بنس.. أميركا في طريق اللاعودة..أشرف العجرمي

الأربعاء 24 يناير 2018 09:22 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بنس.. أميركا في طريق اللاعودة..أشرف العجرمي



بعض المحللين اعتقدوا أن الفلسطينيين يضيعون فرصة عندما لا يتحدثون مع الإدارة الأميركية، بل هناك من طالب باللقاء مع نائب الرئيس مايك بنس، ولكن من استمع إلى خطاب الأخير سيكتشف بسرعة بالغة أننا لم نخسر شيئاً بل العكس هو الصحيح، فقد احترمت القيادة الفلسطينية نفسها بعدم لقاء هذا المتطرف الذي لا يقل سوءاً عن أشد المتطرفين اليهود في المعسكر القومي الديني، وهو تماماً في ذات الاتجاه.
وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية متشجعة أصلاً من سلوك الإدارة الأميركية لاستمرار التنكر لأبسط قواعد وأسس ومرجعيات العملية السياسية والاتفاقات السابقة مع إسرائيل، فزيارة بنس لا شك شحنتها بمزيد من التشجيع للمضي قدماً في طريق التصعيد الاحتلالي العنصري.
بنس يتحدث عن تصحيح خطأ تاريخي عمره سبعون عاماً بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، بل تحدث عن تطبيق وعد إلهي وأنه اختار الحقيقة على الخيال، والحقيقة على ما يبدو - من وجهة نظره هنا - هي احتلال وضم إسرائيل للقدس الشرقية. 
وبهذا الخطاب السياسي- الديني- الأيديولوجي، بات واضحاً بشكل قاطع أنه لا مجال للحوار مع إدارة ترامب، وأن الفهم الذي تولد لدى القيادة للموقف الأميركي والذي هو حصيلة مواقف وتلميحات وتسريبات، دقيق ويحب عدم انتظار أي شيء منها سوى الأكثر سوءاً.
إدارة ترامب تفتح المجال واسعاً أمام الجشع الاحتلالي للاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية، بل وضمها لإسرائيل، والانتقادات الخجولة التي كنّا نسمعها من الناطقين في الإدارات السابقة للاستيطان والإجراءات الإسرائيلية لم تعد قائمة.
الحكومة الإسرائيلية تفهم المواقف وتقرأ ما بين السطور، وهي ذهبت إلى أبعد حتى مما يتخيله الأميركيون، فالموضوع ليس فقط التعامل مع مناطق (ج) باعتبارها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة ولها اليد الطولى في إجراء أي تغيير جغرافي أو ديموغرافي فيها، بل التمادي إلى اعتبارها جزءاً من إسرائيل بصورة قانونية دون اللجوء إلى الضم الرسمي المعلن. 
واللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع أقرت تعديلات على ١٢ قانوناً تتيح للحكومة والسلطات الإسرائيلية تطبيق القوانين الإسرائيلية على المستوطنين والمستوطنات. 
بمعنى أنها تصبح فعلياً جزءاً من حدود وسيادة دولة إسرائيل. هذه التعديلات تعبر عن رؤية إسرائيلية حاولت وزيرة العدل اييلت شاكيد ووزراء آخرون تطبيقها منذ مدة، وهاهم ينجحون بفضل التشجيع والكرم الأميركي الذي يمنح إسرائيل ما ليس لها باعتراف المجتمع الدولي وقراراته المتعاقبة، والذي يضرب بعرض الحائط كل القوانين والمواثيق والمقررات الأممية، وهذه السياسة الإسرائيلية قائمة على ما يمكن منه استنباط مكونات «صفقة القرن» التي يعدنا بها ترامب.
الصفقة الأميركية كما يجري تسريب بعض عناصرها تقوم على استثناء القدس من المفاوضات كما قال ترامب نفسه عندما استخدم تعبير» أزحناها عن الطاولة»، وتقترح عاصمة فلسطينية في ضواحي القدس، وتشطب قضية اللاجئين الفلسطينيين بالكامل وتوافق على مطالب إسرائيل بعدم العودة إلى حدود العام 1967، وتسمح لإسرائيل بضم ما يزيد على 10% من مناطق الضفة، وتمنح إسرائيل السيطرة الأمنية الكاملة على الأرض وفي الجو والبحر، وتفتح المجال للفلسطينيين لاستخدام موانئ أو ألسنة في موانئ إسرائيل بما في ذلك تسهيلات في مطار بن غوريون. 
وبهذا ينتهي الصراع وتصبح إسرائيل صديقة للعالم العربي ويحظى الفلسطينيون بالمال، أي يجري شراء قبولهم بالصفقة ببضعة مليارات، باعتبار أن الحديث هو عن صفقة اقتصادية أو مالية.
صحيح أننا يجب أن ننفض أيدينا من الإدارة الأميركية الحالية باعتبار أنها أثبتت أنها لا يمكنها لعب دور الراعي أو الوسيط النزيه، ولكن لا ينبغي لنا أن نتوهم أن البديل قائم وفي متناول اليد، والزيارة الناجحة للرئيس أبو مازن لأوروبا وموقف الاتحاد الأوروبي المتوازن لا يغيران من الحقائق التي لا تزال ماثلة في الساحة الدولية، وهي أنه لا يوجد بديل لأميركا حالياً، وليس صحيحاً أن أوروبا هي البديل، فأوروبا تمتنع عن القيام بدور البديل وهي تصر على أنها ليست بديلاً في رعاية العملية السياسية، وكل ما تسعى له هو أن تكون أحد الشركاء.
بالرغم من صعوبة الوضع وانغلاق الأفق أمام أي عملية سياسية أو مفاوضات حقيقية في المدى المنظور، إلا أننا ما زلنا نملك حق النقض في كل ما يتعلق بالعملية السياسية والتسوية، ونحن بالرغم من ضعفنا نستطيع أن نقول لا لأي قوة مهما بلغت عظمتها. 
وإذا كنّا لا نملك أن نحدد من هم اللاعبون المرغوبون فعلى الأقل نستطيع أن نقول من لا نقبل به. 
والطريقة التي تفكر فيها القيادة بالتوجه إلى المجتمع الدولي والمطالبة برعاية دولية هي صحيحة تماماً ولكن تلزمها عناصر قوة، من قبيل تفعيل المقاومة الشعبية السلمية وتطوير الموقف العربي باستخدام شتى أنواع الضغوط، ومراكمة الاعترافات بدولة فلسطين وتثبيتها كعضو كامل في الأمم المتحدة وكل منظماتها ومؤسساتها، وزيادة الضغط الدولي على إسرائيل. 
فطريقنا صعبة وطويلة ولكن لا خيار سوى الصمود والإصرار على الحقوق والعدالة النسبية التي يكفلها المجتمع والقوانين الدولية.