عن الحرب الممنوعة..عبير بشير

الثلاثاء 20 فبراير 2018 08:31 م / بتوقيت القدس +2GMT



مشاهد وأحداث جديدة تقع على مسرح "الصراع في سورية والصراع على سورية": قوات من المرتزقة الروس على علاقة بالكرملين، وبمشاركة عناصر من النظام السوري، تهاجم قاعدة أميركية في دير الزور الغنية بالنفط والغاز في السابع من الشهر الحالي، الرد الأميركي كان سريعا وقاسيا، حيث هاجمت القوات الأمريكية، معاقل تلك المرتزقة، ما أدى حسب مواقع إخبارية إلى مقتل مئة مقاتل روسي مدني – إبادة جماعية - وعندما سأل الصحافيون وزير الدفاع جيمس ماتيس عن الحادث، أعطى إجابة مفتوحة: "ليس لدي فكرة عن الحادث، ولماذا هاجموا النقطة الأميركية، وهل القرار بالمهاجمة كان  داخليا، أم خارجياً – الكرملين-، غير أننا كنا دوماً على علم بأن ثمة عناصر في هذه المعركة المعقدة ليس للروس سيطرة عليهم".
وقبل ذلك بأيام، أي في الثالث من شباط، أسقطت هيئة تحرير الشام طائرة سوخوي روسية فوق أجواء محافظة إدلب بصاروخ أرض– جو - محمول على الكتف، واتهمت أوساط في موسكو- ضمنيا- الإدارة الأميركية بتزويد المعارضة السورية بهذا النوع من الصواريخ . وكان إسقاط الطائرة الروسية، عملاً سياسياً نُفّذ بقرار سياسي وبإتقان وذكاء، بعكس العملية التركية في إسقاط السوخوي الروسية، التي دفعت أنقرة ثمنها باهظاً. فالولايات المتحدة رسمت خطوطا حمراً بشأن استهداف روسيا لقوات سورية الديمقراطية، وقد ترجمتها بالسماح للمعارضة السورية، بإسقاط طائرة السوخوي الروسية- وبذلك تكون خشية الولايات المتحدة من استهداف روسيا للأكراد، لا تقل عن خشيتها من ان تقود عملية «غصن الزيتون» التركية إلى مواجهة واسعة بهدف حماية الأكراد، وهو ما سيعمق خلافاتها مع أنقرة. لذلك بذلت وتبذل الإدارة الأميركية جهوداً واسعة من أجل ردم الهوة بينها وبين أنقرة. ولا شك في أن المحادثات التي أجراها وزير الخارجية ريكس تيلرسون مع الرئيس رجب طيب أردوغان ونظيره الوزير مولود أوغلو نجحت في تحقيق شيء من التهدئة على جبهة الخلافات الثنائية، وتم التوصل إلى تفاهم على نشر قوات مشتركة في منبج والسماح لقوات نظامية سورية بالانتشار في عفرين الكردية.
وبعد حادثة السوخوي بأيام، أرسلت إيران طائرة من دون طيار إلى أجواء إسرائيل، وردت إسرائيل بعشرات الغارات في العمق السوري، واستهدفت قواعد عسكرية حساسة لإيران في محيط  دمشق، ولأول مرة تقوم المضادات الجوية للجيش السوري بإسقاط  طائرة إسرائيلية منذ الثمانينات. وحينها ربط المتابعون للشأن السوري بين سقوط الطائرة الروسية وإسقاط الطائرة الإسرائيلية، ورأوا أن إسقاط النظام السوري لهذه الطائرة المتطورة في سابقة من نوعها، لم يكن ليحدث بدون ضوء اخضر روسي عالي المستوى، وهو في نفس الوقت ضوء أحمر روسي للإدارة الأميركية وللدولة العبرية، بأن موسكو قادرة على خلط الأوراق، وتغيير قواعد الاشتباك على الأراضي السورية – لقد اختبرتموني - .
