عودة التوحش للسياسة الأميركية ..محمد ياغي

الجمعة 30 مارس 2018 10:35 ص / بتوقيت القدس +2GMT



في عقلية المفكر الألماني هيجل، التاريخ يعيد نفسه لأن الناس والحكومات لم تتعلم منه أو لم تتصرف بناء على العبر والدروس المستفادة منه. 
لكن في عقلية كارل ماركس، التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه لأن لكل مرحلة خصوصيتها وسياقها. لكن إن حصل ذلك، فإنه سيكون في المرة الأولى على شكل مأساة وفي الثانية على شكل مهزلة.
التاريخ لا يخلو من المفارقات التي تتفق مع ملاحظات ماركس الثاقبة.
جون بولتون من صقور البيت الأبيض في زمن الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن. كان الرجل من أكثر المتشددين في إدارته مقارنة بـ «ديك تشيني» و»دونالد رامسفيلد» و»بول وولفوتز» و»ريتشارد أرميتاج» حيث يمكن ملاحظة ذلك بمعرفة أفكاره وسلوكياته.
بصفته مسؤولاً عن ملف مراقبة التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل في ولاية الرئيس بوش الأولى، عارض بولتون، بدلاً من أن يشجع، قيام فريق من الأمم المتحدة مكلف بالتأكد من احترام دول العالم لحظر الأسلحة البيولوجية، من تفتيش منشآت أميركية بدعوى أن ذلك يشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي.
بولتون أيضاً قاد حملة للضغط على العديد من دول العالم، ونجح فيها الى حد ما، لاستثناء جنرالات أميركا من أن يكونوا عرضة للمحاكمة في محكمة جرائم الحرب الدولية، لأنه يعتبر أن بلاده فوق القانون الدولي.
هذه المواقف قد لا تحمل دلالات كبيرة، لكن إذا أضفنا اليها أن أهم ما يميز الرجل هو قناعته بأن على أميركا أن تخوض حروباً وقائية لحماية نفسها وأصدقائها، فإننا سندرك أين يريد بولتون أن يأخذ أميركا بعد أن أصبح اليوم مستشار الرئيس ترامب للأمن القومي.
 بولتون كان من أكثر المتحمسين للحرب على العراق، ومن أكثر الداعين لتوسيع محور الدول «الشريرة» في نظر إدارة بوش، التي اقتصرتها على «العراق وإيران وكوريا الشمالية»، لتشمل أيضاً، سورية وليبيا وكوبا. 
يضاف لذلك أن الرجل كان من الرافضين في عهد بوش لفكرة أن حل الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين يتطلب قيام دولة فلسطينية، معتبراً أن مطالبة الفلسطينيين بدولة ليست أكثر من «خديعة» من جانبهم لأنه لا توجد مشكلة فعلية لديهم.
بولتون الذي شغل منصب ممثل الولايات المتحدة في الأمم المتحدة في ولاية الرئيس بوش الثانية، كان من أكبر الداعمين للحرب الإسرائيلية على لبنان العام 2006.
وبولتون كان من القلة في ادارة بوش التي لم تتعلم العبر من الحرب على العراق لأنه سعى للتأثير على إدارته لشن حرب على إيران، مدعياً بأنها ستمتلك أسلحة دمار شامل في غضون فترة وجيزة، وعندما فشل في ذلك، قام بالاتصال بوزير الدفاع الإسرائيلي في حينه، شاؤول موفاز، محرضاً إياه على قصف مواقع إيران النووية، بحسب ما قاله موفاز مؤخراً.
في العام 2008، كان بولتون في الأمم المتحدة ممثلاً لبلاده، وكانت أفكاره حول ضرورة مهاجمة إيران وحزب الله وسورية تتصدر الاعلام. 
لذلك سخر منه زعيم حزب الله، السيد حسن نصر الله في كلمه له قائلاً: شاهدت هذا الوجه من قبل لأن صاحبه له شوارب مميزة، لكني لا أذكر أين شاهدته. الآن أتذكر، شاهدته في الرسوم المتحركة.
بالعودة لهيجل وماركس، بولتون كان من المتحمسين والداعين للحربين على العراق 2003 وعلى لبنان 2006. في الحربين تعرض العراقيون واللبنانيون لدمار شامل، لكن في كلا البلدين مُنِي المعتدون بهزيمة جعلتهم أكثر عقلانية، بمعنى أجبرتهم على العد للألف قبل الإقدام على حرب جديدة.
الآن يعود رجل الرسوم المتحركة، بولتون، للمشهد السياسي مجدداً، حاملاً معه ملف مهاجمة إيران وتدميرها هي وحلفاءها، في مشهد يوحي بأن التاريخ يعيد تكرار نفسه. لكن التاريخ حقيقة لا يفعل: إيران وحزب الله اليوم غير إيران وحزب الله الذين عرفهم بولتون قبل عشر سنوات. 
إيران اليوم ممتدة في اليمن والعراق وسورية ولبنان وأفغانستان، وتحالفها مع روسيا والصين وحتى تركيا أقوى، وتسليحها أفضل أيضاً.
وإذا كانت إيران قادرة قبل عشر سنوات على جعل اية مغامرة عسكرية أميركية وإسرائيلية تجاههم محفوفة بمخاطر كبيرة، فإن هذه المخاطر اليوم مضاعفة مرات عدة. وما يقال عن إيران، يقال عن حزب الله، فهو اليوم أفضل تسليحاً وخبرةً. 
عودة بولتون لا توحي بتكرار للتاريخ بمقدار بما توحي بهزلية السياسة الأميركية وعبثيتها في عهد الرئيس ترامب، وفي قدرتها في نفس الوقت، على جعل العالم أقل أمناً وأكثر توحشاً.