إدارة الصلف في البيت الأبيض .. رجب أبو سرية

الجمعة 09 فبراير 2018 07:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
إدارة الصلف في البيت الأبيض .. رجب أبو سرية



 

قد لا نبالغ كثيراً لو قلنا: إنه لم يمر في تاريخ الولايات المتحدة، إدارة للبيت الأبيض، على هذا المستوى من الصلف الذي يصل إلى حد الوقاحة السياسية، خاصة فيما يخص موقف تلك الإدارة من القيادة الفلسطينية ومن الحقوق الوطنية الفلسطينية، ويظهر ذلك جلياً من خلال تسابق أركان تلك الإدارة في تصريحاتهم العدائية تجاه الشعب الفلسطيني، خاصة منذ أن أعلن رئيس الجوقة دونالد ترامب في السادس من كانون الأول الماضي، اعترافه بأن القدس المحتلة عاصمة لدولة إسرائيل ومن ثم نيته نقل سفارته من تل أبيب إلى القدس.
وأن تأتي التصريحات العدائية تباعاً، من قبل كل من مايك بنس نائب الرئيس، وجيسون غرينبلات مستشاره السياسي، ونيكي هايلي سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، كذلك جاريد كوشنير صهره وكبير مستشاريه، إضافة إلى سفيره في إسرائيل ديفيد فريدمان، يعني أولاً أن هذا الخط العدائي بات سياسة عامة وثابتة لهذه الإدارة، في الوقت الذي يؤكد فيه فقدان الولايات المتحدة حقاً وفعلاً وقولاً لمكانة الطرف الراعي للعملية السياسية، الذي يفترض فيه أن يتمتع بقدر من الحيادية، وأكثر من ذلك يظهر هذه الإدارة كما لو كانت حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة ثانية، أو موازية لحكومة بنيامين نتنياهو، وأنها عملياً ملكية أكثر من الملك.
كما تظهر تلك التصريحات المتتابعة منذ شهرين وبشكل متواصل درجة من الحنق الذي ينم عن عنجهية سياسية، وعن نزعة الشعور بالقوة التي لا تحتمل أن يقول طرف ضعيف أو شعب مستضعف: لا للجبروت الكوني المستبد. وحيث إن أميركا تتعامل مع الشرق الأوسط العربي كما لو كان في الجيب الصغيرة، وحيث لا يجرؤ مسؤول عربي أن يقول لا، للمتبجح ترامب، الذي لم يستوعب هذا الرئيس الدونكيشوتي_ الذي يحارب طواحين الهواء، بحثاً عن مكانة مفقودة لبلاده، وظناً منه بأن كلمة أميركا هي المسموعة والمطاعة في هذا العالم_ أن يقف الرئيس الفلسطيني والشعب الفلسطيني بشجاعة وجرأة ليقول: لا حقيقية وفعلية لإعلانه الظالم تجاه القدس.
وقد جاء ذلك من خلال إعلان أركان جوقة الصلف الأميركية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أهان ترامب حين رفض استقبال نائبه مايك بنس، وحين أظهر جديته في مقاومة الإعلان الاحتلالي الخاص بالقدس، من خلال ذهابه للأمم المتحدة، وجولاته في أوروبا ورفضه أن تكون أميركا راعية للحل السياسي، ثم استمرار المواجهة الشعبية السلمية التي تضع كل العصي في دواليب خطة التصفية التي تحضّر لها هذه الإدارة وتسميها صفقة القرن.
