ما بعد 8 آذار الكتابة على جدار المحرمات.. هداية شمعون

الجمعة 09 مارس 2018 09:55 م / بتوقيت القدس +2GMT
ما بعد 8 آذار الكتابة على جدار المحرمات.. هداية شمعون



كلما قالوا عاش آذار وعاشت المرأة الفلسطينية كلما هربوا من مساحات الاشتباك لأجل التغيير الحقيقي، كلما أمعنوا في استثنائية المرأة الفلسطينية وتفردها عن نساء العالم، كلما سيطروا على مطالب النساء وبنوا جدارا آخر ومفاهيم أخرى للمحرمات..

فلم يعد الدين والجنس والسياسة ثالوثا فقط بل نحتوا من أوجاع النساء وآلامهن اليومية تابوهات أخرى وجندوا كل طاقاتهم ليخفوها داخل صندوق زهري اللون جميل من الخارج ذو رائحة عطرة وتصوروا إلى جانبه كلما جاء الثامن من آذار، وجددوا الصورة في نهاية العام بمناسبة الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد المرأة، ولم يتخلقوا عن تلبية أي دعوة في هاتين المناسبتين للنساء ليبدو تقدميين عصريين ولا ضير من مزاحمتهن المقاعد الأولى فقد جاءوا مناصرين...!!..

يا لخيبتنا لازلنا نراوح الشكليات والترهات ونعزل قضايا المجتمع بأكمله وكل ما يهمنا مكسب آخر وتجميل صورة لمصالحنا الذاتية ولتحترق باقي النساء وليعانين أكثر وأكثر لن نصلح هذا الكون وحدنا...! أزمة مفاهيم تحاصرنا بين سماوات ممتدة في عقول متحجرة في داخلها، مزهرة في خارجها، تناقضات مريرة تكتنف المفهوم وتأصيله أو نحت مفهوم آخر نسيطر عليه مرة أخرى بتنميط الفكرة والمناسبة ونجعل كل شيء مكررا.. الاعلامي يسألك ذات السؤال.. ماذا يعني لك الثامن من آذار.. المسرحي يعيد السؤال الساخر: ماذا يعني لك الثامن من آذار...!!

السياسي يعيد السؤال بطريقته على شكل إجابة: أنت حامية الديار، وأنت عنوان مسيرتنا...!! (ضحكة في الأفق) ذو الياقة البيضاء: ماذا يعني لك الثامن من آذار؟!! كلنا مع المرأة.. كلنا لأجل المرأة...!! (ضحكة مكبوتة) هي: تخصص أحدهم ليركض خلفها بكاميرته في كل نشاط وفعالية وكحة فهي مناصرة النساء ..!! ...

هزلية المشهد: الكتابة بأكملها تجتر أزمة الحقيقة والفجوة المخيفة ما بين الواقع والمأمول؟! المتنمر يسعى لهكذا مناسبة ليسقط أفكاره بأسلوبه الساخر فليكن.. لا شيء على محمل الجد.. هزلية حياتنا بأكملها لا يجب أخذها على محمل الجد فكيف يكون الأمر في قضايا أولها حياة وآخرها موت؟! من يكترث لمن تتعرض للاغتصاب أو التحرش أو الأذى أو العزلة والحرمان؟!!

من يكترث بنساء توقفت حياتهن في عمر الطفولة بعد أن فقدن إيمانهن بمن يتحدى كل المفاهيم البالية ويصغي لصوتهن ويقف أمام كل جبروت المجتمع لينصف ما تبقى من حياتها.!! من يكترث...! كل شيء خاضع للترفيه والفجور، من يكترث لغير ضحكة غبية تنطلق في الفضاء العام لتنال من الحيز الخاص لنساء لا يعلم أحد بوجودهن وقصصهن عالقة في الذاكرة.. من يكترث لشعور العجز حين يتملكك بعد أن تساند روح كادت تهدر، وما أن يبتسم لها القدر الرحيم حتى تجد خبر مقتل فتاة على خلفية الغباء المجتمعي والعماء العصري والضحكة لازال صداها يتردد في الأفق...!

قضايا النساء ليست للترفيه: كثير ما تتكشف جرائم القتل تجاه النساء عن جرائم حقيقية أصلها وأساسها التحرش والاعتداء الجنسي، فقتل النساء هو أداة المعتدي لإخفاء جريمته خوفا من رفع الضحية لصوتها وفضحه، أو اخفاء لحمل غير شرعي تم بسبب فعلته، وفي كل الأحوال يستبق الجاني كل ما سبق ويقتل الضحية برأس مرفوعة ويتجه بكل عزة إلى قسم الشرطة فقد غسل عارا والمجتمع يصفق ويجري خلف رواية القاتل، يوم وآخر ينسى الجميع من قتلت عدة مرات في حياتها حين تعرضت لاعتداء جنسي، ومرة حين أزهقت روحها كي تختفي الحقيقة، ومرة بعد موتها حين لفظها المجتمع بسهولة وشوه سمعتها وتقتل مئات المرات كلما تلفظ أحدا قصتها ليخيف به آلاف الفتيات اللواتي يجب أن يبقين خائفات من (الكائن) الآخر..!!

