غزة تختنق فهل من مجيب؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 24 أبريل 2018 08:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
غزة تختنق فهل من مجيب؟ مهند عبد الحميد



هل نشهد حالة من التفكك الفلسطيني، الذي من مظاهره ضعف التضامن مع غزة، وندرة التضامن مع مخيم اليرموك ومحنة اللاجئين في سورية، وهشاشة التضامن مع القدس في معركة البوابات سابقاً والأخطر في معركة ما بعد قرار ترامب راهناً، وقبل ذلك انعدام التضامن مع اللاجئين الفلسطينيين في العراق وليبيا، والخلاف على عقد الدورة 22 للمجلس الوطني والتحديات التي قذفتها صفقة ترامب في وجوه الجميع. الهدف من هذا العرض ليس إضافة سلب إلى مجموع السلب الذي يملأ الساحات الفلسطينية ويفيض، بل البحث عن عناصر إيجابية وسط  الظلام الدامس بالاستناد إلى معايير وطنية وديمقراطية وأخلاقية.

وإذا كانت مهمة التصدي لصفقة القرن والعمل على إفشالها راهناً كهدف مركزي لكل الشعب في مختلف أماكن تواجده، فمن الصعب خوض هذه المعركة المفصلية وقطاع غزة يترنح في أزمات خانقة وفاقت قدرته على الاحتمال، والشيء نفسه ينطبق على مخيم اليرموك ومصيره وواقع اللاجئين المأساوي في سورية وبمستوى أقل في لبنان، وواقع الحال لا يمكن تجزيء المهمات إذا أردنا مشاركة الكل في المعركة الوطنية.


قطاع غزة يختنق ويزداد اختناقاً بمرور الأيام، وفي اليد، ألف دليل ودليل على المعاناة التي تطال السواد الأعظم من الناس، تسمع عناصرها من أصدقاء وصديقات أو تقرؤها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، قصص مؤلمة تؤثر عميقاً في أصحابها وتعيد تشكيلهم بقيم ومفاهيم وعلاقات وأولويات تعزز إحساسهم بالمظلومية. الذين لا يعبرون عن معاناتهم والذين يمكن اكتشافهم بالصدفة هم الأشد معاناة، والسواد الأكبر من الناس الذين يعبرون عن المعاناة يخرجون عن أطوارهم بردات الفعل وهم محقون في ذلك. ولا تقتصر المعاناة على أصحابها المباشرين، فقد بدأت تنتقل العدوى إلى الشركاء في الوطن والمصير في الداخل والخارج.

صحيح أن شعور الشركاء  بالمحنة من خارج قطاع غزة لا يزال متخلفا عن الحد الأدنى والواجب الوطني والمدني والإنساني، إلا أنه بدأ يخلق اضطراباً وقلقاً وشعوراً بأهمية المشاركة في مصاب غزة،  ولسان حال هذه الفئة نحن شركاء في صناعة المعاناة، شركاء بصمتنا وبقبولنا للأمر الواقع. والذين لم يشعروا بمصاب غزة، ستكون خسارتهم في قادم الأيام أشد، جراء انسحابهم من الشراكة والهروب من متطلباتها هؤلاء يخسرون ذاتهم المترافق مع خسارة غزة.


مَنْ صنع ويصنع محنة غزة؟ أولاً: الاحتلال الذي لا خلاف على دوره في الحصار والفصل العنصري وقائمة ممنوعات الاستيراد الطويلة، وإغلاق أسواق العمل. وفي العدوان المتواصل الذي ارتكب ويرتكب جرائم القتل ويدمر البنية التحتية، ويستنزف الطاقات يومياً وبشكل دائم. ثانياً: سلطة "حماس" وسياساتها في السيطرة والقمع وفي فرض قبضة أمنية ومنظومة قيم التعصب الديني الغريبة عن المجتمع الفلسطيني. وفي ارتهان حركة "حماس" لمركز قرار خارجي (التنظيم الدولي للإخوان). وفي المقامرات النابعة من مصالح فئوية وحسابات إقليمية، والتي لم تأخذ في الحسبان المصالح الوطنية ومصلحة أبناء القطاع التي تسيطر عليه، فضلاً عن مساهمتها في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. ثالثاً: سياسة الإغلاق المصرية وفي تقييد حركة أبنائه المتأتي من قيود الحركة عبر معبر رفح في أيام فتحه النادرة والقليلة جداً.

