الحقيقة المرة ..محمــد الوحيــدي

الأحد 25 مارس 2018 10:22 م / بتوقيت القدس +2GMT
الحقيقة المرة ..محمــد الوحيــدي



في كثير من وسائل الإعلام العربية ، و الجلسات و الندوات ، و المناقشات ، بل و الحفلات ، ترى الشعوب العربية ، كل في منطقته ، و حدودة ، ينتقد تخلف و تراجع و تردي أحوال الشعب الشقيق في باقي أرجاء الوطن العربي .. منزهاً نفسه ، رافعاً مزكياً لذاته و كأنه الشعب المختار في وسط هذه  الحشود .. كل يتغنى بتاريخه  أو بتاريخ إخترعه ، بأرضه و حدوده  التي رسمها  سايكس و بيكو .. و كل فرح بما لديه ، أو يظن أنه لديه ..

ولا أستثني شعبنا  الفلسطيني من تأثره بهذه الحالة من التخلف .. فالتخلف هو تخلف ثقافة ـ أي أنماط و نهج تفكير و سلوك ، و طرق معالجات ، و من هنا تتأسس كل المشاكل و الكوارث التي نعيشها نحن الشعب الفلسطيني ، بكليته و تصنيفاته الطبقية و الفكرية  ، و لا أعني هنا بالطبقية العرقية أو الإقتصادية ـ فقط – ولكنها أيضا تشمل طبقات السياسيين و المتحزبين و الربانيين أو مدعي ( تمثيل الدين  ، و الناطقين بإسمه ) ، و أيضاً أولئك الثوريين مدعي الحق في ملكية الوطنية و الإنتماء و حب التراب و الدفاع عن العباد و المضطهدين و الكادحين و إلى آخر ما يمكن أن تتصور من تصنيفات و أنواع ، و على كل حال ، فكلنا في بوتقة واحدة ، من الخيبة و الترهل و الإنبطاح لعوامل تسمم موروثة ، و مخلقات عصور بائدة .

و الحقيقة أن لا أمل في أن ننهض كشعب يحمل قضية ، وطنية و إنسانية إلا بمواجهة حقيقية و تشخيص دقيق للمرض و الخلل  الناتج عن هذا الموروث الثقافي الذي يؤصل التخلف في منهجية حياتنا و يحدد أشكال سلوكياتنا التي ندافع عنها و نستميت في الدفاع عنها  ، فاليسار و اليمين الفلسطيني ، كلاهما ، أشبعانا شعراً و نثراً ، و هذا ليس تقليلاً ، أو حتى محاولة للنيل من أثر الشعر و النثر ، و لكن و بصراحة لم تكن يوماُ و لن تكون القوافي سلاحاً يواجه قرارات ترامب ، و لا دبابات ليبرمان .. يسارنا الحصيف المثقف ، و نخبه المكافحة ، يجب أن تتوقف عن النفاق  و تنفض عنها كل أدران الموروث الثقافي و السلوكي للعقلية العربية القديمة ، فالتمسك بها من شأنه فقط زيادة التشويش على البوصلة بتصعيد التناقضات و القضايا الثانوية كقضايا رئيسة بديلة ، بمعنى  إهمال الصراع الأساس إما جهلاً أو خوفاً و نفاقاً لمن بيديه الغلبة  من ( العتقاء من النار ) حاملي راية الدين ، و الناطقين بإسم السماء .. مما يجعل التقارب بين اليسار الفلسطيني و أقاصي اليمين المتدين  بقدر ما هو مستغرب ، بقدر ما هو مثير للسخرية و الضحك ، فكيف يمكن للنقيضين ، أن يتفقا على منهاج إلا إذا كان هناك حالة إذعان و نفاق ،  من طرف لآخر على حساب القضية العقدية الأساسية ، و الفكر المؤسس ؟!! و في المحصلة ، عندما يحدث هذا البيع و الشراء ، للمواقف و المبادئ ، في سبيل ( الإستمرارية و المنفعة ) ، لايمكن لأي مراقب عاقل إلا أن يفكر بأن هناك حالة من حالات إستحضار للنمط الفكري و السلوكيات الموروثة من أزمنة غابرة ، ثقافة العبودية و الإذعان للقوة الغالبة و القبيلة الأقوى  تفرض روحها هذه المرة بصياغات تبريرية لوجودها ، مثل الإلتقاء على محاربة التسلط أو الديكتاتورية أو التفرد أو المظلومية .. حجج تعكس إنسلاخ حقيقي عن الواقع و متطلباته ، و حالة تماهي مع مصالح العدو الناهش في بدن الوطن ، المغيب عن الحضور في المعادلة ، أو المؤجل النظر في أمره .. و الغريب أنك تسمع ، و ستسمع ردوداً  تعكس حالة الرضا بالذل ، بل و التبجح و الغطرسة ، على أساس أنهم هم المحافظون على الأصالة و القيم الثورية و المبادئ و الثوابت الوطنية و القومية و الدينية جميعاً

وما دمنا في حالة المصارحة هذه ، و نقد أو جلد أو تمزيق الذات ،أو أي تعبير ترتضيه ، الحقيقة المرة ، أن الفلسطيني ، فرداً و مجتمعات ، يتحمل نصيباً كبيراً من المسئولية عن هذه الحالة التي نبدو فيها سكارى وما نحن بسكارى ، حالة التوهة و الغيبوبة و الضياع ، مفردات الخوف و الوصاية تتغلغل في جيناتنا جيلاً بعد جيل ، حتى ظهرت في العقد الأخير بشكل واضح و جلي ..خالقة إنساناً مههل التفكير  سطحي ، حربائي ، نفعي ، متاجر .

 هل يمكننا أن نظل نعلق خيبتنا و فشلنا على حكامنا و قادتنا ؟ أليسوا  منا ، ومن نواتجنا ؟ وفي داخل كل منا مستبد و طاغية ، ووصي ، يمارس سطوته على من تطوله يداه .. فنحن ( الشعب ) من إرتضى على نفسه أن يسمح لكل متنفذ ، حزباً كان ، أم فرداً ، بقوة سلاحه أو سلطانه أو ماله ، أن يدس أنفه في حريتنا ، و خياراتنا بل و حياتنا و مستقبلنا و قضيتنا و أرضنا و قدسنا و دولتنا و مشروعنا ، و تعاطينا منهجية الإنبطاح و التمرير ، و سرنا كالقطيع خلف أوهام ، بعضها أخذ قوالباً و طنية و بعضها  أختار أن يأخذ قوالباً مقدسة دينية لا يجوز و لا يسمح مجادلته لأنه فوقي ، سماوي ، مطهر .. فهل نتوقع الآن ، أي فكر أو إبداع على مستوى المجموع الوطني ؟ هل يمكن أن نستفيق من غفلتنا ؟  أم أن علاجنا بات من طينتنا و بأسلوب يليق بهذا المستوى الذي وصلنا له ؟ هل يجب أن نعاقب بخصومات  أو ربما قطع الرواتب و المنافع و المصالح ؟  هل سنسمح بأن نكون دروعاً بشرية لحزب أو فصيل أو تيار ، إذا إشتد عليه البأس قال ( الشعب يحاصر ) ، و ذرف دموع التماسيح ظاهرها علينا و حقيقتها على مصالحة فينا و في حكمنا و عصرنا و مضغنا و إمتصاص دمائنا .. هل سنسمح بتمديد المسرحية الممتعة ، و التي يشاهدها ترامب و نتنياهو و كل أذنابهم و تابعيهم مدعوون للتمتع و الضحك علينا ؟