مبادرات لتعظيم الاشتباك...طلال عوكل

الإثنين 19 مارس 2018 10:53 ص / بتوقيت القدس +2GMT



لا تتوقف الفصائل، والنخب السياسية في قطاع غزة، عن التفكير في خيارات تقتضيها، المجابهة التي يخوضها الشعب الفلسطيني بكل قواه، لمواجهة المخاطر التي تحيق بالقضية الفلسطينية، من قبل التحالف الأميركي الإسرائيلي.
يعتقد البعض أن الفصائل في غزة، لا تملك سوى خيار تفجير الأوضاع عسكرياً مع إسرائيل، فالقطاع محاصر، ومعزول عن حركة الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، ما يمنع الاشتباك على الطريقة التي تحصل في الضفة.
المظاهرات الحاشدة وغير الحاشدة، التي تجوب قطاع غزة بين الحين والآخر، لتعبر عن رفضها للسياسات الأميركية الإسرائيلية لا تفيد إلاّ في إظهار وحدة الشعب الفلسطيني وقواه السياسية على الموقف الرافض والمقاوم لمخططات التصفية، والاستيطان ومصادرة الأراضي، وهو أمر مهم، ولكنه لا يرقى إلى مستوى الاشتباك مع الاحتلال.
سكان قطاع غزة طوّروا، شكلاً من أشكال الاحتجاج والمقاومة حين داوم الشباب على الاحتجاج بالقرب من السياج الحدودي، استجابة لنداء القدس، حين تعرض المسجد الأقصى لمعركة البوابات الالكترونية، لم تتوقف نشاطات الشباب على السياج الحدودي منذ ذلك الوقت، وقد سقط منهم عشرات الشهداء والجرحى لكنهم لم ييأسوا ولم يتوقفوا.
دوريات الجيش الإسرائيلي على الحدود، لم تكن لتتسامح مع الطريقة الجديدة للشباب الفلسطيني، على الرغم من أنهم يقومون بذلك سلمياً، إذ إن المسافة بينهم وبين المواقع العسكرية الإسرائيلية لا تسمح لحجارتهم بأن تصل. 
وبالرغم من عدم وجود خطورة على الدوريات الإسرائيلية، إلاّ أن هذه لا تتردد في فتح النار على صدور الشباب، فالمسألة بالنسبة لإسرائيل تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. 
تخشى إسرائيل التي تكثر من الحديث عن قرب انفجار الأوضاع في قطاع غزة، من أن يتجه هذا الانفجار إلى الشمال والشرق. في مواجهة مثل هذا الاحتمال الواقعي تبدي إسرائيل اهتماماً زائفاً بالأوضاع الإنسانية الكارثية التي يتعرض لها سكان القطاع، ولكنها تواصل حصارها المشدد رغم التصريحات الكاذبة، بشأن تسهيلات تقدمها لسكان القطاع.
بعد أن تحدثت إسرائيل كثيراً عن استعدادها لتطوير مشاريع تنموية وإقامة مطار وميناء، وجزيرة، لتغيير واقع الناس في القطاع، انتقلت المهمة العملية، إلى واشنطن، التي عقدت يوم الثلاثاء الماضي مؤتمراً لمعالجة الأوضاع الإنسانية في القطاع بعيداً عن السلطة، وأيضاً عن حركة "حماس".
ما جرى في مؤتمر واشنطن يصلح لأن يكون عنوانه الفصل الثالث من مخطط تصفية القضية، أو من "صفقة القرن"، التي لا يشكل تأخير الإعلان عن فحواها سبباً، لتجاهل أن ما تقوم به الولايات المتحدة، هو بحد ذاته مفاصل "صفقة القرن".
معلوم أن المفصل الأول في "صفقة القرن"، كان القرار الأميركي الذي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ما يستتبع نقل السفارة الأميركية إليها.
أما المفصل الثاني فهو الذي يتعلق بحق العودة، ومن مدخل تعجيز "الأونروا" عن القيام بمهماتها المعهودة تمهيداً لشطبها وهو ما يدركه الفلسطينيون وغير الفلسطينيين، ويحاولون مقاومته. 
في هذه السبيل تواصل الماكينة السياسية الفلسطينية والدبلوماسية حث الدول على ضرورة القيام بواجباتها لحماية ودعم "الأونروا"، وقد تكلل ذلك بانعقاد مؤتمر روما في الخامس عشر من الجاري. الخطورة لا تزال قائمة ذلك أن مؤتمر روما لم ينجح سوى في تخصيص مئة مليون دولار، يمكن أن تعوض المبلغ الذي خصمته أميركا من حصتها، ولكنه لا يكفي لتوفير شبكة أمان للوكالة التي تعاني أصلاً من عجز قبل القرار الأميركي. 
في السياق انطلقت مبادرة شعبية في قطاع غزة، نحو تأسيس هيئة وطنية، لدعم "الأونروا"، لا تقف عند حدود الدعم الإعلامي والشعبي، وإنما يحدوها الأمل في استنهاض دور ممولين فلسطينيين وعرب وأجانب، من أجل دعم صندوق الوكالة الدولية. 
أما المفصل الثالث في "صفقة القرن"، فهو الذي يشير إليه مؤتمر واشنطن الذي يستهدف تجنيد أموال، لبناء البنية التحتية لدولة غزة، بذريعة إنقاذ غزة التي تعاني من كارثة إنسانية. 
المفصل الرابع فلسطينياً، سيكون إقدام إسرائيل على إعلان السيادة على الكتل الاستيطانية وربما أوسع من ذلك بما يشمل منطقة (ج) التي تشكل نحو 60% من أراضي الدولة، وهو ما دعا إليه رئيس الدولة رؤوفين ريفلين قبل يومين.
في ضوء هذه المخاطر، والتعقيدات التي تتصل بموضوع المصالحة الفلسطينية المتعثرة، تتبلور فكرة القيام بمسيرات العودة تطويراً لحالة الاشتباك المحدود الذي رسخه الشباب منذ أشهر طويلة.
في الثلاثين من آذار، ستكون المحطة الأولى في مسيرات العودة، حيث يجري التحضير على نحو جدي لخروج آلاف الناس إلى الحدود الشمالية والشرقية، وربما يفضي ذلك إلى إقامة خيام دائمة تستقر فيها بعض العائلات، وهو أمر لم يعد صعباً.
مسيرة العودة في الثلاثين من آذار ستشكل بدورها بروفة لمسيرة كبيرة في الخامس عشر من أيار الذكرى السبعين للنكبة. 
هذه المسيرات التي تؤكد تمسك الفلسطينيين بحقهم في العودة، ستتخذ طابعاً سلمياً خالصاً، ولكن أحداً لا يستطيع الجزم إذا ما كانت بعض الصدور الحامية مستعدة لاقتحام السياج الحدودي.
إزاء ذلك من الواضح أن التصعيد الإسرائيلي الأخير على حدود قطاع غزة، يستهدف الردع الآن، والتحضير لاحقاً لمواجهة مثل هذه الاحتمالات، باستخدام القوة المفرطة كما تعودت إسرائيل.