محمد يوسف الوحيدي يكتب عن مصير "الاونروا" ..الجنة بدون ناس ..!!

الخميس 22 فبراير 2018 02:00 م / بتوقيت القدس +2GMT
محمد يوسف الوحيدي يكتب عن مصير "الاونروا" ..الجنة بدون ناس ..!!



" الجنة بدون ناس ما بتنداس "  مثل شعبي ، فيه من المبالغة ما فيه ، ولكنه يعبر أيضاً و بشكل واضح و حقيقي عن عدم جدوى الأراض ، و الزخرف ، و الأملاك ، بغير ناس يُعمِّرونها ، و يسكنونها ، و يمتلكونها .. الإنسان ، المُستخلف في الأرض بأمر الله ، لعمارتها ، و التوطن فيها ، كل شعب و كل قبيلة في رقعته ، ينتمي إلى أرض و يأكل منها و يحول ترابها و ما يُنتجه إلى مكونات بذرة إنسان و نسل جديد ، يخرج من صلبه ، في سلالة هم أبناء التراب ، أبناء أديم الأرض ، و لهذا أراده الله تعالى سبحانه ، أن يعرفنا قيمة الأرض و أديمها ، بأن سمَّى إبن الأرض ، أبونا ،بإسم  آدم ، و أشتق إسمه و كيانه و كينونته من الأديم ، من أرض إستخلفه فيها .. ومن بعده أبناء الأرض على ذات الأرض ، عليها يعيشون ، و فيها يدفنون ، و تتكرر الدائرة ، و التناسل منها و إليها .. الوطن ليس تراب و جغرافيه ، الوطن أحياء و سلالة و تركيب يبدأ من الطين ، فيصبح عظاماً تُكسى بأمر الله لحماً .. و مشاعر و أحاسيس و إنتماء .. الوطن .. آيه من آيات الله .. و الإنتماء لأرض ، و إعمارها و الذود عنها ، و الموت في سبيلها إنما هو في سبيل الله ، و إرادة الله من خلقنا شعوباً ، و قبائل ، كل في أرض و كل من تراب و نوع ..

في الآونه الأخيرة تعالت أصوات جوفاء ، تارة تتستر بحجج تنسبها إلى الدين .. و تارة إلى الفكر التقدمي ، الموضوعي ، العقلاني .. و مرات تتعالى أصوات أخرى بإسم الوطنية ، دفاعاً عن  أديم الأرض ، دون آدمها .. الإنسان صاحب الأرض ..  و الحقيقة أن الربط بين الأديم و آدم ، أزلي ، بل هو الحقيقة التي نعيشها ، و نموتها ، و نبعث عليها ، فلا فرق بين تراب القدس ، و المقدسيين ، و لا فرق بين تراب فلسطين و الفلسطينيين .. هي لنا ، و نحن منها و لها .. و محاولات الدفاع عن الأرض دون الشعب ، و البناء و إن كان مقدساً كالقايمة أو الأقصى دون الدفاع عن من يعمره و يقيم فيه الصلاة ، محاولات بائسة ، و تفصل بين الروح و الجسد ، وهي بسبق إصرار و ترصد ، أو بغباء و قصر نظر و طيش ،تقتل القضة و تنهي الحكاية قبل أن تبدأ ..

قضية اللاجئين الفلسطينيين ، و حق العودة و التعويض ، هي بمثابة الروح من الجسد ، و كل ما غيرها ، من أرض ، و قدس ، و مقدسات ، هي الجسد .. كلاهما بحاجة للآخر ، لا إنفصام بينهما ، و بغير أحدهما ، يكون الموت ..

