لماذا لم تشارك بمسيرة العودة فبكيت؟! إبراهيم المدهون

الإثنين 02 أبريل 2018 05:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
لماذا لم تشارك بمسيرة العودة فبكيت؟! إبراهيم المدهون



حين طفت المحتشدين أرقب تفاصيل صغيرة. طفلٌ وامرأة وشيخ وشاب، خيمة وضحكة، أتأمل الوجوه والعيون التواقة لوطن يحتويها كما احتوته، ويمنحها كما منحته، ويضمها كاحتفاظها له بالقلب والعيون، رجعت بذاكرتي لأول الفكرة حينما كانت حلم تواصينا وأسهمنا مع بعض الشباب، ودعونا وكَتبنا ونظّرنا لمسيرة محتشدة واحدة، تقلب أساسات المعادلة رأسا على عقب، لم أتوقع أن أصل للمرحلة أشاهد فيها حلم المسيرة واقع متجسد لا تشوبه شائبة، لقد نجح شعبنا كما لم ينجح من قبل لقد تفوقنا على أنفسنا. مسيرة مكتملة الأركان، قوية البنيان، نقية الصف ممتلئة بالطاقة والحيوية، عظيمة الحشد، لا يتغيب فيها أحد، متنوعة المشارب والألوان، القائد والجندي، الكاتب والمُثقف والمبدع والعامي الهائم في ملكوت الوطن، المُقاتل والعسكري والميداني والصانع والمزارع، الرجل البسيط والمرأة العاملة، والمسؤول مع أبنائه وأحفاده، الجميع هنا ليقولوا أننا فلسطينيون دون تمييز، وهذا ما أخاف الاحتلال وحاول مواجهة الفكرة بالترهيب والتخويف والتدمير، واختراق الحسابات وتغيير المسارات وحرفها، والاتصال بشركات الباصات وتهديدها، ثم بالقتل.

القتل البارد لخيرة شبابنا. واتبع الاحتلال وسيلة قذرة جدا حيث قام باستجلاب فرق موت وقتل وقنص متطرفون منحرفون نفسيا، وعظم من الإصابات فبلغت أعدادها بالمئات، وانتقى خيرة الشباب ليغتالهم أمام مرأى العالم، هو يريد ضرب فكرة السلمية في مهدها يريد جرنا للمربع الأسود الذي يتقنه، مربع الموت والتدمير والصراع المعتمد على تكنولوجيا التوحش، ونحن في مسيرتنا هذه نريد التمسك بمربع الحياة والبناء والأغاني، ورفع العلم وإبراز هويتنا وتمسكنا على هذه الأرض سيدة الأرض. أثبت شعبنا أنه أوعى من حرف مساره لما يريده عدوه، ورغم بعض الأقلام والأصوات التي بررت للاحتلال القتل وأعفته من المسؤولية وحملت الضحية مسؤولية القنص والقتل، إلا أن مسيرات العودة كتبت مقدمة جديدة لا يمكن تغافلها، نحن على هذه الأرض أقوى وأقدر، وبقاؤنا أضمن ونَفسُنا أطول، فماذا يريد الاحتلال أن يفعل لشعب يحب الحياة ويتمسك بها، ويسير إليها ما استطاع سبيلا؟! لا شك أن كل من شارك بمسيرة العودة بطل وقائد في ميدانه، وكل من تخلف لأي عذر ندم واسترجع وعزم على أن يعود في المرة القادمة، وهذه طبيعة الأحداث المصيرية العظمى، ملهمة تكبر مع كل يوم رغم ما فيها من تضحيات وآلام، فنورها أشد من ظلمة الرصاص الإسرائيلي القاتل، وقطرات الدم النازفة من خيرة شبابنا ستحيط الاحتلال باللعنات.

مسيرة العودة عصا موسى خرجت لتأكل مؤامراتهم وصفقاتهم وانحرافاتهم وبيعهم، حيث الحقيقة أمام زيف التبلي على شعبنا، هي القوة أمام الضعف والتوهان هي صوت بلال يوم الفتح، وهدير المعتمرين بأمان واطمئنان ونصر دون سلاح وقتال. وليكن اعتصاما مفتوحا لا يتوقف. تحج إليه الأجساد والقلوب وعيون العدسات، ويتجدد المشهد مع كل جمعة ثائرة، حتى يأتي ذكرى النكبة السبعون، ليخرج شعبنا على صعيد واحد وينادي بالعالم أجمع آن أوان التحرك والوصول، وقد انكشف كل شيء ولم يتبقى إلا خاتمة القوة والقصة.