رصاصة الرحمة..انطون شلحت

الأربعاء 16 مايو 2018 03:23 م / بتوقيت القدس +2GMT
رصاصة الرحمة..انطون شلحت



لعل المقولة الأكثر رواجًا بين أوساط القيادة الفلسطينية في الوقت الحالي أن الإدارة الأميركية الحالية، وعبر نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، نسفت فرص التسوية السلمية للقضية الفلسطينية.

وهي مقولةٌ ناجمةٌ بالأساس عن استمرار اعتبار الولايات المتحدة وسيطًا محايدًا ونزيهًا لتسويةٍ مُفترضةٍ كهذه، كما صرحت قيادات فلسطينية مرارًا وتكرارًا، كان آخرها تصريح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (رام الله، 14/5/2018) بأن الولايات المتحدة "لم تعد وسيطًا" في الشرق الأوسط، بعد نقل السفارة، مضيفًا أن إزاحة قضيتيّ القدس واللاجئين عن جدول أعمال المفاوضات يعني أن هناك صفعة أميركية، وأنه إذا كان لا بدّ، لن نقبل إلا بوساطة دولية، تأتي من خلال مؤتمر دولي بعدد من الدول، وليس بدولة واحدة على الإطلاق. كما أكد أن الفلسطينيين لن يقبلوا بأي اقتراح أميركي، حتى لو جاؤوا بأحسن من هذا (وهي فرضية لا أساس لها، على نحو شبه مطلق).

ولا شكّ في أن نضوج فرصة أو أكثر للتسوية، ينجم عن وجود عملية استباقية تمهّد لها، وذات مُحدّدات واضحة، وإنْ على المستوى النظريّ وحسب. ومثل هذه العملية مفتقدة، في ظنّنا، وفقًا لنمط السلوك الإسرائيلي، منذ قمة كامب ديفيد التي عُقدت عام 2000، وانتهت إلى الفشل الذريع.

ويذكر كثيرون أن إحدى نقاط التحوّل الحاسمة فيها تمثلت بمطلب رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق، إيهود باراك، أن يوقّع الطرفان على "اتفاق نهائي" يترافق مع إعلان فلسطيني بشأن "نهائية الصراع". وكان باراك يهدف من ذلك إلى سلب الفلسطينيين الحقّ القانوني في أي مزاعم مستقبلية، تستند إلى قرارات الأمم المتحدة، نظرًا إلى أن الأساس القانوني للمفاوضات كان ولا يزال قرارات هذه المنظمة الدولية، وخصوصًا قرار مجلس الأمن رقم 242 الذي اتخذ يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 1967، وطالب بـ"انسحاب القوات الإسرائيلية المسلحة من (ال) مناطق (التي) احتلت في النزاع الحالي".

ولكن أيضًا القرار رقم 194 من يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 1948، والذي يتطرّق إلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وقرارات أخرى اتخذت على مدار الأعوام. وأشير في حينه إلى أنه في حال إعلان الفلسطينيين عن "نهاية الصراع"، وتوقيع اتفاق نهائي، بحسب طلب باراك، يكون الاتفاق الجديد، بصورة رسمية، الأساس القانوني المُلزم للمستقبل، وتفقد قرارات الأمم المتحدة التي سبقته أي مفعول لها.

وبمتابعة ما تلا تلك القمة من وقائع وجولات مفاوضات، ليس مبالغةً القول إن عملية التسوية باتت في وضعية موت سريري. وبناء عليه، قد تكون عملية نقل السفارة الأميركية إلى القدس التي جاءت لتجسّد تنفيذ قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة عليها.

الفرصة التي قد يكون أتاحها القرار الأميركي غير كامنة في الإقرار الفلسطيني بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطًا، إنما التي أشار إليها المفكر العربي، عزمي بشارة، في محاضرته في الدوحة أخيرًا في أول أيام المؤتمر الخاص الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في ذكرى مرور سبعين عامًا على النكبة، وهي عودة الجانب الفلسطينيّ إلى التمسّك بحقيقة أن شرعيّة القضية الفلسطينية مكتسبة من شرعيّة التحرّر الوطني في ظلّ مسألة كولونياليّة غير محلولة حتى اليوم، مؤكدًا أن الامتحان هو طرح القضيّة الفلسطينية باعتبارها قضيّة وطنية وقضية عدالة، لكن أخذًا بعين الاعتبار مسألتين تتشابك معهما، هما المسألتان اليهوديّة والعربية.

بذا أعاد بشارة التذكير بلزوم أن تكون أي عملية تسوية للقضية الفلسطينية مندمجة مع عملية إلغاء الكولونيالية. وهذا هو بالتحديد ما افتقرت إليه عملية أوسلو كليًّا. فمثل هذه العملية (إلغاء الكولونيالية) ليس أنها لم تبدأ، بل إنّ السيطرة الإسرائيلية الأحادية الجانب على الفلسطينيين تعزّزت وتوثقت بمساعدة اتفاقيات أوسلو، كما أن تنفيذ ما باتت تسمى "عملية الفصل" التي وعد إسحق رابين ناخبيه بها، لم يبدأ بتاتًا.