التحول الأخير في الصراع على سورية والقمة العربية في الظهران..حسين حجازي

السبت 21 أبريل 2018 12:10 م / بتوقيت القدس +2GMT



لم تحدث الحرب العالمية التي أخافت العالم في الأسبوع الماضي، ومثلت لأيام تحت تأثير الإيحاء لوقوعها ما يشبه الكابوس، لكن الله وقى شرها. وأرجعت الصحافة الأميركية والغربية عموما السبب في ذلك الى الدور المتعقل والمعتدل الذي مارسه الفرنسيون والبريطانيون والجنرال ماتيوس وزير الدفاع الأميركي في إضفاء هذه المحدودية في استخدام القوة، او عدم التوسع في توجيه الضربة ضد سورية.
أما على الطرف الآخر في روسيا وإيران وأنصار الرئيس السوري بشار الأسد و"حزب الله"، فقد رأوا ان التهديدات الروسية الجدية وغير المسبوقة وتهديدات النظام السوري نفسه وحلفائه في الرد على هذه المغامرة، هو الذي أدى بالأخير الى كبح جماح العدوان او الحلف الثلاثي عن الذهاب الى أبعد من ذلك، وإلا.
وإذ اعتبر الرئيس السوري نفسه كما لو انه يستعيد دور جمال عبد الناصر في مواجهته العام 1956 لما يسمى أزمة السويس والعدوان الثلاثي الذي قامت به بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، إلا ان هذا التكرار في الأحداث التاريخية لا يشي واقعيا إلا في هذا التناص او الميل لاستحضار ذكريات الماضي، او الرغبة في إعادة تمثيل دور الأبطال في التاريخ، بشار الأسد في دور جمال عبد الناصر. 
لكن ما حدث في أزمة السويس ان الجنرال أيزنهاور الذي كان رئيسا للولايات المتحدة، ونيكيتا خرتشوف رئيس الاتحاد السوفيتي، قد اتفق كلاهما حتى في ذروة الحرب الباردة بينهما على فرض التراجع والانسحاب بل والهزيمة أمام عبد الناصر على أطراف الحلف او العدوان الثلاثي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. وذلك من منطلق توازن نادر للحسابات او المصالح المتناقضة بينهما. أيزنهاور لأن عينه كانت على وراثة نفوذ الاستعمار القديم، وخرتشوف لأن عينه على كسب مصر إلى المعسكر الاشتراكي وهو ما حدث.
وما يحدث ان الحرب الأهلية الداخلية في سورية او ما يسمى بالثورة على النظام، تبدو الآن وقد انتهت او أوشكت على نهايتها بفشل ذريع لهذه الحرب بالوكالة، وانتصار واضح للنظام او الدولة والحفاظ على بقائها وتماسكها كما لحلفائها على حد سواء. 
وان ما يجري او جرى عبر الضربة المباشرة من جانب إسرائيل أولا والحلف الثلاثي لاحقا إنما هو تعبير عن الانتقال والتحول في الصراع على سورية من الحرب الداخلية الى الحرب الخارجية والدولية الإقليمية، إذا كانت سورية كما اشرنا الى ذلك مبكرا هنا أي قبل سبع سنوات، هي التي تمثل مفتاح التوازن الإقليمي بل والعالمي، وهو ما يعني ان من يسيطر عليها يسيطر على مجمل الإقليم.
وبهذا المعنى فإن الأزمة او الصراع على سورية هو اكبر من أزمة السويس واكثر أهمية في خطورة نتائجها، ولذا فإنها لا زالت هي الأزمة التي تهدد بحرب او مواجهة عالمية كما كان الحال عليه العام 1840، في الحلف العالمي الذي قادته بريطانيا زعيمة النظام العالمي القديم في ذلك الوقت ضد سيطرة جيش محمد علي ونجله إبراهيم باشا على سورية.
والفارق ان عبد الناصر خاض مناورته الجريئة والذكية عند الحافة او القشرة الرقيقة، التي تفصل في التاريخ بين اضمحلال او نهاية النظام العالمي القديم الذي كانت تمثله قوة بريطانيا وفرنسا الاستعماريتين، وولادة او تشكل نظام عالمي جديد بين قطبين متنافسين هما أميركا والاتحاد السوفياتي. 
والذي يحدث أيضا الآن عبر هذا التحول الأخير في تداعيات الأزمة السورية، ان الصراع هو على وراثة روسيا لما كان لعقود طويلة هيمنة أميركا المنفردة على هذا الجزء من الشرق، وان بشار الأسد وسورية قد نجيا بخلاف العراق وليبيا أي صدام حسين ومعمر القذافي، لأن سورية كانت جزءا من محور إقليمي ودولي بينما كانت العراق وليبيا معزولتين. وان هذا الحلف او المحور الذي يمتد من ايران الى لبنان وروسيا هو القوة الصاعدة.

