استمرار النكبة مسؤولية المجتمع الدولي ولن يعفيه منها سوى إنهاء الاحتلال.. صائب عريقات

الإثنين 14 مايو 2018 09:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT
استمرار النكبة مسؤولية المجتمع الدولي ولن يعفيه منها سوى إنهاء الاحتلال.. صائب عريقات



إنّ استمرار النكبة مسؤولية المجتمع الدولي ولن يعفيه منها سوى إنهاء الاحتلال

لقد شكل تطور الوعي الجمعي العالمي في القرن الواحد والعشرين لجهة الانحياز إلى حقوق الإنسان وسيادة القانون الدولي ورفض الاستكانة للغة القوة وفرض السيطرة والاستعمار القوة المحركة لنشاطنا الانساني والسياسي في مواجهة الاحتلال على مر السنين. لكن، وفي كل عام من إحياء الذكرى السنوية للنكبة الكبرى التي حلت على شعبنا منذ 70 عاماً حتى يومنا هذا كان يحدونا الأمل وتسلحنا بقوة الحق أن تبدأ مكونات الرأي العام العالمي ودوله وحكوماته وبرلماناته ومنظماته بتحمل مسؤولياتها والاستجابة لالتزاماتها السياسية والأخلاقية والإنسانية تجاه القضية الفلسطينية التي أصبحت تستعصي على الحل مع مرور الوقت بسبب فشل المجتمع الدولي بتحمل تلك المسؤوليات وبخاصة محاسبة سلطة الاحتلال على خروقاتها للقانون الدولي وإنهاء الاحتلال الذي طال أمده، وإنجاز الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف وعلى رأسها حقه في الحرية واستقلال دولته على حدود 1967 والعودة الى دياره التي شرد منها وفقاً للقرار 194.

 أن محاولات إسرائيل التاريخية بالسيطرة على مدينة القدس وتغيير معالمها وتهويدها وفرض قوانين عنصرية ترسخ من مكانتها وترويجها "كالعاصمة الموحدة للشعب اليهودي"  لم تعد خافية على أحد، ذلك بالتوازي مع محاولاتها إلغاء الوجود الفلسطيني وتهجيره قسراً وخلق أمة من اللاجئين الفلسطينيين في كل مكان بدءاً من نكبة عام 1948 وحتى اليوم، ومحو هويتهم والقضاء عليهم من خلال تنفيذ عمليات التطهير العرقي من قتل وإعدام وهدم منازل وتشريد قسري واعتقال وتوسيع الاستيطان وفرض العقوبات الجماعية.

 إلاّ أنه وفي هذا العام تحديداً، والذي يسجل الذكرى السبعين لنكبتنا الكبرى عام 1948 التي شردت ما يقارب من 957 ألف فلسطيني كانوا ثلثي الشعب الفلسطيني آنذاك، ودمرت ما يقارب 500 قرية ومحتها عن وجه الأرض ليحل محلها اليهود، وقتلت آلاف الفلسطينيين من السكان الأصليين، واعتقلت عشرات الالاف، وواصلت نكباتها المتلاحقة بحق شعبنا، تم تتويج هذه  النكبات بدعم نكبة أخرى تبناها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب نهاية العام الماضي حين أعلن عن تحقيق حلم إسرائيل بالسيطرة على فلسطين التاريخية من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها، واسقاط ملف اللاجئين وغيرها.

