سقوط إيران حتمية قائمة ..د. سامي محمد الأخرس

السبت 06 يناير 2018 07:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT



 الباحث في التركيبة الهيكلية للنظام الإيراني يدرك إنه أمام نموذج أوحد في العالم الذي يتكون من هيكل سلطات معقدة التركيب تعود بسلطتها الرئيسية إلى ما يطلق عليه ( ولاية الفقيه)، وهي الولاية المطلقة للإمام والمرجعية الدينية والسياسية التي تتمتع بسلطات واسعة (شبه مطلقة) ، ثم تأتي هيئات دستورية تتمتع بسلطات واسعة وكبيرة، ويطلق لها اليد في تحديد صلاحية المرشحين للعملية الإنتخابية الإيرانية وفق هوية النظام العقائدية الدينية، الأقرب للأنظمة الشمولية التي تمارس العمليةى الديمقراطية بشكليتها وليس بجوهرها، وهذا ما أسس له النظام الإيراني بعد ثورة 1979 والذي اتخذ خطًا ثوريًا راديكاليًا من العديد من القضايا الاقليمية والعالمية، وهو ما انعكس على موقفه من بعض القوى وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني، واستطاع من خلال هذا النهج والخط أن يستقطب قطاعات واسعة من الشعوب الإسلامية والعربية حتى اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في العقد الثامن من القرن الماضي، وهي الحرب التي اكتسبت من خلالها الجمهورية الإيرانية خبرات دافعة وقوة عسكرية، وعلمية استطاعت من خلالهما بناء بنى تحتية في العديد من المجالات أهمها المجال العلمي، والمجال العسكري ومواكبة التطور العالمي ممار فرضها قوة اقليمية صاعدة وواعدة، برز دورها في المنطقة عقب سقوط بغداد عام 2003 والتي حققت منها إيران انتصارات كبرى أهمها صعود شيعة العراق إلى رأس الهرم السياسي العراقي، وتحول العراق من عدو إلى صديق وحليف، وكذلك نجاح إيران تأمين حدودها مع أفغانستان وتحييد ضربات القاعدة من مواجهتها بعدما استضافت قيادة الأخيرة بعد غزو أفغانستان واحتلاله أمريكيًا، أي أن ايران استطاعت بسياساتها العامة مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية سواء في العراق أو أفغانستان، وحافظت على ثوريتها وخطها الثوري الذي أطلقته عام 1979، كما ولا زالت تدعم قوى المقاومة في المنطقة وعلى وجه التحديد في لبنان وفلسطين، وتبلور حلف ممانعة قوي ومتماسك كان له الكلمة الفصل في الأزمة السورية، وازداد عنفوان وقوة وصلابة مع دخول روسيا في المواجهة بجانب هذا الحلف، ورغم خروج حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلا أن إيران لم تغامر وتقطع الطريق مع الحركة بل حافظت على التوازن في التعامل مع الحركة، مما يؤكد قدرة إيران على القراءة الإستراتيجية لمستقبل المنطقة، ومستقبل الأحداث ونجاح مراهناتها بعيدة الأفق، وما يؤكد ذلك عودة ححركة حماس للحلف (الممانعة) ولإيران بعد الإنتخابات الداخلية الأخيرة في الحركة، كذلك حفاظ إيران على علاقة متوازنة مع تركيا، وتجنيب العقلية المذهبية في الصراع ونسج العلاقات مع العديد من القوى الإقليمية، عكس الدول العربية على وجه العموم وخاصة(السعودية) التي تأجج الصراع المذهبي في المنطقة، وخلق بؤر توتر مذهبية، ومنح الصراع هوية مذهبية فشلت في تحقيق أي فوائد لها حتى راهن اللحظة، بل وواجهت السعودية والخليج العربي ضربت مشددة من قوى سنية راديكالية مثل القاعدة سابقًا، وارتد الصراع لأعماقها عكس الساحة الإيرانية التي لم تواجه هذا الخطر، وهذا يدلل أن إيران تسير وفق خطط إستراتيجية ممنهجة، تتحرك وفقها وتحقق من خلالها انتصارات سواء على المستوى السياسي أو العسكري، وكذلك الديبلوماسي في كل معاركها التي خاضتها بما فيها معركة البحرين التي تعاملت معها إيران بحنكة ولم تصل بمستوى الصراع إلى صدام عسكري مذهبي بل تاملت مع الأزمة البحرينية بحنكة وعمق مستقبلي وحافظت على حالة اللاسلم اللاحرب في البحرين، تاركة للشعب البحريني حق ممارسة نضاله وفق الشكل الذي يراه مناسبًا، ولم تؤجج الصراع الم1هبي كما فعلت السعودية والخليج في سوريا واليمن، وهو يأتي ضمن حسابات دقيقة ومدروسة بعمق يدلل على أن إيران لديها مشروع استراتيجي تسير وفقه بسياسة المراحل والخطوات المركزة.

