عن المواجهة القادمة بين إسرائيل وإيران!! بقلم : عبير بشير

الثلاثاء 24 أبريل 2018 08:58 ص / بتوقيت القدس +2GMT




الغارة الإسرائيلية الأخيرة على موقع الحرس الثوري الإيراني في مطار التيفور بمحافظة حمص، والغارات التي سبقتها، تدفع أكثر فأكثر بإمكانية المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية  المباشرة إلى الواجهة بقوة، وهي على ما يبدو لن تتأثر بحفلة الألعاب النارية التي نظمها الرئيس الأميركي ترامب في السماء السورية مؤخراً.  
إسرائيل أكدت بالغارة ومن خلال الصور التي نشرتها بعد ذلك حول المواقع العسكرية الإيرانية في سورية، أن النشاطات الإيرانية في سورية مكشوفة أمامها، وأن هدف هذا النشاط الإيراني هو تحويل سورية إلى جبهة أمامية ضدها. في حين أن الحرس الثوري، وفي حالة نادرة، اعترف بمقتل سبعة من ضباطه في قاعدة التيفور. نائب قائد الحرس الثوري، الجنرال حسين سلامي، هدد الإسرائيليين بفتح جبهتين من الغرب والشمال على الصعيدين الصاروخي والحرب البرية، وقال: إن «الأيادي على الزناد، وصواريخنا جاهزة للإطلاق. أنتم محاصرون. وتعيشون في فم الثعبان".
وأكدت طهران على لسان علي ولايتي، مستشار المرشد علي خامنئي، أنّها ستردّ بشكل ضروري على الضربات الإسرائيلية". في حين أن تل أبيب وعلى غير عادتها أعلنت أنها  ضربت مطار التيفور لأنّ إيران تستخدمه في تخزين وإطلاق طائرات دارون، في حين كانت في السابق لا تعترف مطلقاً بأي اعتداء. لذلك فإن أي رد إيراني على الغارات الإسرائيلية هذه المرة، لا بد أن يطال إسرائيل مباشرة وبشكل مكشوف، وإلا لا معنى للرد الإيراني على طريقة حروب الظلال. 
في حين نصح وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، جميع من هم على الحدود الشمالية أن يفكروا جيداً قبل أي فعل، مضيفاً: إنه ليس من مصلحتهم اختبار الجيش الإسرائيلي، ونحن جاهزون لأي سيناريو. كما أعلن مسؤولون كبار في وزارة الحرب الإسرائيلية أن تل أبيب سترد على أي ضربة إيرانية بشن حملة جوية كبيرة على البنى التحتية العسكرية الإيرانية في سورية، وزعموا أن طهران تسعى إلى إنشاء قاعدة جوية أمامية ومصنع صواريخ موجهة بـنظام «جي بي أس» لقصف أهداف في الداخل الإسرائيلي، وتتعاظم الخشية الإسرائيلية من الرد الإيراني للثأر لدماء مستشاريه من الحرس الثوري مع اقتراب الذكرى السبعين لاحتفالات "عيد الاستقلال" الإسرائيلي، وهو ذكرى يوم النكبة للشعب الفلسطيني.
التهديدات المُتبادلة بين طهران وتل أبيب تؤشر إلى أن المواجهة الإيرانية – الإسرائيلية واقعة. ولكن السؤال الأهم ما هو شكل وصيغة هذه المواجهة، فإيران لم يعد بإمكانها الصمت على الهجمات الإسرائيلية ضد مواقعها في سورية، وفي نفس الوقت لا تستطيع ضمان عدم تحوّل أي عملية محدودة لها ضد إسرائيل إلى حرب واسعة وشاملة بالصواريخ، في وقت لا تبدو فيه إيران مستعدة لخوض مثل هذه الحرب، وهي غارقة في المعارك على الأراضي السورية، ومتورطة في حرب اليمن، ويتراقص فيه نظام الملالي على وقع خلافات حادة بين مراكز القوى فيه، إلى درجة أن المرشد خامنئي أصبح مضطراً للطلب من أجهزة الاستخبارات الإيرانية النأي بنفسها عن الانقسامات الداخلية، وذلك بعد أن أصبح التنافس بين مختلف الأجهزة علنياً.
