نضج العلاقات لا يحدث ضجيجاً.. محمود عساف

الأربعاء 02 مايو 2018 08:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
نضج العلاقات لا يحدث ضجيجاً.. محمود عساف



للمرة الأولى أشعر من داخلي المفعم  بالتشبيك بين ما يجري في الواقع وما يجب أن يكون، أني أخرج عن المألوف في تأطير ظواهر الألم والخيبة في العلاقات (أي كان نوعها)، خروجاً لا يسبب إلا مزيداً من الوجع لما آلت إليه أحوال الناس، وانعكاسات الألم الناجم عن الخلافات.

فقد سمعت وقرأت وعشت روايات تحمل عناوين مختلفة تبدأ بالخذلان وتنتهي بالغياب الأخير، وتترجم الجفاف والنكران وتجسد العبوس المدوي في نفوس أبطالها.

بشكل عام، لا أعلم سر التحول في العلاقات من الإيجابية إلى السلبية، ومن الحب إلى العداء، لتتجه بكامل الوجع إلى النكران، وخيانة الذكريات، وتهميش الصور الجميلة العالقة في الذاكرة، إلى الحد الذي قد يصاب العقل فيه بالهذيان، وتشويه التفكير ما بين من المذنب ومن الضحية؟ من الجاني ومن المجني عليه؟

وأي كانت مبررات هذا التحول، وحجم الوجع الناجم عنه، تتعدد الأسباب لمثل هذه الأمور، لكني لا أستوعب كيف تتغير الوجوه بعد اتفاق القلوب، وفي لحظة يخاصم فيها النبض عمليات العقل، يردني المنطق إلى أن هذا قد يعود إلى مفهوم مصطلح القلب الذي يتقلب من حال إلى آخر وله من اسمه نصيب، أو إلى الموقف التي قد تظهر سوء النوايا، أو تحقيق المصالح التي قد تدفع باتجاه تحويل المواقف والعواطف المؤقتة وحياكة الحكايات الكاذبة. ولأسباب قد تبدو تافهة ننسف الوعود ونستهدف الذكريات لتنهال علينا أطياف الحنين لعلاقات كان لها واقع  السحر على نفوسنا .

كل هذا قد يقبل تحت عدة مبررات صاخبة وأحزان متوارية، لكن ما لا يقبل أن تبيت الأحاسيس وتزوير مع سبق الاصرار قبل قبول العلاقة، فتكون الوعود البالية والمشاعر الباهتة والرسائل النازفة، والنبرات الباردة التي تكلل بخضاب الفقد وداعاً مخلفةً وراءها قلبين أحدهما ميت والآخر مقتول .

هذا الغدر الذي يسحبه أحد أطراف العلاقة (مهما كانت شرعيتها) لصالحه ليس من الواجب أن يستفيق من سباته بعد اتفاق، وليس من الإنصاف أن يزين بأفكار هاربة، ويقظة تعانق الوجود، وصحوة بعد وعود تفترس الأرق، لتورث المشاعر المطعونة وحكايات تجهش من فرط الخيبة.

يناحر العقل القلب في مقارنة بين العلاقات القديمة والحديثة، وما طرأ عليها، بعدما بدأت تكبلها أغلال الصدمات، وتعتريها الخلافات والتناقضات لتدخل دائرة الصمت المفخخ، مصدرة بعض المسميات والمصطلحات (كالكرامة والحق) في قتل العودة أو الرجوع أو الاستمرار أو تجاوز الزلات، فتتسع دائرة الهجر. أين شفاعة القلوب؟ أين بريق العيون؟ أين عطر الأنفاس؟ أين دفء العناق؟ أعتقد أن للقلوب هيبة وليس كرامة، لأن الحب عطاء أكثر منه تبادل

ورغم استنكاري لنكران الأحاسيس المخمرة للعلاقات الجميلة، وأنه ليس من الضروري أن ندفع من صحتنا ضريبة  لبقاء علاقة مستحيلة، إلا أني لا أرى مبرراً لغير السمو في الفراق دون غدر، فنضج العلاقات لا يحدث ضجيجاً، والتوضيح يجنب الإصابة في مقتل، والشموخ الجامح لن يصلح علاقة أحد أطرافها لم يعد يحتمل، فبعض المحطات ليس قابلة للبقاء .

والجدير ذكره، أنه ليس بالضرورة أن تترجم مواقف أحد الأطراف السامية بعدم القدرة على الاستمرار بأنها (خيانة/غدر) تسبب القطيعة، وأن تصيب العواطف بداء الجفاف، فلم تعد الحياة تتحمل حزناً أكبر، ولم تعد قلوبنا قادرة على النسيان، لتموت العلاقات على ضفاف القلب.