كم ينقصنا من النبض؟..محمود عساف

الخميس 26 أبريل 2018 03:54 م / بتوقيت القدس +2GMT
كم ينقصنا من النبض؟..محمود عساف



ي لحظة خاصم فيها نبضي قلبي، توقفت عن شرح درس ( خاصية الإضافة في التكامل المحدود) في أحد الصفوف، انتابني شعور باغتراب وغربة ووحشة، وبرد مبكر، وثقل على قلبي من أشياء كان عليها أن تتأخر لكنها جاءت قبل أوانها. رددت في داخلي دعوة (اللهم إني أسألك لذة الشوق إلى السفر) ردها ضميري الذي يأبى أن أترك أنفاس أمي أو فرحة أطفالي عند عودتي من عملي الذي لا يقدر جهودي.

وبعيداً عن التبلد الذي ينتاب كل ما فينا وما حولنا، وحالات البؤس التي وصلت إل أوج صورها والأحلام التي بدأت تهترئ، بل ماتت في عيون الشباب، ونزيف العقول التي تموت خلاياها كل ساعة، وتناقضات البرامج السياسية بين الحكومة والأحزاب أو المشاريع الإقليمية في المنطق والصفقات المشبوهة.. يبقى الإنسان يبحث عن كرامته، يعاني القهر ويدعي الصبر ثم يموت مبكراً .

بعيداً عن الكفاءات المغمورة، والتفاهات المشهورة، عن التزوير في الوعي، والتشوه المفاهيمي لدى النخب المشدوهة بصرع المال والمنصب ضاربين بعرض الحائط المصالح العامة ومصلحة الوطن الذي يتشدقون باسمه ليل نهار، بعيداً عن جنون الصور، وتزوير الإنجازات، وبيع الأوهام والصعود على أشلاء الشهداء، يبقى الإنسان يبحث عن وطن يقرأ ألم الفقراء.

لا أعتقد أنه بقي فينا أو بيننا من لم يتأثر سلبياً بنسب متفاوتة وصلت إل حد الفناء، لكني هنا لست بصدد الحديث عن كل ما سبق  بقدر ما أورد الحديث عن أسباب الشعور الذي انتابني ودعوتي التي أسأل الله أن يستجيب لها، وهو شعور الكثير من أمثالي. فهل عجز الشعب الجبار، والوطن الضال عن تحديد وتشخيص الوجع؟ لا أنتظر الإجابة التي يعرفها الصغير والكبير، لم يفضل الكثير منا ومن الكفاءات الهجرة وتحمل وجع الغربة عن البقاء هنا؟ ألهذا الحد فقدنا انتماءنا وولاءنا؟

            أعتقد أن لي إجابة مختلفة عما يدور في عقول الكثير من القراء، فالسبب الرئيس من وجهة نظري هو انعدام التوازن التعليمي، وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية والتحرر، وأعتقد لو أن الظروف متاحة هنا، للسفر أو الهجرة القسرية لما وجدت في هذه البلاد من يحميها، لقد قضم ما تبقى من أحلامنا، نهش جهود سنوات ليرضى بعض المتنفذين.

ومن منظور اجتماعي، أرى أن انهيار الطبقة الوسطى التي تعتبر العمود الفقري في بناء المجتمعات الحديثة، والذي ما كان إلا نتيجة لانتشار (ثقافة الفساد المبرر - المنمق) التي استباحت كل شيء، ومن أهم الأسباب وأكثرها عمقاً في مجتمع محافظ يتبنى مبادئ وأخلاقيات بدأت تتناقض في الوقت الحالي. أي انتهاك هذا الذي نعيش لنستجدي  الحياة؟ أي خنوع هذا الذي يصب القار على أرواحنا لنترك مصائرنا تنتظر الفرج؟

لست وطنياً إلى الحد الذي يجعلني أرضى فيه انتهاك كرامتي مرتين، مرة عند تهميش شهادتي العليا التي حصلت عليها من الجامعة الأولى على قارة أفريقيا متنازلاً عن ما تحملت في سبيل الحصول عليها، ومرة عند إقصائي وإرغامي على العمل دون تحقيق الحد الأدنى من كرامة العيش، ولا أعتقد أن هناك خلافاً على أن كرامة الوطن من كرامة مواطنيه.

لا أعرف بصراحة كيف أختم هذا المقال، كلما حاولت أن أجد ما ينبش الخاتمة، راودني ما آلت إليه أحوال الناس، إلى الحد الذي تحلل فيه المجتمع، وانحرفت فيه سلوكيات الأشخاص نحو اللامنطق بسبب انتهاك جميع الحقوق التي نصت عليها الشرائع الدينية والمواثيق الدولية.

كم ينقصك من النبض يا غزة.. لتكوني مدينة بلا وجع تحب ناسها.. وتكرم أحبتها حتى لا تنساهم  ولا ينسوها .