تل ابيب تتساءل عن اسباب غياب السنوار.. فماذا قالت عن خيارات حماس في ظل اكتشاف الانفاق ؟

الأربعاء 14 فبراير 2018 06:32 م / بتوقيت القدس +2GMT
تل ابيب تتساءل عن اسباب غياب السنوار.. فماذا قالت عن خيارات حماس في ظل اكتشاف الانفاق ؟



القدس المحتلة / سما /

خلال احدى المناسبات الأخيرة لحركة حماس، شارك زعيم الحركة، يحيى السنوار، في تلك المناسبة ملقيا خطابا من على المنصة. ومن ثم، اختفى فجأة عن وجه الأرض فور انهاء خطابه.

وكان ظهور السنوار متوقعا في المناسبات الأخيرة للحركة، وتلك التي تهم الشعب الفلسطيني بشكل عام، وخصوصا تلك التي تشعل الشارع الفلسطيني بعد قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. غير ان الرجل لم يكن هناك، ولا بين المجموعة المحيطة به، بل كان في مكان اخر. الى ان ظهر مؤخرا في مسيرة جماهيرية لحماس، القى فيها خطابا امام عشرات الالاف من أنصار الحركة. أي انه اختفى لفترة ليست بالقليلة، وفق الكاتب.

وفي اعقاب ذلك، احيط المسؤولون الإسرائيليون علما باختفاء السنوار، دون ان يتمكن أحد منهم من تحليل لماذا ثارت جماهير حماس في ذلك الاحتفال عندما شاهدت السنوار، وكأنه حقق إنجازا، او كأنه قدم من سفر. وبمقاييس الإسرائيليين، يعتبر هذا أمرا مثيرا للقلق. وفي الماضي، كان السلوك غير العادي لمسؤولي حماس مؤشرا على تغيير في تكتيكات الصراع، او اتجاهاته.

لا يعتبر السنوار قائدا عسكريا فحسب، فهو قائد حماس المنتخب، في قطاع غزة والضفة الغربية. ولكن غيابه عن الساحة العامة، حتى لفترات قصيرة، يعتبر امرا غير طبيعي. وإسرائيل ترقبه منذ ان ترك خالد مشعل الساحة ليحيى السنوار، وإسماعيل هنية، الذي سيطر على كل الميكروفونات تقريبا. غير ان إسرائيل يهمها في الغالب القياديون الحمساويون المختفون، مثل السنوار، أكثر من أولئك الذين يرتجلون الميكرفونات، مثل هنية.

بدا مسلسل اختفاء السنوار عن الأضواء بعيد إعلان ترمب، في 6 كانون الأول 2017. وتعرف اسرائيل ان هذا النوع من السلوك، أي الاختفاء تحت الأرض، هو سلوك اعتيادي لقائد ينوي ويستعد لعمل شيء، اقله مهاجمة جيش الاحتلال.
وبالمقابل، يدرك قادة حماس انه في حال قُتل إسرائيليين نتيجة إطلاق الصواريخ، فإن إسرائيل ستستخدم أسلحتها المختلفة في الرد، من قبيل اغتيال مستهدف لقيادات في حماس في القطاع، ولهذا يسارعون الى تغيير نمط حياتهم، بما يشمل الاختفاء ان لزم الامر. غير ان اختفاء السنوار الأخير ما يزال محل تحليل دون التوصل الى قرار من قبل الاحتلال حول أساس اختفائه.

ولا يوجد في الوقت الحالي تغيير جوهري في التحركات العسكرية لحماس، الا قيامها مؤخرا بنقل مقاتليها من مواقعهم في الخطوط الامامية الى الخلف قليلا تحسبا من نيران الدبابات الإسرائيلية. اما الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل منذ خطاب ترمب، فقد تم اطلاقها من قبل المنظمات السلفية في غزة، والتي تستخدم صواريخ محلية الصنع قصيرة المدى. وما يزال من غير الواضح من الذي قام بإطلاق الصاروخ الذي ضرب مستوطنة "سديروت". وربما يكون من الممكن ان أعضاء من حماس هم من أطلقوه، ولكن التقدير يشير الى ان حماس لا تبدو سعيدة بهذه الموجة من إطلاق الصواريخ.

غير انها سعيدة بالاحتجاجات على السياج الحدودي، وتشجع أنصارها على القيام بها، لأنها تبقى تحت السيطرة مهما توسعت. اما رائحة البارود في الجو، فلا تحبذه حماس لأنه قد يخرج عن سيطرتها. ولهذا فهي تتصدى له من خلال تنفذ عمليات اعتقال في صفوف المنظمات السلفية بين الحين والأخر.

وهناك تفسير آخر محتمل لهذا "الاختفاء" المؤقت لقيادي حماس. فمنذ بداية العام، يبدو ان قادة الحركة كانوا منشغلين في قضية استراتيجية هامة بالنسبة لهم، وهي: ماذا يتوجب عليهم ان يفعلوا في حال وجدت إسرائيل ردا فعالا على سلاح الانفاق لدى حماس، وقامت بتحييده.

