثة عقود مضت.


علينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة، وبحجة تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، قادت أكثر من ثلاثين دولة في تحالف دولي وشنت حرباً على الجيش العراقي، لم تكتف خلالها بطرد الجيش العراقي من الكويت، بل دخلت الأرض العراقية، من الجنوب، ومن ثم فرضت ما سمي بخطوط الطول التي تم حظر تحليق الطيران العراقي فيها، أي أنه بُدئ باحتلال الجو العراقي.


كذلك فإن القوات الأميركية احتلت مناطق من صربيا، في أوروبا الشرقية بحجة الدفاع عن أهالي كوسوفو، ومن ثم احتلت أفغانستان فالعراق رسمياً، وبعد أن كانت في حربها على العراق عام 1991 قامت باحترام الأمم المتحدة من خلال الحصول على تخويل أممي، لم تعد بعد ذلك تفعل هذا، بل صارت تشن حروبها على من تريد، وتحتل أرض الغير دون أن تفكر حتى في الحصول على التخويل الأممي.


الشعب الفلسطيني تستثنيه الولايات المتحدة، منذ ثلاثة عقود، من قائمة الشعوب المضطهدة التي ترزح تحت الاحتلال الخارجي والأجنبي؛ ذلك لأن إسرائيل دولة احتلالية وعلى شاكلة أميركا الاستعمارية، من حيث أصل نشأة الدولة وتشكلها، ومن حيث سياساتها اللاحقة، وإذا كان البعض في فترات سابقة كان يعتبر أحياناً، وبشيء من المجاز الكلامي، إسرائيل بمثابة الولاية الواحدة والخمسين التي تضاف إلى الولايات الخمسين التي تشكل دولة الولايات المتحدة؛ لإظهار مدى الدفاع الأميركي عن إسرائيل في مواجهة العالم سياسياً، وفي مواجهة الشعب الفلسطيني والعرب عسكرياً، فإنه يمكن القول الآن، دون أي مجاز: إن البيت الأبيض يتعامل مع إسرائيل كأنها جزء من الدولة الأميركية بل إن عدداً من المسؤولين الأميركيين لا همَّ لهم سوى أن يتدخلوا في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الشأن الفلسطيني - الإسرائيلي، ويتطوعوا للدفاع عن البطش الإسرائيلي أكثر من الكثير من الإسرائيليين.


لقد أظهر الموقف الرسمي الأميركي فيما يخص الفصل الميداني الأخير من الصراع - أي ارتكاب الجنود الإسرائيليين لعمليات القتل المباشر لعشرات الفلسطينيين على حدود غزة وداخل الضفة الغربية - انحيازاً للحكومة الإسرائيلية أكثر مما أظهرته المعارضة التي اعتبرت أن سياسة الحكومة تجاه غزة هي التي تعزز مكانة «حماس».
بقي أن نقول: إن قيادة الولايات المتحدة للعالم بعد انتهاء الحرب الباردة بشكل غير مسؤول وغير متوازن، لم يفقدها المصداقية في الشرق الأوسط وحسب، بل في كل أنحاء العالم، وها هي الدول تقوم بفعل الاستعمار في أكثر من مكان، سيراً على الطريق الذي شقتها أميركا في العراق وأفغانستان وصربيا؛ فجيوش أكثر من دولة تقوم الآن باحتلال أراض من سورية، كذلك هناك دول خارجية تقوم بتجاوز سيادة اليمن كدولة، وكذلك فعل الناتو في ليبيا، بما أعاد عهد الاستعمار المباشر مجدداً، لكن عودة الدول الاستعمارية لاحتلال أراضي الغير، سيعيد مجدداً حركات التحرر بما ينشئ جيوش مقاومة شعبية على المستوى الكوني  ضد الاحتلالات الجديدة، وبما يضع علامة استفهام على بقاء منظمة الأمم المتحدة نفسها، التي نشأت للتأكيد على حق الشعوب في مقاومة الاحتلال الأجنبي، وها هي تعجز عن وضع الحد له، بعد أن فتح الطريق لذلك استثناء إسرائيل واحتلالها لفلسطين من تشكيل قوات التحالف الدولي لطردها، كما فعلوا في العراق وصربيا.

Rajab22@hotmail،com