عكاكيز الإغريق .. د. محمود عبد المجيد عساف

السبت 05 مايو 2018 08:59 ص / بتوقيت القدس +2GMT
عكاكيز الإغريق .. د. محمود عبد المجيد عساف



في مقال سابق تحدثت بشيء من الوجع حول مفهوم قد لا يروق لعديد من القراء وهو (التسحيج الأكاديمي)، وما وصلت إليه أحوالنا من تزين الباطل لبعض المتنفذين  في سبيل الحصول على مصلحة مؤقتة أو مستقبلية، متجدر الفساد فينا، وأسندت الأمور لغير أهلها وبدأنا ولا زلنا نندب حظنا .

وفي هذا المقال الذي لا أجد فيه متكئاً لرأسي المثقلة بالأفكار، ولا روحاً تصدر أشعتها تجاه تقبل ما يجري على الأرض من مظاهر التقديس والتعظيم لأشخاص أكل الدهر عليهم وشرب، ولا زالوا يرثون كل ما يمكن أن يحقق لهم استيعاد شباب يأبى أن يعود.

 سأتحدث عن أشخاص يتغنون ليل نهار بآلام الشباب وطموحاتهم، وأهمية الدفاع عن حقوقهم باعتبارهم أساس نهضة الأمة، وفي نفس الوقت يزرعون كل المتاريس أمامهم ويمهشون قدراتهم بالاستحواذ على كل شيء، وتسوير المنافع لصالحهم باثين عفن المنة على الشباب إن قبلوا العمل مع أمثالهم.

لا أعلم سر شيوبس في عكاكيز الإغريق على أرواحنا وتقتحم كل ميادين الحياة، فيكاد يشعر الواحد منهم كأنه ابن العشرين ويبدل الحقائب الواحدة تلو الأخرى كأنه آخر ما أنجبت البشرية. لكني أعلم أنه لم يسبق وأن شهدت إنجازاً إلا وراءه جيش من الشباب الذين يشعون طاقة  وحيوية  ويتوقون للعمل، وتحصد العكاكيز في النهاية النتائج بحكم مواقعها . أما آن الأوان لأن نجدد المفاهيم؟ لأن نخرج من دائرة القائد الوارث إل القائد المؤثر؟

قد يتهمني أحدهم بالتقليل من شأن هذه الشخصيات، وهذا غير صحيح، فكل الاحترام لمن قدم منهم في شبابه خدمة للوطن، ولا زال يمنح الخبرة لمن بعده، مكتفياً بمكانته التي حصل عليها بعلمه، لا بولائه وتبريره لأخطاء غيره، وإقامة الحد على من لا يرون له فعله أو قوله،  والخزي والعار لمن لم يعلم الشباب بعده ليكملوا المشوار واعتبر أنه لا يصلح لها غيره.

قد نقبل بكل حال أن يكون أمثال هؤلاء مرجعيات علمية أو سياسية أو مجتمعية بحكم سنوات الخدمة التي قضوها، ولكن ليس من المنطق أن نقبل على أنفسنا أن نكون إمعة لأمثالهم، وأن نرضى أن يستحوذوا على فرص الشباب، وأن يستمدوا ما تبقى من أنفاسهم من شعارات أصبحت باهتة، لا تسمن ولا تغني من جوع .

لماذا ارتضينا أن يقودنا من صنعناهم، ومن مجدناهم رغم قناعتنا الداخلية بتقصيرهم؟  لماذا نمنحهم المزيد من الطاقة ليمططوا أشلاءنا، ولا نستاء من كم المناصب التي يتولوها وبعضهم مصاب بفقدان الذاكرة أو الارتجاج العصبي والطرفي.

لست من الطامعين لأن يكون الشباب هم أصحاب الحل والعقد على غرار الدول المتقدمة، بقدر ما أنا من المطالبين بتهميش العكاكيز التي نخرها السوس، وفسح المجال لطاقات الشباب، بعدما أثبتت المواقف أن أغلب من مجدناهم قد استغلوا النفوذ لتحقيق مصالح ومنافع شخصية لذواتهم أو ذويهم دون النظر إلى المصلحة العامة، والشواهد على ذلك كثيرة.

 إن ظاهرة تعظيم وتمجيد العكاكيز أصبحت تحد من سير المجتمع وتطوره وتثقل من خطاه نظراً لشعور الشباب بالإحباط من تصرفات مثل هؤلاء الذين جسدوا الوطنية قولاً وخانوها فعلاً .

ونداءً إلى المخلصين منهم.. ألا يكفيكم ما حققتم؟ ألا يؤلمكم حال الكفاءات من الشباب التي تستجدي ودكم ؟ ألم يرضيكم بعد ما قدم لكم الوطن لتتركوه لغيركم؟ أحسن الله خاتمتكم .