إنها سياسة القبيلة ولكنها باتت قبيلة عصرية تتجمل بالتقدم لصالح حقوق النساء، وتسجل احقاقا رائدا فقد سمحت أخيرا بتعديل بنود القوانين ليصبح بإمكان المرأة أن تفتح حسابا بنكيا لأولادها، وماذا أيضا إلغاء المادة رقم 308 بعدم التخفيف من عقوبة من يتزوج من اغتصبها؟؟! لقد تم التوقيع على اتفاقية سيداو في 2009 وكان يتوجب ملاءمتها فلسطينيا منذ 9 سنوات ولكن الوقت مضى دون أي احقاق...! فهل هذا ما تفهمه الحكومة عن حقوق النساء؟؟ هل هذا ما تقدمه الحكومة للنساء بعد سنوات طويلة من الظلم والاضطهاد والتقزيم والتقليل من قدرهن وقيمتهن؟ حكومة عصرية تتغنى بالماجدات وحاميات الديار الفلسطينية وشعارات قتلتنا منذ ولدنا ونحن نتغنى لها وبها.. قضايا النساء ليست للترفيه وليست للتغني في الثامن من آذار...! عصر الآلهة الجدد...!!

قضايانا اليومية الاجتماعية دوما في ذيل القائمة، ودوما تسبقها وبمراحل كبيرة القضايا السياسية، الأحداث الجنونية المتسارعة ما بين تفتت هويتنا الفلسطينية وانشطارنا لعشرات المجتمعات داخل مجتمع أكبر مكبل بكل ممارسة الاحتلال الإسرائيلي وانعكاساته على واقعنا الاجتماعي والثقافي، ننزلق داخل حلقاتنا وينزلق آخرون هاربين إلى خارج الحصار لينظروا لنا من بعيد كفئران تجارب، لا يمكنهم العيش دون الحديث عن معاناتنا ولكنه حديث استهلاكي لغاياتهم الخاصة، تبقى كل قضايا النساء والمجتمع في الخفاء رغم أنها الأكثر أهمية الآن.. ما نراه من فراغ روحي ووجداني وتدهور وانهيار متسارع في منظومة المجتمع.. قضايا العنف بشكل عام تزداد وتتكشف أكثر، الطرق مسدودة أمام الشابات والشباب، الفرص شبه معدومة، لا رؤية وطنية لا استراتيجيات تحمي كافة مكونات المجتمع، الجميع مفعول به لا يمكنه أن يكونا فاعلا لأنه قبل أن يبقى في صندوق الفئوية والحزب الواحد والآلهة التي صنعوها بأيديهم، الجميع رئيس والجميع يحمل صفة القيادة لكن لا قيادة حقيقية، لا أحد يلتفت لأوضاع الأغلبية الصامتة تلك التي تعاني وتنزف يوميا بصمت...! نعم فقضايا الفقر والبطالة والعنف والقهر والحرمان والعزل والتشظي وفقدان الأمل كلها مؤجلة لا يصح أن تسلط الضوء عليها.. ودوما الجواب حاضرا ليس الوقت المناسب هنالك قضايا أهم...!! نعم إنه الموت البطيء وكل ذلك يحدث في الخفاء ويعالج في الخفاء بسقطات أكثر سوء.. إنهم باسم الدين ورجالاته وباسم القانون ورجالاته وباسم القوي ورجالاته أيضا يسلمون المعتدي صيد آخر ويبتسمون.. يحصدون أرقاما خرافية في الحلول الذكورية ويصفق لهم المجتمع ويضعهم في الصدارة.. ماذا فعلنا بأنفسنا...!! إنه عصر الآلهة الجدد...!! ثم تتساءل النسويات ماذا حل بقانون حماية الأسرة من العنف سيدي الرئيس؟!! اعذرنا على الحاحنا واستعجالنا ظننا أن هذا الآذار سيكون مختلفا ولن تقول لنا أن الوقت ليس مناسبا بعد...!! لماذا تتكرر المأساة: النساء لسن أرقاما ولسن مرهونات بعدد من تزهق روحهن ولسن بابا للتسلية والترفيه.. نعم المأساة تتكرر كل عام الخطاب الفوقي فارغ المضمون.. المطالب تكبر وتزيد كل عام.. العجز سيد الموقف في ظل واقع منقسم على ذاته، كل شيء بات قابلا للتأويل، لا دولة لا حكم ذاتي، لا سلطة، لا عقد اجتماعي، لا شباب، لا حياة إلا السطحية المطلقة والخلاص الفردي.. لا صرخة من القلب باتت تصل لمسؤول ولا مسؤولية أخلاقية مجتمعية تجاه مرتكبي العنف بكل أشكاله ضد النساء.. تراجع لسيادة القانون وتغول لسياسة القبيلة بأوجه إصلاحية. ذكورية المشهد تتعاظم ثم نتساءل لماذا تتكرر المأساة؟! لكل ما سبق.. ولأن النساء وحدهن في معركة وجودية لأن النساء يرفعن خطابا يمس حياتهن ومصيرهن.. نعم تتكرر المأساة وستتكرر لأن المعنفين يفلتون من العقاب.. ولأن المتحرشين يفلتون من العقاب.. ولأن العقاب مرهون بالإناث فقط بعقلية القبيلة العصرية.. ولأنه لا يوجد إقرار لمظلة قوانين تحمي الأسرة من العنف وتجرم المخالفين، ولأن التعقيد الاجتماعي والامتداد الثقافي للنظرة الدونية للمرأة وتأكيد تبعيتها دوما للرجل فمن حقه أن يتحول مجتمعيا من حامي للمرأة إلى معنف ولا يخشى قانونا ولا عقابا ...! نعم كل هذه الدائرة ستتكرر بأشكال أكثر تعقيدا وعنفا.. بينما الضحية تبقى ضحية لكن تحت المجهر وتحت سيوف القبيلة وتحت رعاية عصرية مودرن في بلد لازال خاضعا للاحتلال والانقسام وينهشه الأغبياء وأصحاب المصالح.. إنه فساد من نوع آخر.! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (*) كاتبة وإعلامية فلسطينية تقيم في غزة