القضية الفلسطينية .. محاولة لفهم الواقع واستشراف المستقبل..بقلم اللواء محمد إبراهيم

الإثنين 07 مايو 2018 02:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
القضية الفلسطينية .. محاولة لفهم الواقع واستشراف المستقبل..بقلم اللواء محمد إبراهيم





من الطبيعى أن يصل الإنسان إلى مرحلة من الإحباط وهو يتابع بعمق قضية سياسية شديدة التعقيد دون أن يظهر لها فى الأفق أية بوادر انفراج وهذا هو تحديداً حال كل من يتابع عن كثب القضية الفلسطينية إلا أن المسئولية الوطنية تفرض على المهتمين بهذه القضية مواصلة البحث عن أى بصيص أمل فى نفق طويل شديد الظلمة، نظراً لأننا نتعامل مع قضية شعب يهدف إلى أن ينال استقلاله من الاحتلال الإسرائيلي.
بداية يجب تحديد طبيعة الوضع الفلسطينى الراهن على المستويين الداخلى والخارجى والذى يمكن تلخيصه فى العناصر الستة التالية: -
الأول: عقد المجلس الوطني الفلسطينى فى مدينة رام الله يوم 30 إبريل من أجل تجديد المؤسسات المنبثقة عنه وتأكيد ثوابت المشروع الوطنى، وما صاحب هذا الانعقاد من مشكلات حول مكان عقده والفصائل المشاركة فيه.
الثانى: مواصلة المواطنين الفلسطينيين فى قطاع غزة ما يسمى بمسيرات العودة التى بدأت فى الثلاثين من مارس الماضى وأسفرت حتى الآن عن استشهاد نحو خمسين فلسطينياً وإصابة المئات.
الثالث: تراوح جهود المصالحة الفلسطينية مكانها دون وجود أية دلائل على إمكانية حدوث اختراق يدفع بها للأمام .
الرابع: تقديم القمة العربية الأخيرة بالرياض كل الدعم السياسى والمادى للقضية الفلسطينية دون بلورة آلية تحرك محددة.
الخامس: اعتزام الولايات المتحدة ترجمة قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل من خلال الاتجاه لنقل سفارتها إلى القدس يوم الخامس عشر من مايو تزامناً مع احتفالات إسرائيل بذكرى إقامة دولتها.
السادس: اقتراب واشنطن من طرح ما يسمى بصفقة القرن لتسوية القضية الفلسطينية خلال الفترة القريبة القادمة.
وفى ظل هذه العناصر الستة أجد أننا أصبحنا أمام خيارين لا ثالث لهما الأول أن نترك القضية الفلسطينية بكل جوانبها كما هى دون أى تدخل حقيقى على أمل أن يعالجها عامل الزمن أما الخيار الثانى فهو أن نواصل إقامة خطوط التواصل القوية مع القضية والدفع بإتجاه تحريكها حتى تظل على الأقل فى دائرة الضوء، وبما أن القضية الفلسطينية هى قضية أمن قومى مصرى فلا يمكن أن نركن للخيار الأول الخاص بالسكون والتجاهل وعلينا أن نتبنى بصفة دائمة الخيار الثانى وهو السعى لتحريك القضية رغم كل المعوقات.
ومن المفيد هنا إلقاء الضوء على محاولة متكاملة الأركان تقوم بها إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن القضية المركزية فى المنطقة لم تعد القضية الفلسطينية، بل أصبحت قضية إيران ودورها الإقليمى ودعمها للإرهاب وسياساتها النووية، ومع تسليمنا بخطورة الدور الإيرانى وضرورة تحجيمه إلا أن هذا الأمر يجب ألا يجور على أولوية القضية الفلسطينية التى يجب أن تظل القضية العربية الأولى مهما يكن حجم المشكلات الأخرى، ويجب ألا تركن الدول العربية إلى محاولات تهميش هذه القضية وإلقائها فى دائرة القضايا المنسية.
ويظل السؤال الذى يراود كل المهتمين بهذه القضية هل هناك إمكانية لتغيير واقعها الحالى إلى الأفضل وماهى الخيارات المتاحة وفى هذا المجال أري أهمية ألا نصل إلى مرحلة الإحباط التى من المنطقى أن تعترى بعض المتابعين لهذا الملف، ولكن من غير المسموح أن يصل هذا الإحباط إلى القيادات العربية والفلسطينية المسئولة تاريخياً عن هذه القضية ،وبالتالى أرى أن لدينا خيارين رئيسيين يجب أن نسير فيهما بالتوازى وذلك كما يلى: -
الخيار الأول: بلورة مشروع متكامل للمقاومة السلمية يركز على قضية الاحتلال الإسرائيلى ويتم ترجمته على الأرض وتفعيله بشكل متواصل على أن يراعى ابتعاده التام عن العنف وعن الانتماء إلى أى تنظيم أو فصيل ، وألا يتطور الأمر إلى مواجهة عسكرية مع إسرائيل.
الخيار الثانى: التركيز العملى فلسطينياً وعربياً على كيفية وآلية استئناف المفاوضات مع إسرائيل أكبر المستفيدين من توقفها، ولعلى عندما أتساءل بينى وبين نفسى عن المزايا التى حققناها من جراء توقف المفاوضات أكثر من أربع سنوات لا أجد سوى إجابة واحدة من وجهة نظرى وهى أن وقف التفاوض طوال هذه الفترة كان أكبر خدمة قدمناها للجانب الإسرائيلى الذى أحمله أيضاً مسئولية فشل المفاوضات السابقة.
وأخيرا، فهناك رسالتان لابد من توجيههما: الرسالة الأولى إلى كل من يخشى ما يسمى بصفقة القرن وأؤكد لهم أن القيادة الفلسطينية ومعها القيادات العربية لم ولن تفرط فى الثوابت المعروفة، وبالتالى فإذا لم تتماشى هذه الصفقة مع ثوابتنا فإن الرفض الفلسطينى والعربى لابد أن يكون هو حائط الصد أمام وأدها ولن تستطيع أية دولة فى العالم أن تفرض التسوية بالقوة.
الرسالة الثانية إلى التنظيمات والفصائل الفلسطينية ومفادها إذا كان الإنقسام الفلسطينى يعد فى صالح القضية فلا مانع من أن يحرص الجميع على إستمراره, أما إذا كان هذا الانقسام نكبة جديدة فلاشك أن استمراره يعد خيانة للوطن ولمستقبل أجيال فلسطينية قادمة, ومن المؤكد أن كل وطنى مخلص يرى أن الانقسام كارثة للقضية الفلسطينية ومن ثم أطالب أصحاب القرار الفلسطينى أن يقدموا التنازلات المطلوبة من أجل إنهاء هذا الانقسام فى أسرع وقت ممكن وإستثمار الجهود المصرية المخلصة فى هذا الشأن حيث إننا وصلنا للأسف إلى مرحلة أصبحنا نتحدث فيها عن ضرورة إنهاء الانقسام بنفس روتينية حديثنا حول ضرورة انهاء الاحتلال الاسرائيلى.

وكيل المخابرات المصرية الأسبق