وأول من أمس، استعرض بنيامين نتنياهو في مؤتمر ميونخ الأمني  جزءًا من حطام الطائرة بدون طيار الإيرانية التي أعلن الجيش الإسرائيلي عن إسقاطها على الحدود الشمالية، وهدد خلال كلمة له بتوجيه ضربة مباشرة لإيران "إذا لزم الأمر"، وليس فقط لمن وصفهم بـ "وكلائها في المنطقة" ووجه نتنياهو رسالته للنظام الإيراني "لا تختبرونا"، مؤكداً أن حكومته ستواصل العمل ضد التواجد الإيراني في سورية وبالأخص في الجنوب السوري، وإنها لن تسمح بقواعد عسكرية لها أو للميليشيات التابعة لها. بنيامين نتنياهو الذي زار موسكو قبل حادثة إسقاط الطائرة بيومين، وناقش مع سيد الكرملين الوجود الإيراني في سورية، وضرورة إبعاد إيران وصواريخها عن حدود الجولان المحتل في سورية، وكذلك إبعاد مقاتلي حزب الله، أبلغ مضيفه أيضا بأن إشراف إيران وحزب الله على جبهة الجولان ومحاولة إقامة توازن ردعي مع إسرائيل وربط هذه الجبهة بجنوب لبنان هي خطر على إسرائيل والمنطقة ولن تسمح إسرائيل بحدوث ذلك مهما كلفها الأمر.
وحين زار موفدا فلاديمير بوتين، ميخائيل بوغدانوف وسكرتير الأمن القومي الروسي تل أبيب للتنسيق حول هواجس إسرائيل حول الوجود الإيراني في سورية، طمأناها إلى موافقة موسكو على حرية حركتها ضد هذا الوجود في بلاد الشام شرط ألا تمس بالجيش السوري النظامي. في حين تؤكد الوقائع بأن الخطوط العريضة للتفاهم الأميركي – الروسي، كانت أيضا أعمق وأشمل وتعني بين ما تعنيه أن مرتفعات الجولان المحتلة  صارت أرضاً إسرائيلية وخارج دائرة التفاوض، وهذا ما أبلغه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قبل أيّام قليلة عندما التقيا على هامش مؤتمر دولي في ميونيخ.
ويبدو أن طهران أرادت من تسيير الطائرة المسيرة، توجيه رسالة للجميع، موسكو وواشنطن وإسرائيل، بأنها موجودة في دمشق وفي قلب نظام الأسد، فلا يحاول أحد تجاهلها أو القفز عنها، فهي قادرة على تدمير أي حلول للأزمة السورية من دون موافقتها مهما كانت الكلفة. فإيران التي وجدت أنها دُفعت من الحدود السورية مع الجولان المحتل نحو محيط دمشق، إثر الاتفاق الذي تم بين عمان وموسكو وواشنطن في المنطقة المنخفضة التوتر هناك، وهي المنطقة الوحيدة من مجمل المناطق المنخفضة التوتر التي حافظت على وقف إطلاق النار فيها بضغط أميركي لافت، لم ترض بالمطلق عن خسارتها لتلك المواقع المتقدمة.
وكان من اللافت بأن إيران هي التي احتفت، وتبخترت بإسقاط الطائرة الروسية، وليس النظام السوري، فقد ظهر السفير الإيراني في دمشق على شاشة التلفزيون السوري، ليبارك العملية ويهنئ الشعب السوري على هذا الإنجاز التاريخي، بينما لم يظهر وزير الدفاع السوري– مثلا-  للإعلان عن  هذا الحدث.
فإيران تريد أن تكتسب اعترافاً دولياً بأنها الطرف الثاني في المواجهة مع إسرائيل، رغم أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية حمل توقيع نظام الأسد وليس طهران، وهو لا يقل شأناً وأهمية على تشديد طهران الدائم بالفعل والقول، بأنها طرف محوري ومقرر في الأزمة السورية.
