كاتب مقيم في فلسطين
إندفع الفلسطينيون في مشهد وجداني نحو حدود قطاع غزة مع فلسطين التاريخية ، في انسجام فعال لكل أطياف الشعب الفلسطيني ، وخاصة بعد محاولات الإدارة الأمريكية إزاحة ملفي القدس و اللاجئين عن طاولة الحل و المفاوضات ، مسيرة العودة سلطت الضوء على قضية اللاجئين ذات الرمزية العالية لدى الفلسطينيين و تشكل ردا على إدارة ترامب ، الشعب لم يخرج لرغيف الخبز وهو بحاجته ، ولم يخرج بسبب الفقر و الكهرباء و نقص المياه وهي يعاني من ذلك ، بل خرج للتأكيد على حق العودة ودعما للأونروا باعتبارها الدليل السياسي و القانوني، لقضية اللاجئين ولوحدة اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم ، خرجوا لأن قضيتهم سياسية بامتياز تتعلق بالحرية و الاستقلال وحق تقرير المصير ، بعدما حاولت إسرائيل عزل القطاع عن القضية الفلسطينية وعن القدس و الضفة الفلسطينية ، حاول البعض ممن يعيش بين ظهرا نينا أن يصور أن قطاع غزة قضية إغاثة دولية فقط متساوقا مع مواقف عربية و عالمية ، التي كانت تصور قطاع غزة " المنطقة غير صالحة للسكن " منطقة تسًول وإغاثة ، ولكن الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة ، الذي حاول البعض تحطيمه و إفقاره وتكسيره ومحاصرته ......... إلخ ، ينهض من تحت ركام دمار ثلاث حروب تدميرية ، و انقسام مقيت ، ويعيد قضيته إلى وجهها المشرق في مشهد جعل من العالم يقف على قدم واحدة ، ويجعل عدوه التاريخي و السياسي يصيبه الذهول والحيرة ، حتى الإدارة الامريكية مارست جهدا وقحا لمحاولة الدفاع عن قتلة الأطفال في مجلس الأمن، وإن نجحت ولكنها فشلت في مختلف الميادين ، وها هي جرائم الجيش الإسرائيلي على شاشات التلفزة العالمية ، وفي مواقع التواصل الاجتماعي ، الصورة حولته " أقوى جيوش المنطقة" إلى مهزلة، إرادة الشاب الفلسطيني هزته وانتصرت عليه في الميدان وفي وجدان العالم الحر ، و أصبح الخبر الفلسطيني له مكانته بعد أن ضاع في حروب العرب المذهبية لصالح إسرائيل ، وأعاد الاعتبار للقضية الوطنية الفلسطينية .
عندما خرج الفلسطينيون المقدسيين في انتفاضة عارمة سلمية ضد ممارسات الاحتلال القمعية " معركة البوابات الإلكترونية " ، كانت الصورة حاضرة في وجدان العالم الحر وصدرت إدانات وقرارات دولية دعما لنضال المقدسيين ، وهذا لم يكن ليحدث لولا إصرار المقدسيين ووضوح هدفهم المحدد بإزالة البوابات والكاميرات ، أديا لنجاحهم وانتصارهم و إجبار العدو على إزالة بواباته الإلكترونية وكاميرات المراقبة ، وكان انتصارا فلسطينيا كنا بحاجة إليه قي ذلك الوقت حتى يستعيد شعبنا دوره في المبادرة .
وجب على الفلسطينيين تحديد هدفهم ورؤيتهم في مسيرة العودة ، التي ستكون ذروتها يوم 15 أيار القادم الذكرى 70 للنكبة ، يشتغل العديد من الناشطين السياسيين والقادة الميدانيين في تحديد استثمار هذا الجهد النضالي، والذي هو بالتأكيد فعل نضالي تحرري ، و حتى لا يفكر البعض بتحويل هذا الإنجاز لخدمة أجندته الخاصة ، أو أن يتم مقايضة ذلك بالدعم المالي والوعودات الكاذبة ، هناك حديث يدور عن محاولة تخفيف الحصار وإدخال المساعدات، أي نرجع للأسطوانة الإغاثة و التسول ، هناك مطالب حقيقية للناس لا يحلها إلاَ إنهاء الانقسام واستعادة الحياة الديمقراطية في فلسطين، التي أضاعها وداس عليها الانقسام ، يجب أن تكون مطالبنا سياسية مرتبطة بحقوقنا ، التي يجب ان نحددها وفق معطيات الواقع و محدداته، أن لا نبالغ لأن معركتنا مع العدو مازالت طويلة ، وتحتاج لظهير وعمق عربي فعال ، وقبل كل شيء نتوحد سياسيا وفصائليا كجماعة سياسية واحدة ، كما توحدنا في ميدان شرق قطاع غزة .
الهدف الأول والذي تحقق ميدانيا هو وحد الفلسطينيين وإنهاء الانقسام ، أما الهدف الثاني والآني هو إفشال خطة القرن ، ودفع الرئيس الأمريكي للتراجع عن قراره بشأن القدس و المستوطنات و حق العودة ودعم الأونروا ، قد يقول البعض هذا هدف بحاجة لجيوش جرارة لتحقيقه ، ولكن إرادة شعبنا في ذهابه وتأسيسه لانتفاضة شعبية غير مسلحة وتعم كل المناطق الفلسطينية كفيل بتحقيق ذلك ، ولان قطاع غزة هو البداية ، سواء في شرارة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، أو بالانتفاضة الأولى و الثانية ، لما لا تكون الانتفاضة الثالثة ، خاصة وأن الواقع يستدعي ذلك وان مقومات الانتفاضة الثالثة بدأت بالظهور ، ولكن يبقى الانقسام هو طعنة بظهر الثوريين المتواجدين في مختلف ميادين المواجهة مع العدو الإسرائيلي .
ظن العدو الإسرائيلي أن الفلسطينيين سوف ينسوا قضيتهم ، عبر إشغالهم بخلافاتهم السياسية تارة، وتارة أخرى بإفقارهم وتحطيمهم وتهجيرهم إلى المنافي ، ولكنه نسى أن التاريخ الفلسطيني جميل فيه الفدائي يتدثر بالجبال وفيه درويش والأميلين والقاسم وأدور سعيد وكنفاني ، تاريخ جميل ولكنه صعب ومرير فيه ايضا شهداؤنا و أسرانا نضال جيل يتبعه جيل أكثر إصرارا ومثابرة ومعرفة .