 فقد تبنّت الإدارة الأميركية برنامج اليمين المتطرف في إسرائيل الداعي إلى تدمير حل الدولتين وفرض الاستيطان الاستعماري ونظام "الأبارتايد" بديلاً عنه.  وعلى الرغم من أننا نعتبر أن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل قراراً لاغياً وباطلاً كونه يخالف الشرعية الدولية والقانون الدولي، ويخالف التزامات الإدارة الأمريكية نفسها تجاه عملية السلام، وعلى الرغم أيضاً من أية إجراءات تهدف الى تغيير طابع المدينة أو مركزها ليس لها أي أثر قانوني امتثالاً لقرارات مجلس الأمن ذات العلاقة، إلاّ أن إصرار الادارة الاميركية بالتعاون مع سلطة الاحتلال على اختيار توقيت نقل السفارة الأميركية إلى القدس عشية إحياء الذكرى السبعين لنكبة شعبنا لم يكن صدفة بل وجه رسالة استفزاز ليس إلى أبناء شعبنا فحسب، بل للعالم العربي والإسلامي والمسيحي ودول العالم أجمع بكل قواها ومكوناتها وفئاتها مفادها أن منطق القوة والهيمنة واستبدال لغة القانون الدولي بقانون الغاب ومنع الشعوب من حقها في تقرير المصير ما سيسود المنطقة في المرحلة المقبلة، وهذا ما يؤكد صوابية الموقف الفلسطيني باعتبار الإدارة الأميركية قد عزلت نفسها عن رعاية العملية السلمية، وأنها أصبحت جزءاً من المشكلة وليس من الحل.

لم يكن من المفاجئ بعد كل ما أقدمت عليه الإدارة الأمريكية من تحصين إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، بكل وسائل الدعم السياسية والقانونية المطلقة، أن تتعمد هذه الإدارة فرض إراداتها المساندة للاستعمار بنقل سفارة بلادها إلى مدينة القدس المحتلة عشية إحياءنا للذكرى السبعين للنكبة الكبرى والتي تشكل إهانة مزدوجة وصريحة لكل من أبناء شعبنا وحقهم في عاصمتهم السيادية ولقيم العدالة والقانون الدولي ونظامه السائد منذ عقود.

لكنه من المثير للاستهجان والمساءلة أيضاً أن تقوم بعض الدول -التي اعترضت على قرار ترامب الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارته إليها- بالمشاركة في جريمة انتهاك حق شعبنا في عاصمته. وتكمن الأهمية البالغة ليس فقط في أن حضور الافتتاح من قبل أية دولة يعني اعترافاً وقبولاً بقرار الإدارة الأمريكية الأحادية، ونقض إعلانها برفض هذه الخطوة غير القانونية، ونقض الدولة ذاتها لالتزاماتها بالقانون الدولي، بل بما ينبغي القيام به من قبل هذه الدول بعد قيام الإدارة الأمريكية بتنفيذ وعدها وخرق القانون الدولي والـتأسيس لمرحلة من الفوضى على الساحة الدولية لا يمكن الخروج منها لعقود قادمة. إن هذه الدول جميعها أمام اختبار حاسم فإما عالم يسوده الفوضى والتطرف والحروب وإما عالم يسوده السلام والأمن والاستقرار.

وأننا ندرك أن هذه المرحلة ما هي إلاّ البداية فقط لمرحلة أمريكية جديدة لفرض الحلول والإملاءات على الفلسطينيين والعرب، ليتم بعدها فرض إملاءات حكومة الاحتلال حول قضايا الوضع النهائي كافة تحت ذريعة أن الفلسطينيين رفضوا جهود الإدارات الأمريكية السابقة، وأن كل من يسعى إلى السلام عليه أن يقبل لما ستفرضه الإدارة الأمريكية، وأن كل من يعارضها سيتم التعامل معه باعتباره من قوى الارهاب والتطرف التي يجب محاربتها.

ورداً على ذلك، اتخذنا قراراً بعدم انتظار الطرح الامريكي وصفقته الاملائية التي بدأت بالفعل من خلال تكريس الوضع القائم والذي يعني دولة واحدة بنظامين، وتشريع "الأبارتايد" والاستيطان بمعايير أمريكية، واتخذنا الخطوة الأولى بترتيب بيتنا الداخلي والحفاظ على المشروع الوطني في مواجهة مشروع ترامب لتصفية القضية الفلسطينية والحفاظ على القرار الوطني المستقل وتجديد الشرعية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وهياكلها،لأننا نعلم أنه من الصعب مواجهة التحديات القادمة دون عملية تمكين ذاتي تقودنا نحو الوحدة الوطنية التي تحصن قراراتنا وتجعلنا قادرين على مواجهة الضغوط والابتزازات ومحاولات فرض الاملاءات والاجندات المختلفة. وقد نجحنا في عقد الدورة الثالة والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني الذي انتخب مجلسه المركزي ولجنته التنفيذية وانتخب رئيسها، وسنعمل على تنفيذ قراراتها لنتمكن من مواجهة هذه المرحلة وإسقاط مرحلة الفرض الأمريكية. كما سنواصل مساعينا السياسية والقانونية لعزل الدور الأمريكي ومواجهته، وسنصرّ على نيل حقوقنا من منطلق التأكيد على الالتزام بالقانون والشرعية الدولية.