ومع اقتراب موعد طرح هذه الصفقة التي سماها الرئيس عباس بصفعة القرن، تأكيداً للرفض الفلسطيني لها قبل طرحها، تزداد حدة الحنق الأميركي على الرئيس الفلسطيني، لدرجة الحديث شبه الرسمي عن استبداله، وفي ذلك كل الغباء الذي تتسم به إدارة ترامب، التي جاءت عبر تدخل روسي في انتخابات الرئاسة الأميركية لتطيح بمكانة أميركا ليس في الشرق الأوسط وحسب ولكن في كل العالم، من خلال تولي إدارة على هذا الشكل والمستوى من السذاجة، التي تجعلها تتحول إلى أداة أو لعبة بيد نتنياهو، في وقت ليس فيه الشرق الوسط وحسب، بل كل العالم ينظر لدولة إسرائيل كدولة مارقة غير أخلاقية، والدليل أن العالم العربي والإسلامي، ورغم فتح العديد من البوابات الرسمية لها ما زال لا يقبلها، ورغم إغراءاتها المتمثلة بفتح أبواب واشنطن لمن يتودد لها أو يقترب منها، ورغم إغراءاتها الاقتصادية، ما زال العالم بغالبيته الساحقة لا يحبها ولا يكن لها الاحترام لأنها دولة محتلة وقامعة وقاهرة لشعب مستضعف، والدليل الدامغ هو كم القرارات التي «مسحت بإسرائيل الأرض» التي اتخذت في الأمم المتحدة، والتي لا توجد دولة في العالم اتخذ بحقها نصف ما اتخذ بحق إسرائيل من قرارات إدانة.
ولو استعرضنا جملة التصريحات التي أطلقها أعضاء الجوقة الأميركية مؤخراً، لتبين لنا السبب في أن أصوات نفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان وحتى بنيامين نتنياهو لم تعد مسموعة، حيث هناك من يقول عنهم أكثر منهم، فمبعوث ترامب للشرق الأوسط جيسون غرينبلات، الذي يفترض فيه أن يكون متوازناً ليكون مقبولاً على الطرفين بات يتدخل في كل التفاصيل دون أن يفكر للحظة بضرورة وجود بعض المنطق فيما يقول، وقبل أيام عاد ليؤكد أنه لا يرى أن المستوطنات في الضفة الغربية والقدس المحتلة عقبة أمام تحقيق السلام، ثم يصدر قراراً يقول فيه: إنه على «حماس» أن تعيد الجنود الإسرائيليين، وينسى أن إسرائيل نفسها لا تطالب بهذا ولا بأكثر من إجراء مفاوضات تبادل للأسرى، وهذا الرجل لا يرى آلاف المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل ومنهم الأطفال، ولم يلحظ عهد التميمي، ونسي أن الجنود الإسرائيليين ذهبوا إلى غزة يحملون بنادق القتل.
أما نيكي هايلي فقد طالبت بكلمة لها في الأمم المتحدة بإطاحة الرئيس الفلسطيني، وقد جاءت كلمتها كتنديد بإعلان الأمم المتحدة أنها تتقصى أنشطة 206 شركات تعمل في المستوطنات التي يعتبرها القانون الدولي غير شرعية.
خلاصة القول: إن موقف إدارة ترامب من القضية الفلسطينية، خاصة ما تعلنه هذه الإدارة تجاه الأرض الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، خاصة فيما يتعلق بملفي القدس والاستيطان، بالأمم المتحدة، أو مع الأوروبيين، يظهر بشكل جلي أن أميركا تسير بالاتجاه المعاكس للمجتمع الدولي، وهنا مكمن ضعفها، وما يشير إلى أن الفشل سيكون حليفها، ولن تقوى لا على تمرير الإعلان الخاص بالقدس، ولا بفرض حل صفقة القرن، بل إنها في الوقت الذي تعزز فيه مكانة اليمين المتطرف في إسرائيل، فإنها تأخذ معها إسرائيل بكامل محيطها إلى مستقبل مجهول، أقله العزلة وإغلاق الأبواب أمام دخولها لمجتمع الشرق الأوسط، وقد أصاب الرئيس محمود عباس كبد الحقيقة حين ذهب لمربط الفرس مباشرة حين قال: إن قلمه فقط هو الذي يوقّع، لا قلم ترامب ولا نتنياهو، شاء من شاء وأبى من أبى.

Rajab22@hotmail.com