وعلى الرغم من تكرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الحديث في أكثر من مناسبة، عن ضرورة مواجهة إيران في سورية ومنعها من تحقيق حلمها في بناء القوس الشيعي الممتد من العراق إلى لبنان عبر سورية. وما  يصفه وزير الخارجية تيلرسون بالخطر الإيراني في سورية وما يمثله من تهديد على وحدة سورية، وعرقلة البدء بمرحلة انتقالية في الطريق إلى حل الأزمة السورية. لكن الولايات المتحدة لم تشر إلى كيفية وآلية تحقيق ذلك على الأرض!!!
وبالعودة إلى الطائرة الإسرائيلية، فلا شك بأن إسقاطها، كان حدثاً استثنائياً، لأنه منذ منتصف الثمانينات، لم تُسقط الدفاعات السورية أي طائرة إسرائيلية رغم مئات الغارات الإسرائيلية، وفي كل مرة كانت دمشق تُسارع إلى القول: سنرد في الوقت والمكان المناسبين، ولم يحصل أن عثرت دمشق الأسد الأب أو الابن، على الوقت والمكان المناسبين للرد على الغارات، ووجد  محور الممانعة في الرد السوري، تغييراً في قواعد الاشتباك، وقد وصل الأمر إلى القول بأن إسرائيل ستتردد مائة مرة قبل الإقدام على -مغامرة جديدة -لأنها ستكون مُكلفة جداً.
غير أنه وبرغم من أن إسقاط الطائرة الإسرائيلية، كان صدمة من العيار الثقيل لتل أبيب، التي اعتادت طائراتها التنزّه فوق الأجواء السورية وضرب مواقع للنظام السوري، أو قصف شاحنات أسلحة وصواريخ ذاهبة من سورية إلى حزب الله، لكن في المحصلة، فإن خسارة طائرة مقابل عشرات الضربات الجوّيّة الناجحة أمر مشجّع لإسرائيل، غير أنها تعلّمهم الحذر في توخّي أهدافهم التوسّعيّة لكنّها لا تردعهم عن المضي بها.
على كل حال، الغارة الأولى بالطائرة بدون طيار و«الرد السوري» ومن ثم الغارات الإسرائيلية وردود الفعل، تؤكد جميعها على أمر واحد، وهو الرغبة والإرادات بأن تقف نتائج ما حصل عند هذه الحدود، وعدم الانزلاق نحو مستنقع الحرب- رغم أن جولة المواجهة الأخيرة كانت تملك الكثير من مواصفات الحرب وشروطها. ورغم أن إسرائيل لا تخفي استعدادها للذهاب بعيداً لمنع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله ولإجهاض خطط الحرس الثوري في خلق ركائز عسكرية حولها ونشر بعض الميليشيات التابعة له بالقرب من حدودها، لكن الصحيح أيضاً أن ليس ثمة حافز ملح عندها كي تخوض حرباً ضد إيران وحلفائها، ما دامت قادرة بضربات مركزة على تحقيق أهدافها.
 باختصار لا أحد يريد تحويل سورية إلى ساحة حرب شاملة تتمدد في المنطقة، لأنها قد ترغم  إيران وإسرائيل اللتين اعتمدتا حتى الآن على حروب بالوكالة، على المواجهة المباشرة. فإسرائيل لا تريد تعكير صفو مسرحية تذابح السوريين، وإيران لا تريد أن تدفع من كيسها الخاص في حرب قاسية مع إسرائيل تبدد وتحرق كل ما كدسته في خزائنها من إنجازات ومكاسب على مدار عقود. وباختصار أيضا الجميع يهدد ويتوعد بالحرب، ولكن الجميع يحرص عملياً على تجنبها.
الظاهرة الجديدة والغريبة، كانت بموقف حزب الله المنضبط والموزون مما حصل، حيث اكتفى الحزب، بمقاربة خجولة وغير مألوفة، تضمنت الحديث عن -المعادلة الجديدة - ركزت على استمرار الدعم للشعب السوري من دون الاستطراد إلى ما هو أبعد، من دون التفخيم أو التفحيط أو التهويل مما حصل، وهذا أمر مستجد في أدبيات الحزب، وهو عكس موقفه من "بلوك تسعة" للغاز على الشواطئ اللبنانية حيث لجأ للتصعيد.