مركز الزيتونة يعلن نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2016–2017

الثلاثاء 09 يناير 2018 10:52 م / بتوقيت القدس +2GMT
مركز الزيتونة يعلن نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني 2016–2017



بيروت /سما/

أعلن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في مؤتمر صحفي عقده في بيروت، أبرز نتائج التقرير الاستراتيجي الفلسطيني لسنتي 2016–2017 والتوقعات المستقبلية للسنتين القادمتين.

وقام بعرض النتائج د. محسن محمد صالح المدير العام للمركز، ومحرر التقرير والمشرف على إعداده؛ حيث ذكر أن المركز دأب على إصدار التقرير منذ سنة 2005، وأن هذا هو المجلد العاشر للتقرير. وهو تقرير شامل علمي موثق، من نحو 400 صفحة، شارك في إعداده 14 خبيراً وباحثاً متخصصاً في الشأن الفلسطيني؛ وهو يتناول بالشرح والتحليل والاستقراء الأوضاع الداخلية الفلسطينية، والمؤشرات السكانية والاقتصادية الفلسطينية، والأرض والمقدسات، ويناقش المشهد الإسرائيلي الداخلي، وأوضاعه السكانية والاقتصادية والعسكرية، ويسلط الضوء على عمليات المقاومة ومسار التسوية السلمية، كما يناقش المواقف العربية والإسلامية والدولية، من الشأن الفلسطيني.

وفي معرض حديثه عن مسار التسوية قال محسن صالح إن التقرير الاستراتيجي يشير إلى أن هذا المسار قد وصل إلى حائط مسدود، وهو في طريقه إلى الانهيار، بعد أن أثبتت منظومة اتفاقيات أوسلو عجزها على حمله باتجاه حلول سياسية حقيقية. وما دامت شروط اللعبة هي نفسها، فإن حلّ الدولتين وفق المنظور الفلسطيني سيسقط عملياً؛ وليس ثمة أفق لتحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض المحتلة سنة 1967؛ وليس ثمة أفق أيضاً لتغيير وضع السلطة الراهن كأداة تخدم أغراض الاحتلال، أكثر مما تخدم أهداف الشعب الفلسطيني وتطلعاته. وبالتالي، لا بدّ من مراجعة جذرية لمسار التسوية، وبُنية السلطة الفلسطينية بما يتوافق مع المصالح العليا للشعب الفلسطيني.

ويلاحظ التقرير أن مسار المصالحة الفلسطينية لم ينجح في تحقيق إنجاز حقيقي طوال السنتين الماضيتين، بالرغم من تعدد الاجتماعات، ودخول مصر على المسار ورعايته، وتنازل حماس عن إدارة قطاع غزة؛ وليس من المتوقع أن تتحقق المصالحة الفلسطينية إذا ما ظلَّت تُدار بالطريقة نفسها؛ وإذا لم تسعَ القيادة الفلسطينية الرسمية إلى إنجاز شراكة حقيقية فعالة، تُعبرّ عن الأحجام الحقيقية للقوى الفلسطينية في الداخل والخارج، وتُبنى على أساس برنامج وطني قائم على الثوابت. كما ينبغي التركيز على مسارات، لا يتحكم بها الطرف الإسرائيلي أو الأمريكي؛ حيث إن مسارات تشكيل حكومة السلطة، والانتخابات في الضفة والقطاع، وإصلاح الأجهزة والمؤسسات وخصوصاً في الضفة يَسهُل تعطيله وإفشاله إسرائيلياً؛ وهو ما يملي على أطراف المصالحة السعي لإعادة بناء وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، بعيداً عن الهيمنة الخارجية. كما أن ثمة فرصة مستقبلية أفضل لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني في ضوء فشل مسار التسوية السلمية.

يوضح التقرير أن التقديرات تشير إلى أن مجموع الشعب الفلسطيني بلغ نحو 13 مليوناً مع بداية سنة 2018، أكثر من نصفهم بقليل (6 ملايين و590 ألفاً أي 50.6%) يقيمون داخل فلسطين والباقي في خارجها، مع ملاحظة أن نحو ثلاثة أرباع فلسطينيي الخارج يقيمون في الأردن وباقي دول الطوق. ونبه التقرير إلى أن اللاجئين الفلسطينيين ما زالوا يُمثّلون أكبر نسبة في العالم لعدد اللاجئين قياساً بعدد الشعب، وهي نسبة تصل إلى 67%، مع الإشارة إلى أن هناك مليونين و160 ألف لاجئ من أبناء فلسطين المحتلة سنة 1948 يقيمون في الضفة الغربية وقطاع غزة.

