الرئيس ترامب وعلم المنطق..عبد المجيد سويلم

الخميس 17 مايو 2018 04:04 م / بتوقيت القدس +2GMT



الرئيس ترامب ـ والحق يُقال رجلٌ يمسك بناصية هذا العلم. استطاع هذا الرئيس (الفريد من نوعه) أن يزيح دفعةً واحدةً أرسطو وأفلاطون وكل فلاسفة هذا العلم دفعةً واحدةً ومرةً وإلى الأبد.
لقد فهم الرئيس ترامب أن القدس مثار خلافٍ كبير بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، فقرر أن أفضل وسيلة لفك هذا الاشتباك هي «إخراج» القدس من أي مفاوضات مقبلة، وذلك تسهيلاً على الطرفين من جهة، وأملاً في تجاوز هذه العقبة من خلال تقديمها كهدية للجانب الإسرائيلي.
وحتى يؤكد الرئيس الأميركي حسن نيته وصفاء قلبه، ونقاء سريرته فقد اعترف بها عاصمةً لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إلى هذه «العاصمة».
دُهش الرئيس الأميركي من ردة فعل الفلسطينيين على هذا الإجراء السخيّ من جانبه، بل وصُدم كثيراً من هذا الموقف، إذ كان ينتظر الشكر والعرفان على أقل تقدير.
لم يكتفِ الرئيس الأميركي بهذا الموقف الشجاع والنبيل، وإنما ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك لإثبات حسن نيته وصدق نواياه.
فقد فهم، أيضاً، أن قضية اللاجئين مثلها مثل القدس هي قضية خلافية، لكنه في هذا المجال لم يرغب في تكرار نفسه، وقرر إزاحة هذه القضية من طاولة المفاوضات عن طريق تصفية «الأونروا» التي تشرف على رعاية ملايين اللاجئين الفلسطينيين في العالم. فمعاذ الله أن يمس الرئيس الأميركي بهذه القضية مباشرة، وذلك لأن قيمه ومبادئه لا تسمح له بمثل هذا الأمر.
لذلك اكتفى الرئيس الأميركي بقطع المساعدات عن هذه الهيئة الدولية، وقرر أن قتل اللاجئين الفلسطينيين مسألة تعود للجانب الإسرائيلي، وهو المكلف بها والقادر عليها والخبير بها أكثر من غيره، أما الجانب الأميركي سيتكفل بالتجويع فقط.
أما الاستيطان فقد عبّر الرئيس الأميركي عن موقفه بكل إقدام ودون مواربة.
ليس من حق إسرائيل وليس من اللائق أبداً أن تعلن عن كل خططها الاستيطانية، على الرغم من أنهم (أي إسرائيل)، إنما يبنون في أرض الآباء والأجداد.
لاحظوا هنا الحزم الذي أبداه الرئيس ترامب، ولاحظوا أن الرجل لا يخاف في قول الحق لومة لائم.
أما بخصوص حل الدولتين فقد ظل الرئيس الأميركي وفيّاً لمبادئ الديمقراطية التي تربّى عليها، ونشأ وترعرع في ظلها، إذ أعلن بهذا الصدد أن الأمور متروكة لرغبة الطرفين.
هذا الموقف بالذات أراد من خلاله الرئيس ترامب أن يعلّم الأجيال الحالية وأجيال المستقبل أهمية الديمقراطية والتركيز عليها باعتبارها قيمة عظيمة كلية وشاملة.
وهكذا فقد أزاح الرئيس كل العقبات أمام مفاوضات جادة وسلسة ومسؤولة، وأصبحت الطريق ممهدة وسالكة لتوقيع اتفاق تاريخي لإنهاء هذا الصراع الذي طال دون مبرر حقيقي له.
وتسهيلاً على كل الأطراف بما فيها الأطراف العربية، وحتى تكون الأمور واضحة للجميع فقد قرر الرئيس الأميركي ترامب أن يعلن أخيراً عن صفقة القرن لحل هذا الصراع.