سبق ان كشفت إسرائيل عن نفق هجومي لحماس قرب "كيبوتس نيريم". وحيث تمكنت إسرائيل من تحديد هذا النفق والوصول اليه، فقد أصبحت المسألة حرجة امام حرجة، وتوجب عليها الإجابة عن السؤال الاستراتيجي التالي: هل ينبغي عليها ان تزيد من وتيرة الحفر، ومحاولات التسلل إلى إسرائيل؟ ام هل يتوجب عليها أن تتخلى عن الانفاق الهجومية، والبدء بدلا من ذلك في الاستثمار في قدرات أخرى يمكن ان تشكل ردعا جديدا لإسرائيل؟

ومن المرجح أن عقول قادة حماس ازدحمت في مناقشات طارئة بشأن طبيعة الحل الذي توصل اليه الإسرائيليون للأنفاق. ولربما "اختفوا" لهذا السبب، ولمحاولة دراسة الامر، وجمع معلومات استخبارية دقيقة عنه. علما ان أحد الاحتمالات التي تحللها حماس هو ان إسرائيل استخدمت أجهزة الاستشعار عن بعد للوصول الى الانفاق.

وصلت الرسالة الى حماس

وفي شهر تموز 2017، بدأت إسرائيل، وبشكل متزامن، ببناء حواجز على (6) نقاط على طول الحدود مع قطاع غزة. وأدركت حماس أن سرعة بناء إسرائيل للحواجز سيتركها دون أنفاق عابرة للحدود بحلول نهاية العام 2018، كما هدد مسؤولون إسرائيليون أكثر من مرة. ولهذا قامت حماس والجهاد الإسلامي بمحاولات لإحباط ما تقوم به إسرائيل على الحدود من خلال التشويش على القوات الإسرائيلية بطريقة او أخرى.

ولهذا حذر مسؤولو جيش الاحتلال حماس، من خلال رسائل ميدانية ورسائل علنية، من تعطيل العمل، على اعتبار انه يجري على الجانب المقابل وليس داخل القطاع.

ورغم ان مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي لاحظوا الكثير من القوات الإسرائيلية تنشر على الجانب الاخر قبالة سياج غزة، وسمعوا طائرات مأهولة، وطائرات بدون طيار تحلق فوق رؤوسهم لساعات طويلة، الا ان حركة الجهاد الإسلامي قامت بمحاولة فاشلة لتخريب العمل الذي يقوم به جيش الاحتلال هناك.

إن إدراك حماس والجهاد الإسلامي أنهم على وشك أن يفقدوا سلاحهم الاستراتيجي الرئيسي (أي الانفاق)، ضرب ثقتهم في القدرة على المبادرة، وأفقدهم بعض التركيز. وتشير التقارير بأن رئيس أركان جيش الاحتلال امر بتدمير جميع الأنفاق العابرة للحدود بحلول نهاية العام 2018، وهو ما جعلهم يدركون أن إيزنكوت لا يمكن ان يطلق مثل هذه الأوامر لولا انه يمتلك حلا يسمح له بإصدار مثل هذا الأمر، وفق الكاتب.

وجاءت هذه المعالجات الإسرائيلية للتهديد القادم من الانفاق بمثابة ضربة قوية لحركة حماس. حيث أنها استثمرت معظم ميزانيتها العسكرية في حفر الانفاق. حيث ان حفر نفق هجومي طوله (2-3) كيلومتر يستغرق من (2-5) سنوات، تبعا لنوع الأرض التي يتم الحفر فيها، وطبيعة المواد المستخدمة. وتبلغ تكلفة انشاء نفق واحد بهذا الطول (10-15) مليون شيكل.

وفي ظروف قطاع غزة، تعتبر تلك تكلفة عالية جدا، وخصوصا إذا ما اخذ بالاعتبار انه تم الكشف عن أكثر من (30) نفقا عبر الحدود خلال عملية "الجرف الصامد". ونتيجة لذلك، قام الإيرانيون بخفض مساعدتهم العسكرية السنوية لحماس في غزة، البالغة (60) مليون دولار، وفق الكاتب.

ومن اجل بناء نفق هجومي، تحتاج المجموعات المسلحة في غزة إلى بناء جدار اسمنتي أسطواني، وشراء كميات هائلة من الاسمنت، ونقل المواد، وإخلاء الرمال على عربات سكك حديدية صغيرة. كما تحتاج الى استئجار المباني التي يخرج ويدخل منها النفق، بالإضافة الى شراء أجهزة التكييف، وايصال الكهرباء بقوة كافية. وبعض الأنفاق فيها مصاعد تمتد لعشرات الأمتار تحت الأرض، وبعضها تكون واسعة بحيث تسمح للدراجات النارية بالسير في داخلها.

