صراع على محور الزمن... أو حرب السبعين عاماً...حسين حجازي

السبت 12 مايو 2018 01:28 م / بتوقيت القدس +2GMT



كل الصراعات او النزاعات التي نشبت بين الشعوب او القبائل والبشر عبر التاريخ، وكانت تنطوي على ذاكرة عميقة او صلبة في تأجيجها، حيث الأموات في هذه الحالات يمسكون او يلاحقون الأحياء، فإن هذه الصراعات لم تحل او تنتهي وتزول الا على محور الزمن. الزمن وحده الذي يذيبها من جديد لتضاف مرة أخرى الى قصص التاريخ الزاخرة، ولكن الحزينة عن ممالك ودول من العهد القديم وهكذا دواليك.
وبعد سبعين عاماً قد تبدو إسرائيل اكثر من أي وقت مضى اكثر شعوراً بالقوة بل وربما الغرور والافتخار بهذه القوة، ولكن في الوقت نفسه وتحت هذه القوة الخادعة او المضللة اكثر انحلالاً وفساداً من الناحية الأخلاقية، وهي الأعراض التي تشير غالباً الى حقيقة تفشي أعراض هذا المرض، من نزعة الدمار الذاتي الذي يرافق غالباً هذه الآفة من الغرور التي افترست أخيل.
ولقد تفاخروا قبل ايام وقرب مرور هذه الذكرى من نجاحهم في اقامة دولتهم وسط محيط من الاعداء، بقدرتهم على الوصول الى ضواحي طهران وجلب هذا العدد المذهل من وثائق الارشيف النووي السري. العملية التي امتدحها دونالد ترامب واعتمد على المعلومات التي تكشفها لكي يدعم قراره المسبق بالخروج من الاتفاق النووي، القرار المتهور الذي كشأن نقل السفارة الأميركية بعد أيام الى القدس، ليجعل من سيد البيت الأبيض كما لو انه مجرد أُلعوبة بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، الذي رغم تورطه في الفساد يستطيع ان يظهر في صورة العبقري والساحر الذي حول إسرائيل الى دولة عظمى، تستطيع ان توظف الكبار في العالم لتحقيق ما تريد.
ألم يحل ضيفاً على الكرملين قبل أيام أيضا بدعوة من قيصر روسيا فلاديمير بوتين الذي يطلق عليه «الحليف الاستراتيجي» الى موسكو، لمشاركته حضور استعراض عسكري ويهمس هناك في اذن بوتين انه ينوي تدمير البنية التحتية لكل ما يسميها قواعد ايران العسكرية في سورية. وان بوتين على ما يبدو منحه الضوء الأخضر ولكن اشترط عليه الا يقترب من ضرب النظام السوري. وهكذا كان ليلة الاربعاء الخميس.
وهكذا قيل ان الثورات غالباً ما يعقبها الثورات المضادة، فان التحالفات تعقبها الخيانات. حتى لكأن السؤال طرح يوم الخميس أول من أمس إن كانت روسيا باعت حليفها الإيراني في سورية؟ أم أرادت ان تقلم أظافره عن طريق إسرائيل لكي لا يتحول هذا الحليف لأن يستحوذ على البلاد او الكعكة وحده فيما بعد؟.
ان جميع القرارات المهلكة التي اقدم على اتخاذها القادة عبر التاريخ، انما اتخذت عند هذه اللحظة من الغبش او الغسق الذي يخفي في ثناياه الشر او المخاطر الكبيرة، عندما يعتقد هؤلاء القادة ان ثمة فرصة سانحة للقفز او الالتفاف على حقائق الواقع الدامغة او الصلبة. ولقد بدت هذه الفرصة أمام الرجل بتصوير إسرائيل وكأنها الحل السحري او المعجزة لجميع التناقضات في المنطقة او الأزمة الكبرى، وهي وقف المد الإيراني. الحل السحري او البندقية للإيجار لترامب وروسيا ودول الخليج السنية، وذلك مقابل ثمن مركب ومزدوج، الجولان السوري والقضية الفلسطينية وان الله يحب المحسنين.