دخلت إيران العديد من الأزمات أهمها الأزمة مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب حول ترسانتها النووية، حيث واجهت هذه الأزمة بحلف روسي - صيني شكل حماية لها ولقدراتها التسليحية، وحائط صد أمام محاولات الولايات المتحدة الأمريكية من دولنة الصراع، واستصدار قررات دولية تحد من قوة إيران، وتتدخل في شؤونها الداخلية، كما فعلت بالعراق سابقًا، مما يدلل على أن الحلف الإيراني المبلور مع قوى دولية واقليمية حلف مؤسس على شراكة فعلية واستراتيجية قوية ومتينة، ضمن المصالح المشتركة لهذه القوى، وعليه لم تنجح الولايات المتحدة الأمريكية في عزل إيران عن هذا الحلف، أو زعزعة الإستقرار الإيراني الداخلي سواء بتحريض بعض القوى الليبرالية الإيرانية، أو بعض قوى المعارضة للنظام الإيراني وولاية الفقيه، واستطاعت إيران أن تتحخدى وتواجه هذه المحاولات وتعالجها بقدرة كبيرة على قراءة الأحداث والوقائع، وبعقلانية دولة كبرى.

وبالعودة لصلب هذا المقال فإن الدولة الإيرانية تعتبر من الدول الفتية الصاعدة التي تعتمد على العسكرة في السيطرة على قطاعات الشعب الإيراني ومتناقضات المجتمع الإيراني، يساعدها على ذلك نهجها الثوري الذي لا زالت تنتهجه في خطابها وسلوكها العام، كما إنها تعتبر من الدول النفطية الغنية التي يمكن لها معالجة أي أزمات اقتصادية وعدم الخضوع لإبتزاز الدول الكبرى، والقدرة على معالجة الأزمات اعتمادًا على ثرواتها وصناعاتها، ومقدرتها الداخلية، ورغم خروج الشعب الإيراني قبل أيام بتظاهرات ذات عنوانين الأول: الأزمة الإقتصادية، الثاني: الحريات العامةوهما الملفان الأخطر في مواجهة النظام الإيراني والتهديد الأكثر قوة في مواجهة الصمود الإيراني الحالي، وهذين الملفين لا يمكن قهرهما إن انفجر الشعب الإيراني، وربما التجربة السوفيتية مرشدًا حيًا لا زال ماثلًا في التجربة العالمية، وانهيار الامبراطورية السوفيتية بفعل العامل الاقتصادي واهمالها لهذا الملف معتمدة على التسليح والعسكرة، والنظام الشمولي التقليدي المهمين على مقدرات الدولة ضمن سلطات مطلقة للحزب الأوحد، والشخص الأوحد، وهي نفس الأزمة التي تواجه إيران حاليًا ومستقبليًا فالإشكالية التي تواجهها إيران حاليًا، هي القدرة على إدارة هذين الملفين، واتباع سياسة أصلاح شاملة يلتمس الشعب الإيراني نتائجها سواء على المستوى الإقتصادي أو الحريات العامة، وبما أن هذا الأخير يتعارض مع سلطات وأيديولوجيا النظام الإيراني المرتكز لولاية الفقيه، والسلطات المطلقة للمرجع الديني( الإمام) وبعض هيئات السلطة( كمجلس تشخيص النظام) يتطلب إيجاد صياغات واسترارتيجيات جديدة تمنح الشعب الإيراني بعض حرياته المدنية، كما فعل ولي العهد السعودي محمد بن سليمان الذي أطلق يد بعض الحريات وكبل اليد الدينية، تمهيدًا لفرض سيطرته وهيمنته المستقبلية.

إذن فإيران وإن نجحت في مواجهة التظاهرات الأخيرة إلا أنها تواجه خطرًا متزايدًا في ظل هذه الهجمة والمؤامرة الكبرى التي تقف على رأسها العديد من القوى الإقليمية والدولية، فإنها لن تنجح في السيطرة مستقبلًا على صوت الشعب الإيراني خاصة وأن رقعى المعارضة والإحتجاجات تزداد توسعًا شعبيًا بين كل محاولة وأخرى.

وعليه لابد وأن يخض النظام الإيراني عملية مصالحة مجتمعية شاملة وعامة مع كل قوى الشعب الإيراني وتياراته ، واستيعاب واحتواء هذه القوى في ظل شراكة تامة خاصة بعدما تأكد النظام أن هذه القوى قادرة على قيادة الشارع الإيراني وتأجيج الساحة الإيرانية انطلاقًا من القضايا المطلبية المجتمعية، وأن لهذه القوى من يساندها اقليميًا ودوليًا، ولها أيضًا من يتعاطف معها مجتمعيًا حتى من مؤيدي النظام الإيراني سواء على مستوى الداخل الإيراني أو على مستوى الإقليم، فلا يمكن للنظام النأي بنفسه عن صوت المجتمع الإيراني وإن كان هذا الصوت يشكل أقلية في الوقت الراهن، فإيران إن لم تعيد النظر ببعض القضايا الأساسية فهي ورغم قوتها العسكرية قابلة للزعزعة واسقاط نظامها.