القمة العربية الأخيرة 
كانتصار للفلسطينيين
بخلاف القمة العربية الإسلامية التي عقدت في الرياض في أيار من العام الماضي، التي مثلت احتفاء وتكريما لدونالد ترامب، فإن قمة الظهران العربية كانت اكثر من كونها تثبيتا وتكريما للقدس وفلسطين، التي اطلق عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز "قمة القدس". فهل كان هذا ردا ولو متأخرا قليلا على دونالد ترامب؟ او هو القول الفصل من السعودية، وهذا له الدلالة الحاسمة لإغلاق فم بنيامين نتنياهو ومن لف لفيفه، الذين لم يتوقفوا عن ممارسة هذا الإيحاء الإعلامي المتواصل في التشكيك بالموقف السعودي، عبر الحديث عن التطبيع العربي السري في رسالة الى الفلسطينيين مفادها ان العرب ذاهبون الى التخلي عنكم وبيعكم بأبخس الأثمان. ولذا عبثا تحاولون البحث عن التحرر وإقامة دولتكم المستقلة وبالتالي اقبلوا ما يعرض عليكم في صفقة القرن؟.
ولقد انتهى هذا الهراء او الثرثرة والتضليل السياسي او السيكولوجي. والذي حدث ان هذه القمة العربية من السعودية بدت كما لو أنها تلقي "بدش" ماء بارد على دونالد ترامب، وتعلن رفضها لصفقة القرن واعترافه ان القدس عاصمة لإسرائيل في تجاوز وقح ومهين لما يسمى بقضايا الحل النهائي، أي في المفاوضات مع إسرائيل.
وهل كان هذا الإجماع العربي حول الثوابت الفلسطينية هو الموقف العربي الذي ازعج ترامب، ليقول في تغريدة له بعد القمة، ان إسرائيل هي الصديق الوحيد لأميركا في المنطقة، وما رافق ذلك من كلام آخر منسوب للرئيس الأميركي انه يفكر بعدم المضي في مبادرته حول ما سمي بصفقة القرن، مفضلا الاهتمام بتحقيق السلام مع كوريا الشمالية، إلا إشارة عن بدء خروج او غروب العصر الأميركي في هذه المنطقة. وهو الذي تعكسه دعوة مصر والسعودية لإرسال قواتهما الى شمال سورية للحلول مكان قواته التي يفكر بسحبها من هناك، لئلا تتحول الى مصيدة جديدة كما حدث في العراق ولكن هذه المرة أمام ايران واذرعها من التنظيمات العراقية واللبنانية المسلحة. 
او لعله يقصد من وراء هذا الانسحاب لقواته من سورية تأمين خطوطه الخلفية إزاء قرار يتخذه مع إسرائيل هذه المرة بتوجيه الضربة القاصمة لإيران، تاركا للعرب ان يقضوا على إخوانهم في سورية.
والواقع أننا نشهد متغيرات كبرى وحاسمة قد تعيد تركيب توازنات العالم والمنطقة، وان هذه الرياح التي بدأت تهب ربما هي في مصلحة الفلسطينيين وتدفع أشرعة الفلك الفلسطيني. ولقد كانت القمة العربية في الظهران انتصارا للموقف والاستراتيجية الفلسطينية، إذ اكد العرب أمام إسرائيل ان هذا هو الممر الإجباري الوحيد لتحقيق السلام، وإلا. 
وهذا الموقف مهم ويثبت فشل إسرائيل في اختراق السياج العربي الأخير التي تمثله القمة العربية، أما إسرائيل فقد أدخلت نفسها كطرف في الصراع على سورية وبالتالي الاشتباك بل الحرب مع ايران وروسيا، فإن عليها ان تواجه الثمن لنتيجة قرارها الخاطئ بل الأحمق كما لاحظ حسن نصر الله. فهل الحرب الإقليمية تدنو من الأبواب؟.