منذ سبعين عاماً على نكبة شعبنا الفلسطيني الأولى في عام 1948، والقرارات الدولية تصدر عن المنظومة الأممية قراراً تلو الأخر لصالح القضية الفلسطينية منذ ذلك التاريخ حتى يومنا الحالي. إلاّ أن هذه القرارات بقيت حبيسة الأدراج وحبيسة الضمير الإنساني العالمي الذي راقب على مدار تلك السنوات الظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا، وشهد على طغيان القوة والتجبر على منظومة القانون الدولي وحقوق شعبنا. وإن هذه الجريمة المستمرة منذ سبعين عاماً والتي تمضي على حساب حياة أبنائنا وبناتنا وأرضنا وحريتنا تتطلب من المجتمع الدولي الوقوف بجدية أمام مسؤليته السياسية والقانونية والأخلاقية، وعدم الكيل بمكيالين، وتصحيح هذا الخطأ التاريخي من خلال تصويب العملية السياسية ونقلها إلى رعاية دولية وبمرجعية تستند الى القانون الدولي بسقف زمني محدد، يُنهي فيها الاحتلال ويعترف بدولة فلسطين كاملة العضوية إنقاذاً لحل الدولتين، وسنكمل نحن بدورنا الانضمام إلى المنظمات الدولية والوكالات المتخصصة، وسنقدم الاحالات بأسماء مجرمين بعينهم، وسنحيل كل الملفات والبلاغات التي تثبت تورط إسرائيل بجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية لمحاسبتها وتقديمها للعدالة من أجل الانتصاف لحقوق وضحايا فلسطين، ونعمل جاهدين على تعزيز صمود شعبنا وخاصة في القدس المحتلة وقطاع غزة بالتعاون مع أشقائنا في الدول العربية وأصدقائنا حول العالم.

أن استمرار النكبة يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي،  ولن يعفيه منها سوى عمله الجاد من أجل إنهاء الاحتلال الاستعماري غير المشروع، وهي مسؤولية سياسية وقانونية واخلاقية تتجسد بتغليب مبادئ المحاسبة والعدالة وإنصاف شعبنا الذي عانى ظلماً تاريخياً منذ مائة عام، وترجمة المواقف إلى عمل ملموس وعاجل، فالدعم اللفظي لم يعد مجدياً في ظل هذه الهجمة الشرسة التي تستهدف تصفية القضية والحقوق الفلسطينة، بل أصبح يشكل خدمة مجانية لإطالة أمد الاحتلال الذي تحول لاستعمار بفضل السكوت عنه وعدم مساءلته.

 أما شعبنا الفلسطيني، في كل أماكن تواجده في الوطن والمنافي ومخيمات اللجوء، والذي يعلم حجم المؤامرة وصعوبة المرحلة المقبلة، فقد تعلم بالتجربة كيف يسقط هذه المشاريع التصفوية التي واجهها بحنكة واقتدار على مدار العقود الماضية، وهو اليوم يواصل نضاله المشروع ضد الاحتلال بكل الطرق، ويواصل صموده الأسطوري على أرضه وحراكه الشعبي السلمي من أجل انتزاع حريته وحقوقه التي كفلتها له المواثيق والشرائع الدولية، وما مسيرات العودة الأسبوعية إلا نموذجاً على شجاعته وابتكاره الخلّاق واللا محدود للوسائل السلمية والأدوات التي يعلن فيها رسالته للعالم بتمسكه بحقوقه غير القابلة للتصرف في تقرير المصير والحرية والاستقلال في دولته ذات السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحقه في العودة وفقاً للقرار 194، والافراج عن جميع الأسرى.