 ويبدو أن إسرائيل التي اعتادت دائماً تسويق والمتاجرة بخوفها، وجدت أخيراً في نظام بشار الأسد عقدة أخيل الإيرانية، لذلك هددت بالرد على أي هجوم إيراني بشكل يقوض سيطرة نظام الأسد، بمعنى أن إسرائيل ستركز في ردها العسكري على قصف مواقع للجيش السوري كما الحرس الثوري في حلب ودير الزور. 
وخلال سنوات الحرب السورية السبع، كانت إسرائيل معظم الأحيان تقف موقف المتفرج السعيد بما يرى من مذابح للشعب السوري، وكانت تكتفي بتحذير الأطراف من التعرض لحدودها، وقد التزم المتحاربون بعدم تخطي الخطوط الحمراء الإسرائيلية، بمن فيهم "داعش" و"النصرة" و"الحرس الثوري الإيراني"، إلا من مواجهات محدودة. وكان الوضع في سورية أكثر من مثالي بالنسبة لإسرائيل باستمرار القتال بين أعدائها. لكن يبدو أن حسم الحرب لصالح إيران بشكل أو بآخر، واكتفاء تركيا بتنظيف مناطقها الحدودية من المتمردين الأكراد، وفي ظل رغبة الرئيس المتقلب ترامب بسحب قوات النخبة الأميركية المتواجدة في شمال شرقي سورية بحجة انتهاء مهمة القضاء على "داعش"، في ما بدا تناقضاً كاملاً بين هذا التوجه وبين إعطائه الأولوية لإخراج إيران و"حزب الله" من سورية في إطار سياسته الحد من زعزعة طهران للاستقرار الإقليمي. كل ذلك جعل إسرائيل تعيد إستراتيجيتها حيال الوجود الإيراني في سورية، خصوصاً مع سخونة المؤشرات حول سعي طهران لتحويل سورية إلى جبهة أمامية ضدها على غرار ما حدث في جنوب لبنان.
وقال نتنياهو خلال اتصال هاتفي مع بوتين: إن بلاده لن نتدخل في موضوع معاقبة الدول الغربية لنظام الأسد بسبب استخدامه الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، لكننا في الوقت ذاته لن نقبل بوجود إيراني طويل الأمد داخل سورية. 
صحيح أن هناك اعتبارات وازنة تمنع المواجهة الشاملة بين إسرائيل وإيران،حيث ترى الدولة العبرية في الدور الإقليمي التخريبي لطهران المرتكز على أيديولوجيا طائفية، بأدوات طائفية، مخالب أمامية لتمزيق الكتلة الإسلامية والعربية طائفياً. حيث واجهت إسرائيل منذ نشوئها مقاومة شرسة من كتلة عربية سنية هادرة تمتد من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي، ودخول إيران إلى هذا المشرق بأيديولوجيا وميليشيات مذهبية شيعية، يخدم تفكيك هذه الكتلة، وهذا بدوره يصب في مصلحة إسرائيل وإيران بغض النظر عن النوايا والأهداف النهائية لكل منهما. وهذا لا يعني أن بينهما مؤامرة مشتركة، غير أن ما بينهما هو تواطؤ تاريخي ضد العرب.
غير أن تسلسل الأحداث خلال الأيام الماضية، لم يكن مجرد صدفة، بل هو إستراتيجية بدأت إسرائيل تتبعها، هدفها استدراج طهران إلى مواجهة عسكرية معها في هذه المرحلة على أرض سورية، أي قبل أن تتمركز إيران بشكل نهائي في سورية، وأنها قد تسعى لاتخاذ خطوة من شأنها الدفع بالإيرانيين لفقد صوابهم والرد، وعندها سيكون الرد الإسرائيلي عنيفاً لدرجة تدمير مراكز القوة الإيرانية وتلك التابعة للنظام السوري، لمنع الانتشار العسكري الإيراني في سورية، حتى لو كلف الأمر مواجهة عسكرية مباشرة.
ولخص المحلل العسكري الإسرائيلي، أليكس فيشمان الموقف.. بأن الفكرة هي خروج إسرائيل عن معادلة -ضربة مقابل ضربة، وأن التوجه هو اتخاذ خطوة مدوية أكثر، وإخماد النار بمزيد من النار. 
السؤال الملح هو: من يمكنه ضبط تدحرج «كرة النار» عند نقطة تحول دون وصولها إلى حيث لا يجب أن تصل، أي الحرب الشاملة، التي حتماً ستغيّر كل المعادلات خصوصاً بين موسكو وواشنطن، لأنهما ستُحشران في كيفية حماية كل واحدة منهما لحليفتها؟