حالة الفصل بين الروح و الجسد ظهرت واضحة ، و بشكل مرتب ، قامت به العصابة الصهيونية ، بيد ترامب و نتنياهو ، و بصمت ، أو جهل أو جبن العالم و على رأسه العرب و المسلمين و المسيحيين .. فالضربة الأولى إستهدفت و مازالت تستهدف الجسد ، الأرض ، بقضمها و مصادرتها بالإستيطان و الإحتلال و الضم و نقل السفارة الأمريكية ،و إعلان القدس عاصمة لإسرائيل و غيرها من الإجراءات الإجرامية .. و قتل الروح ، البشر ، الآدميين ، و سلخهم و إنهاء قضيتهم و حقهم في الإنبات على أرضهم ، و الموت فيها ، جاء بضرب قضية اللاجئين ، من خلال  تقليص المساعدات تمهيداً لوقفها عن اللاجئين الفلسطينيين ، و بالتالي و بشكل عملي ، محرقة جديدة ، نازية ، بحق ما يزيد على ستة ملايين فلسطيني ، هذه المرة بيد الصهاينة اليهود ، و الصهيونية المسيحية العنصرية ،  بزعامة دونالد ترامب و وزوج إبنته و مستشاريه ومعهم  نتنياهو .. و أفراد العصابة من أمثال ليبرمان ، و نيكي هيلي ، التي لا تستطيع أن تتخلص من عقدة العبودية ، تلك الهندية اللاجئة التي إستسهلت بيع وطنها و جنسيتها و ثقافتها و شعبها و تريد أن تلوث العالم لتستطيع أن تعيش فيه .. و إجراء تقليص الدعم عن الأونروا ، تمهيداً لوقفه ، لم يكن رد فعل في ساعة غضب من التحركات الفلسطينية الديبلوماسية و القانونية السلمية ، بل هو مخطط أصيل و منمق و سابق التجهيز ، بدليل ما صرح به ترامب نفسه حين قال أن اللاجئين هم الجيل الأول وبعد ذلك يصبح أبناءهم مواطنون حيثما هم ..

إن تعامل العرب و المسلمين ، و المسيحيين مع قضية نقل السفارة ، شابه كثير من التركيز على حساب قضية اللاجئين ، بينما المؤامرة على ماهو أغلى من المباني و المقدسات ، التآمر على الإنسان الذي يعمر مساجد الله ، الإنسان الذي يحمل في خلاياه جينات صنعتها حبات تراب الأرض التي يعيش عليها من أكثر من ستة ألاف عام .. العربي الكنعاني الفلسطيني ، لمحوه و تفريغ الأرض منه ، مؤامرة خنقه و حصاره و طرده ، تمهيداً لإستبداله ، و إحلال لقطاء الأرض من شمالها و غربها و جنوبها محله ، هذه المؤامرة ، لعلى مايبدوا لأنها لا تحتمل الخطب الرنانة على المنابر ، و لا الصلوات و الترانيم في الكنائس فقط ، بل أنها تحتاج إلى بذل و عطاء و عمل و دفع إستحقاقات تثبيت الإنسان على الأرض و تقديم المساعدة العاجلة بالملايين بل المليارات لتسديد فراغ توقف ضخ المساعدات الأمريكية ، هنا وقف العرب و المسلمون و المسيحيون عاجزين ، صم بكم لا يفقهون ، و فضلوا أن يكتفوا بالنضال التعاطفي ، و رفع الأيادي للسماء بأن يحرر لهم القدس ويحفظ بيت لحم ، و يعيد لهم الأرض ، ناسين أن للأرض أصحاب يتم سحقهم ، و أن هناك هيئة لإغاثتهم و تشغيلهم تحتاج بذلهم و عطاءهم و ملايينهم ولو بنصف ما يصرف على البذخ و التسلح و الترف ..و في غمرة هذا النسيان ، تضخ إسرائيل اللقطاء من أسقاع الأرض إلى فلسطين، و لكن ، هذه الأرض لن تقبلهم ، ستلفظهم ، لأنهم ليسوا من طبيعتها و لاهم منها .. فالأرض ، بتتكلم عربي .. شاء من شاء و أبى من أبى ..