يعمل حفارو الأنفاق برواتب مرتفعة نسبيا بالمقارنة مع متوسط الأجر في قطاع غزة، وذلك بسبب الطبيعة الخطرة للوظيفة، حيث قتل عشرات الأشخاص، واصيب المئات خلال الحفريات، ودفعت المنظمات مبالغ ضخمة كتعويضات لأسرهم. وفي حين يكسب الموظف الحكومي في القطاع نحو (1,800) شيكل شهريا، يمكن لحفار الانفاق ان يكسب ضعف هذا المبلغ على الأقل.

خيارات حماس: أخطار في اخر النفق

مع انهيار نظريتها العسكرية، وفق الكاتب، تبدو حماس على مفترق طرق. فقد كان الكشف الإسرائيلي عن الانفاق أسوأ ما شهده العام 2017 لحركة حماس. ليس فقط لأنها بدأت بفقدان سلاح الانفاق، ولكن لان جهاز امن الاحتلال نجح في "قطع اجنحتها" في الضفة الغربية ايضا، وفق مصطلح الكاتب.

يوشك السباق الإسرائيلي ضد الأنفاق على الانتهاء كما يقول الاحتلال. ولا شك بان حماس ستبحث عن بديل تؤثر به على إسرائيل، بعد "عصر الانفاق"، وفق الكاتب.

ربما ليس لدى حماس خيارات كثيرة للتغلب على ما تقوم به إسرائيل ضد انفاقها، وربما تلجا لمحاكاة ما يقوم به حزب الله. وبالتالي يجب فحص ما فعله حزب الله أثناء قتاله في سوريا.

احدى الطرق التي تستخدمها الجيوش هي المركبات المفخخة، و"الضربات التكنولوجية". مثل الطائرات بدون طيار. وفي سوريا استخدم حزب الله الطائرات بدون طيار، المحملة بالمتفجرات، وأطلقها في الكثير من المرات على العديد من الأهداف. وحيث انها تحمل كاميرات، فهي تسمح لمشغلها باختيار الهدف، وتوجيهها بدقة، فضلا عن ارسال الصور قبل تحطمها في العملية المخططة. وخلال الحرب السورية، تطورت قدرة الطائرات بدون طيار على حمل الأسلحة بشكل مطرد، كما تبين من خلال الأهداف التي ضربتها تلك الطائرات.

وليس حزب الله فقط هو من استخدم الطائرات بدون طيار، فقد استخدمها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ضد الجيش العراقي في الموصل، حيث كان يطلق (3-4) طائرات بدون طيار كل بضعة دقائق، على اهداف عدة في محيط واحد، مما خلق بلبلة وتعقيدات امام الجيش العراقي، اطالت معه عملية الموصل الى مدة أطول بكثير من المتوقع.

الخيار الأول: إذا كانت الطائرات بدون طيار هي خيار حماس القادم، بديلا عن الانفاق، وإذا بدأت تلك الطائرات بالسقوط على التجمعات الإسرائيلية، أو الجسور، او الشوارع، كل بضعة دقائق، فسوف تزرع الذعر بين السكان، وستتسبب بالكثير من الاضرار في الممتلكات والارواح.

وتبذل حماس بالفعل جهدا كبيرا لتهريب الطائرات بدون طيار إلى القطاع، رغم ان الانفاق التي دمرت في عملية الجرف الصامد تجعل إمكانية التهريب هي أكثر تعقيدا وصعوبة. وتعلم إسرائيل ان حماس تعمل على تصنيع الطائرات بدون طيار، كتلك التي طيّرتها في عملية "الجرف الصامد".

الخيار الثاني: ثمة خيار آخر يمكن لحماس أن تركز عليه، وهو ما يعرف باسم "النفق تحت الماء" الذي يعبر البحر تسللا. في شهر كانون الأول من العام 2016، اغتيل مهندس الطيران محمد الزواري في تونس. وقد أشادت حماس بكونه "الاب الروحي" لبرنامج الطائرات بدون طيار لديها. ولكن ما نشر في الصحافة العربية بعد وفاته، ذكر مشاركته في تطوير أسلحة وحلول تحت الماء أيضا، مثل الغواصات المأهولة والغواصات غير المأهولة.

وترى إسرائيل ان القوة البحرية لحماس تتطور. وكان أحد الأهداف الرئيسية التي قصفها الاحتلال في غزة خلال الأيام الأخيرة أحد مستودعات المعدات البحرية، علما ان حماس تركز جهودها على تهريب معدات القتال البحرية إلى القطاع.

الخيار الثالث: وقد يكون أحد خيارات حماس للهجمات الانية استخدام الهجمات المزدوجة، بحيث يتم تفجير سيارة او شاحنة مفخخة على الجدار او الحاجز، بينما تقوم قوة أخرى بتوسيع فتحة الانفجار، ومن ثم تقوم قوة أخرى بالدخول الى إسرائيل وتنفيذ الهجوم. وتعرف إسرائيل أن قوات النخبة الخاصة التابعة لحركة حماس تتدرب على هذه العمليات بمركبات مختلفة، بما في ذلك الدراجات النارية.

ترجمة: وطن للانباء عن "واي نت" بالإنجليزية