وقال التقرير إن أعداد الفلسطينيين ستتجاوز أعداد اليهود في فلسطين التاريخية هذا العام، ومن المتوقع أن يزيد عدد الفلسطينيين عن اليهود سنة 2022 بنحو 300 ألف نسمة. وإن قلق السلطات الإسرائيلية من ذلك، قد يدفعها لاتخاذ مزيد من الإجراءات العدوانية والعنصرية؛ وهو ما يستدعي بذل كافة الجهود لدعم صمود الشعب الفلسطيني على أرضه.

وتحدث التقرير عن استمرار معاناة الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة تحت الاحتلال والحصار الإسرائيلي، بسبب استحقاقات اتفاقات أوسلو وبروتوكول باريس؛ ولاحظ التقرير استمرار الهيمنة الإسرائيلية على صادرات السلطة ووارداتها (61.9% من حجم التبادل التجاري للسلطة) وبما يمثل 83.2% من صادرات السلطة، و58.2% من وارداتها، كما لاحظ أن الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي هو أكثر بـ 24 ضعفاً من نظيره الفلسطيني، وأن متوسط دخل الفرد الفلسطيني هو حوالي ثلاثة آلاف دولار مقابل 40 ألف دولار للفرد الإسرائيلي في سنة 2017، وأن الميزانية الفلسطينية مُعتمِدة إلى حدٍّ كبير على الدعم الخارجي، وعلى إيرادات الضرائب التي يجبيها الاحتلال الإسرائيلي والتي يمثل مجموعهما أكثر من 71% من مجمل الإيرادات؛ وهو ما يجعل السلطة رهينة للاحتلال، وللاشتراطات الخارجية.

وغطى التقرير بالتفصيل العدوان والانتهاكات الإسرائيلية ضدّ الشعب الفلسطيني، كما غطى المقاومة والانتفاضة الفلسطينية، مشيراً إلى تسجيل الشاباك الإسرائيلي لـ 1,415 عملية مقاومة خلال سنة 2016، و1,267 عملية خلال الأشهر الـ 11 الأولى من سنة 2017.

وأوضح التقرير أن 134 فلسطينياً استشهدوا سنة 2016، كما استشهد 94 فلسطينياً سنة 2017، بينما ما يزال في الأسر في السجون الإسرائيلية نحو 6,200 أسير بينهم 311 طفلاً، و453 معتقلاً إدارياً.

وتحدث التقرير بالتفصيل عن معاناة القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية تحت الاحتلال الإسرائيلي، منبهاً إلى زيادة برامج الاستيطان والتهويد، واتساع الحفريات تحت المسجد الأقصى وحوله، وتزايد أعداد الصهاينة المقتحمين للمسجد الأقصى، وحدوث نحو 900 اعتداء على المسجد الأقصى والمصلين سنة 2017. كما أشاد التقرير بصمود أهل القدس وثباتهم وانتفاضتهم طوال الفترة الماضية، وخصوصاً في هبة باب الأسباط.

ويسلط التقرير الضوء على مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية ومصادرة الأراضي وبناء الوحدات الاستيطانية، ويشير إلى حدوث عمليات توسُّع في حوالي 90 مستعمرة يهودية، وأن أعداد المستوطنين تجاوزت 800 ألف مستوطن في الضفة سنة 2017، وأن هناك 196 مستعمرة وأكثر من 230 بؤرة استيطانية في الضفة. كما تحدث التقرير عن تطورات جدار الفصل العنصري المحيط بالضفة الغربية، وعن عمليات هدم المنازل التي تقوم بها سلطات الاحتلال ضدّ الشعب الفلسطيني. نبَّه التقرير أن المشروع الصهيوني سيحاول تحقيق أكبر قدر من المكاسب وبناء الحقائق على الأرض، في بيئة عربية وإسلامية ضعيفة ومفككة. غير أنه من المتوقع أن تستمر المقاومة الفلسطينية، وأن تزداد فرصها في التصاعد مع حالة اليأس من مسار التسوية.

