حمل سلام أميركي كاذب...رجب أبو سرية

الجمعة 16 مارس 2018 04:45 م / بتوقيت القدس +2GMT
حمل سلام أميركي كاذب...رجب أبو سرية



فجأة أظهرت إدارة البيت الأبيض اهتماماً كاذباً بالوضع الإنساني الصعب جداً لقطاع غزة، فعقدت اجتماعاً خاصاً قبل يومين في واشنطن، لم يحضره أصحاب الشأن أنفسهم، ودار فيه الحديث، كما كان متوقعاً عن إقامة سلسلة من المشاريع الحيوية في قطاعات الطرق والمياه والمجاري.
الاجتماع الذي كان قد دعا إليه صهر الرئيس دونالد ترامب، جاريد كوشنير، والمبعوث الخاص لعملية السلام، جيسون غرينبلات، وحضره ممثلو الرباعي الدولي والاتحاد الأوروبي وسبع دول عربية يعيد مسار المفاوضات إلى المسار متعدد الأطراف الذي كان قد بدأ بافتتاح في موسكو عام 1992 ثم تنقل بين عدة عواصم بشكل متقطع إلى أن توقف عام 1995.
قبل الخوض في التفاصيل، وارتباطاً بالثنائي الداعي، المكلف من ترامب بإدارة عملية التسوية في الشرق الأوسط، يبدو هذا الاجتماع بمثابة "بروفة" أو حتى تحضير أو كمقدمة لمؤتمر دولي أو إقليمي بنفس المشاركين _تقريباً، تنوي واشنطن أو أنها تحضر له منذ وقت طويل لعرض ما أطلق عليه صفقة القرن، لإعادة ترتيب المنطقة عبر تحالف أمن، عربي/ إسرائيلي، من ضمنه يتم حل أو تصفية القضية الفلسطينية.
فحضور سبع دول عربية هي دول الخليج الخمس باستثناء الكويت، التي لا تعترف بإسرائيل ولا ترتبط معها باتفاقات سلام، إضافة لكل من مصر والأردن، يعني نجاحا ما لهدف أميركي بتطبيع العلاقات بين إسرائيل وهذه الدول قبل حل ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي، ووفق مسار الخطة التي تقوم بإعدادها واشنطن منذ نحو عام.
وقد كان الداعي الأميركي واضحاً حين اعتبر غزة جزءاً من الخطة الأميركية رغم أنه قال بان الاجتماع لم يتحدث في السياسة ولكن في مناقشة الوضع الإنساني في قطاع غزة، وقد غاب بالطبع عن الحوار، أن مجمل الوضع الإنساني في غزة، لا يختلف كثيراً أولاً عن الوضع الإنساني الصعب في مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أنه يعود بالأساس إلى فرض إسرائيل لحصارها الاحتلالي للقطاع .
تحدث غرينبلات في الاجتماع عن أن معاناة أهالي قطاع غزة، تزيد من التحديات الأمنية لمصر وإسرائيل على حد سواء، وهذه إشارة صريحة إلى أن الأمر يفتح الباب للدخول في مسار الترتيب الأمني المشترك، فضلا عن أنه يهدف إلى إزاحة هموم قطاع غزة عن كاهل إسرائيل الأمني والسياسي.
السؤال هنا، هو هل حقاً، أن سير الإدارة الأميركية على هذا الطريق يؤدي إلى السلام، أم انه مجرد حمل كاذب لسلام لن يتحقق، فقط لأنه يسلك طريقاً موارباً عن الطريق المستقيم الذي هو إنهاء الاحتلال للأرض الفلسطينية، وبهذا فإن الحديث عن حلول أمنية أو اقتصادية ما هو إلا ذر للرماد في العيون، وما هو إلا استمرار بالسير على الطريق الخطأ .
إن محاولة حل مشاكل قطاع غزة، بعيداً عن السلطة الفلسطينية وبشكل منفرد عن المصير والمستقبل الموحد للقطاع مع الضفة الغربية، يعني أن واشنطن قد بدأت في التحضير لإجراءات  تنفيذية من شأنها أن تأخذ قطاع غزة، إلى أن يصبح "كياناً" منفصلاً ومستقلاً، عن مجمل أرض دولة فلسطين المحتلة.
وهذا طريق تريده إسرائيل منذ وقت طويل، وحتى أن إسرائيل كانت قد أعلنت قبل وقت استعدادها لتجاوز سلطتي حماس وفتح، بتولي مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة، بعد حروبها الثلاث عليه، والتي كانت قد انتهت بعقد مؤتمرات إعادة الإعمار ورصد مليارات الدولارات لهذه الغاية.
وبهذه المناسبة، فإننا نقول، بأنه يخطئ من يظن بأن إسرائيل، التي تصر على الاحتفاظ بمعظم أرض الضفة الغربية في أي حل ممكن، تنوي رفع يدها بالكامل عن قطاع غزة، أو أن ما تخطط له من إقامة "دويلة فلسطينية" في القطاع سيكون دولة محررة من سطوتها، أو خارجاً عن تحكمها المباشر أو غير المباشر بها، فهي تدرك بأن المستقبل القريب، يتضمن إقامة شبكة طرق برية لربط الخليج والجزيرة العربية بشاطئ البحر المتوسط، خاصة لمد أنابيب الغاز، في المنطقة لتصل إلى أوروبا، حيث تبدو غزة ميناء مهماً، ومحطة رئيسية في هذه الشبكة، التي من المخطط لها أن تقيم تحالفاً اقتصادياً، يوازي التحالف الأمني، ويربط البحر الأحمر بالمتوسط، عبر ما كان يطلق عليه بقناة البحرين، التي تبدو هذه المرة ليست قناة مائية، بل شبكة طرق برية.
لعل تزامن اجتماع واشنطن يوم الثلاثاء الماضي، مع استهداف موكب رئيس الحكومة رامي الحمد الله واللواء ماجد فرج، ما يعني بأن المدخل لتصويب أوضاع قطاع غزة، لا يمر عبر المصالحة أو إنهاء الانقسام الداخلي، أو أنه بمعنى أوضح، يتطلب سيطرة أمنية بعيدة عن اليد الفلسطينية، أي أن المطلوب من أجل السيطرة الأمنية داخل القطاع، لا سلطة حماس ولا حتى سلطة الأجهزة الأمنية للسلطة المركزية. بل مطلوب طرف آخر، لا نستبعد أن يأخذ الحوار الأطراف التي فتحت الباب لترتيب الوضع الفلسطيني، الآن حول قطاع غزة، وغدا حول مجمل الملف الفلسطيني، بغياب صاحب الشأن، لتدويل السيطرة أو لتشكيل قوة أمنية إقليمية، للسيطرة الداخلية على غزة أولاً.
لا احد يدري إلى أين ستصل المغامرة الأميركية التي تشبه إعداد سيناريو لحرب افتراضية، أو لعبة أتاري، لكن أميركا اعتادت على تشكيل مثل هذه القوات في أكثر من ملف، ومن يدري، ربما يبدأ تنفيذ خطة إقامة الحلف الاقتصادي/الأمني الإقليمي في غزة، ثم يتوسع ليشمل شمال سيناء وجنوب النقب، وكل تلك المنطقة الصحراوية ما بين الحوض الشمالي الشرقي للبحر الأحمر، وحتى الساحل الشرقي للبحر المتوسط، فتكون غزة في قلب المخطط الإقليمي!
Rajab22@hotmail.com