تبرع بعض المقربين من الرئيس بالإعلان عن أن هذا الإعلان سيكون قبيل عيد الفطر السعيد.
أما بنود هذه الصفقة فلن تخرج عن المحددات التالية:
أولاً: يكون قطاع غزة هو الكيان الفلسطيني والأرض التي عليها يتحقق حلم الشعب الفلسطيني بتحويل هذا الكيان إلى دولة بعد أن يحقق الشروط البسيطة التالية:
1ـ نزع السلاح بالكامل.
2ـ الانفصال التام عن الضفة.
3ـ الاعتراف بإسرائيل والتوقيع على معاهدة إنهاء الصراع.
4ـ النظر في تقديم مساعدات مستقبلية بعد إنجاز هذه الشروط.
5ـ مشاركة كل الدول العربية في الاحتفال الخاص بهذه المعاهدة.
ثانياً: يتم الاهتمام بالسكان الفلسطينيين في الضفة بعد أن يوافقوا على الشروط التالية:
1ـ التخلي عن أي نوع من أنواع السيادة على الأرض.
2ـ الموافقة على حكم ذاتي في هيئة بلديات منفصلة لثلاث أو أربع مناطق معزولة ومنعزلة (حسب التساهيل).
3ـ أن يقوم الجانب الإسرائيلي بتخصيص رصيف بحري في أسدود للبضائع الفلسطينية.
4ـ أن يقوم الجانب الإسرائيلي بوضع «كشك» خاص بسفر الرعايا الفلسطينيين من مطار اللد.
5ـ أن يحصل الفلسطينيون بين الفينة والأخرى (حسب الظروف) على تسهيلات لزيارة الأماكن المقدسة في القدس الموحدة والتي هي عاصمة الشعب اليهودي وروحه وتاريخه وحاضره ومستقبله.
6ـ أن تتم أي علاقات لبلديات الضفة عَبر إسرائيل حصرياً بما في ذلك العلاقات مع قطاع غزة.
المنطق يقول (وهنا أهمية هذا التمكن الترامبي من علم المنطق) أن مفاوضات لترسيم كل هذه الأمور باتت مطلوبة، ولم يعد أمام الجميع سوى المسارعة إليها.
الرئيس ترامب يعتبر أن المنطق يفرض على الجانب الفلسطيني انتهاز هذه الفرصة التاريخية والمسارعة إلى التوقيع عليها. لكن تبقى هناك قضايا جوهرية لا بد من التفاوض الجاد بشأنها وذلك من قبيل:
1ـ المناخ، إذ لا يعقل أن تبقى قضية المناخ معلّقة دون مفاوضات جادة لحلها بين الطرفين.
2ـ الحمّى المالطية، وهنا يؤكد الرئيس ترامب أن الجيرة تفرض على كل الأطراف التعامل مع هذه القضية ومع كل الأمراض الخاصة بالدجاج والأغنام والأبقار، أيضاً، بالجدية الكافية.
3ـ تنظيم ألعاب رياضية تشمل السباحة والهوكي والبسبول إذ لا يُعقل أن يظل الشعب الفلسطيني محروماً من التمتع بهذه الرياضة المدهشة.
4ـ تنظيم رحلات سياحية لزيارة المستعمرات الفلسطينية في المدن الإسرائيلية والحق الكامل بأخذ الصور التذكارية دون قيود أو مضايقات.
5ـ الاهتمام بقضية الزلازل وأعمال الإطفاء المشترك للحرائق في الصيف الحار، وتقديم اقتراحات لزيادة هذه الأعمال لتشمل على فصول جديدة بما فيها الشتاء على المدى البعيد.
هذه القضايا الجوهرية تحتاج إلى التحلي بروح المسؤولية والجدية الكاملة لما لها من أهمية كبيرة ومعروفة للجميع.
وأخيراً، فإن من أقل الواجب اقتراح أن يحصل الرئيس الأميركي على جائزة نوبل في العلوم الاجتماعية وفي حقل علم المنطق بعد أن اثبت للمرة الأولى أن كل ما تعلمه العالم في هذا الحقل لم يكن إلاّ هراءً في هراء.