لكن ما حدث هو شيء اعظم واخطر من حدود رشقة الصواريخ التي تحدث لاول مرة منذ صمت المدافع العربية بعد حرب العام 1973، على المواقع العسكرية الإسرائيلية في الجولان نفسه. وبغض النظر ان كانت إيران مباشرة أي ما يسمى فيلق القدس هو من اطلق هذه الحزمة من الصواريخ فجر يوم الخميس، ام المجموعات المسلحة التابعة لها ام الجيش السوري نفسه، فان معادلة جديدة ترتسم الآن في الأفق قوامها ان معركة تحرير الجولان قد بدأت.
واذ بلغ صدى إطلاق هذه الصواريخ المعنوي والسياسي آذان الفلسطينيين هنا في غزة وفي الضفة الغربية، فإننا نكون ازاء دورة الزمن في هذه الاستدارة التاريخية المتكررة الى حيث البداية، الى النقطة التي بدأ عندها الصراع وعبر هذا التقاسم او التكامل في تبادل او تناوب او تعاقب الأدوار. وحيث لا تشي هذه التحولات ان تكشف على السطح او تطرح على بساط البحث الإبانات الحقيقية لجوهر هذا الصراع.
وفي غضون هذه السيرورة او العملية الزمنية المتواصلة على مدى سبعين عاماً من النكبة من العام 1948، لم نستطع حتى الآن إنجاز الهدف الجامع للفلسطينيين والقاضي بإزالة آثار هذه النكبة، الجرح الغائر في ذاكرة الفلسطينيين بتحقيق الاستقلال والتحرر من نير الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية وعودة اللاجئين. لكننا اليوم كما لو أننا نستحضر الأمس البعيد، أي اليوم التالي للهجرة القسرية للشعب الذي اقتلع من ارضه ووطنه فلسطين، التي تقع جنوب سورية وكانت يوماً ما جزءاً من سورية الطبيعية والجغرافية، التي تمثل الكيان التاريخي لفكرة العروبة والقومية.
وعلى الحدود او السياج الذي يفصل فلسطين القديمة التي أقيمت عليها إسرائيل، فان خيام العودة التي أعادوا إقامتها على هذا السياج الفاصل، تبعث على محور هذا الزمن ليس تكفيراً او تصحيحاً عن خطأ اقسم الفلسطينيون الا يتكرر مرة أخرى، وإنما استبدال خيمة ومحوها بخيمة أخرى، خيمة العودة مكان الخيمة الأولى خيمة اللجوء. باعتبار هذه الرمزية هي التي تمثل جوهر النقاش حول أساس الصراع التي ترتسم الآن في الأفق.
بعد سبعين عاماً، هي الحرب اذن التي لم تضع أوزارها ولم تحسم بعد، وذلك لسبب وحيد وهو ان إسرائيل لم تستطع ان تفرض على الفلسطينيين والعرب سلامها ولا الفلسطينيين اقروا باستسلامهم او هزيمتهم. ولم تزل إسرائيل دولة غريبة في محيط ربما بات مستعدا لقبولها والعيش معها، لكن إسرائيل التي ما زالت مغرقة في أيديولوجيتها لم تتعلم بعد كيف يمكن ان تتخلص من أوهامها وتقوم بتكييف نفسها للعيش والاندماج في هذا الواقع، بان تتحرر هي الأخرى من عارها بمواصلة احتلال شعب لآخر.
واذ تبدو إسرائيل عند هذه المرحلة مقتنعة او مكتفية بحماية أميركا لها، فاننا نكتفي في هذه الحالة نحن أيضا للقول هنيئا بهذه الشراكة التي تجسد اليوم اكثر من أي وقت مضى، عزلة هذين الشريكين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب ونبذهما من قبل العالم.