إن من يتابع آخر رحلة من غزة إلى مصر سيدهش من المعاناة التي تلحق بالمغادرين، خاصة من النساء والأطفال، بين انتظار ومرور ونوم داخل المعبر بشروط غير إنسانية، مروراً بالتوقف على الحواجز الأمنية. وقد يستغرق السفر ما بين 24 إلى 36 ساعة. رابعاً: إجراءات حكومة الوفاق والتي كان آخرها الامتناع عن دفع رواتب كل موظفي السلطة من قطاع غزة، إضافة إلى وقف الميزانيات التشغيلية للمؤسسات الحكومية بما في ذلك مؤسسات المنظمة. هذه الإجراءات هي امتداد لإجراءات سابقة تضمنت وقف تغطية الكهرباء وتخفيض الرواتب وغير ذلك. الأسباب الآنفة الذكر قد تكون مفهومة ومتوقعة عدا إجراءات الحكومة التي أصابت ليس فقط الموظفين وأدخلتهم في محنة وإنما أصابت نسبة كبيرة من المواطنين الغزيين. واقع الضرر الذي يلحق بالمواطنين وبالموظفين لا تقر به الحكومة وأقطابها الذين يقولون إن المستهدف من الإجراءات سلطة "حماس".

وهذا لا يستقيم مع حقيقة أن المتضررين من المواطنين فضلاً عن قطاع الموظفين الذي تم زجه في الأزمة دون سابق إنذار. بالعكس "حماس" تستخدم هذا الإجراء للتنصل من مسؤوليتها، وتُدخل الحكومة في أزمة ثقة عميقة مع المواطنين، حيث تفيد معظم التقديرات والاستطلاعات بأن إجراءات الحكومة ولَّدَت نقمة شعبية، طالت منظمة التحرير التي تعتبر مرجعية للحكومة. حركة "حماس" لن تتراجع وقد جاءتها إجراءات الحكومة لتساعد في إسقاط مسؤوليتها عن الأزمة. والجديد هو مشاركة أكثرية المواطنين في تحميل المسؤولية للحكومة وللمنظمة. وهنا لا ينبغي قبول المنظمة بسلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية تحت أي ظرف من الظروف؛ لأن ذلك يؤدي إلى انقسام شعبي وجهوي وتفكيك مكونات الشعب وما يترتب على ذلك من إخفاق لمشروعه الوطني في لحظة سياسية متفجرة تستدعي عمل العكس، تستدعي وحدة الشعب في مواجهة صفقة ترامب.

ومن أجل درء المخاطر فإن التراجع عن كل الإجراءات التي تلحق ضرراً بالمواطنين في قطاع غزة يعد أولوية وطنية بامتياز.   
إن المسؤولية تقع على عاتق قيادة المنظمة المطالبة بتفعيل تضامن كل أجزاء الشعب مع الجزء المنكوب، وتقع بنفس المستوى على التنظيمات والمؤسسات والاتحادات  العاجزة عن بناء الجسور بين مكونات الشعب في مختلف أماكن تواجده، وتفعيل حراكات ومبادرات وبناء رأي عام ضاغط على مركز القرار، ومن فادح الخطأ تبرير التقصير بالتقصير والعجز بالعجز والأخطاء بالأخطاء واللاتضامن باللاتضامن.. البديل عن ذلك تنظيم الفعاليات الديمقراطية للتأثير والمشاركة في القرار. 
Mohanned_@yahoo.com