وقد أفرد التقرير فصلاً حول المشهد الإسرائيلي الداخلي والسكاني والاقتصادي والعسكري؛ ونبه إلى أن المجتمع الصهيوني يتجه نحو مزيد من التطرف اليميني والديني، وإلى تراجع كبير للتيارات اليسارية الصهيونية. وأن الحكومة الإسرائيلية ترعى ما يسمى "الهوية اليهودية" بشكل عنصري على خلفيات دينية أو قومية أو تراثية؛ وأنها تشرّع القوانين على هذا الأساس. ولاحظ التقرير أن يهود "إسرائيل"، البالغ عددهم مطلع 2018 ما مجموعه 6 ملايين و560 ألفاً، أصبحوا يشكلون 45.5% من يهود العالم، الذين يبلغ عددهم 14 مليوناً و410 آلاف؛ كما لاحظ أن معدلات الهجرة استقرت على أعداد محدودة (نحو 25 ألف سنوياً) وهي مقاربة لأعداد الهجرة العكسية من "إسرائيل".

ونبه التقرير إلى أنه بالرغم من حالة التقدم الاقتصادي وارتفاع الناتج الإجمالي المحلي، وزيادة دخل الفرد (حوالي 40 ألف دولار سنوياً) بما يوازي نظيره في بلدان أوروبية؛ وبالرغم من القوة العسكرية الضخمة والنوعية الإسرائيلية؛ وبالرغم من حالة الضعف الرسمي العربي والإسلامي؛ إلا أن "إسرائيل" ستظل تواجه أزمات حقيقية في ظلّ صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته على أرضه، وفي ظلّ بيئة عربية شعبية واسعة رافضة للتعامل معها، وفي ظلّ بيئة استراتيجية محيطة غير مستقرة، ويتنامى فيها الوجود المقاوم المعادي لـ"إسرائيل".

وتوقع التقرير أن تحافظ الدول العربية، المرتبطة بعلاقات رسمية مع "إسرائيل"، وتحديداً مصر والأردن، على هذه العلاقات. وقد تحاول "إسرائيل" إحداث اختراقات في علاقاتها مع بعض دول الخليج، على قاعدة التحالف ضدّ إيران ومكافحة "الإرهاب"؛ غير أن هذا الاختراق لن يكون سهلاً. وقد تُفضل أطراف عربية عمل العلاقات "تحت الطاولة" بسبب المعارضة الشعبية الواسعة للتطبيع مع "إسرائيل".

من جهة أخرى، فليس من المتوقع، حسب التقرير، أن تُحسِّن منظمة التعاون الإسلامي من أدائها الضعيف والباهت تجاه فلسطين. وستتابع تركيا تحت قيادة أردوغان أدائها السياسي النشط الداعم لفلسطين، في الوقت الذي ستحافظ فيه على علاقتها السياسية الباردة والتجارية النشطة مع الجانب الإسرائيلي. كما ستتابع إيران حالة دعمها السياسي والعسكري للمقاومة الفلسطينية، وعداءها المكشوف ضدّ "إسرائيل".

وقد أفرد التقرير فصلاً للوضع الدولي وقضية فلسطين، ونبه إلى أن البيئة الدولية تبدي تعاطفاً ودعماً بأغلبية كبيرة (بمعدل 140 دولة) لقضية فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة وعدد من المؤسسات الدولية. غير أن الولايات المتحدة ومنظومة القوى الكبرى التي تسيطر على مجلس الأمن الدولي، والتي تهيمن على السياسة الدولية، لن تسمح بأي قرارات أو إجراءات تجبر الجانب الإسرائيلي على اتخاذ خطوات يرفضها. كما أوضح التقرير أن الولايات المتحدة فقدت عملياً دورها كراعٍ للتسوية السلمية، خصوصاً بعد قرارها نقل سفارتها للقدس، وإفراغها عملية التسوية من مضمونها.

ومن جهة أخرى، ذكر التقرير أن هناك زيادة ولو بطيئة في العداء أو النظرة السلبية الشعبية العالمية تجاه "إسرائيل" وأن هناك توقعات باتساعها، كما أن ثمة فرصة لتعزيز نجاحات حركات مقاطعة "إسرائيل" BDS على المستوى العالمي، وهو ما يتسبب بتصاعد القلق الإسرائيلي.

ومن الجدير بالذكر، أن المركز سيوفر على موقعه ملخصاً وافياً للتقرير، كما أنه من المنتظر أن يصدر التقرير بحجمه الكامل قريباً.