صفقة القرن بين الواقع والإعلان..بقلم: اللواء المتقاعد عيسى أبوعرام

الثلاثاء 19 ديسمبر 2017 10:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
صفقة القرن بين الواقع والإعلان..بقلم: اللواء المتقاعد عيسى أبوعرام



تطوع الاعلام الموجه سواء كان محليا أو إسرائيليا للترويج إلى خطة سلام أمريكية ذات طابع إقليمي، باتت تعرف باسم صفقة القرن، لا أحد من بين الذين إنبروا للحديث والترويج لتلك الصفقة على دراية عن حقيقتها متى؟كيف؟ ولماذا؟

أسئلة مشروعة يطرحها المتابع للشأن الفلسطيني الاسرائيلي دون الحصول على اجابات محددة، وكل ما يتكهن به اصحاب فكرة الترويج ان هدفها الاساس يقوم على تصفية القضية الفلسطينية والقضاء المبرم على الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

وعليه هل صفقة القرن بحاجة الى خطة ومسار سياسي جديد؟ يختلف عن التراكم التفاوضي السابق ،ام هي خطة تم تطبيقها بالفعل بالتراكم التفاوضي وبقي الاعلان عنها من خلال قرار ترامب حول القدس؟

المتابع للمفاوض الفلسطيني طوال ربع قرن من عمر المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية يدرك تماما ان صفقة القرن تم التوافق على عناصرها السياسية من خلال التفريط بالحق الفلسطيني دون اعلان، وبقيت قضية القدس كونها -بيت القصيد- في اتمام الصفقة وجاء اعلان ترامب عنها لتكتمل الصورة وينتهي المشروع ولتوضيح ذلك ينبغي علينا تلمس السلوك الفلسطيني التفاوضي التالي :-

أولا: اقر المفاوض الفلسطيني قبل ارغام الخصم على الموافقة على مبدأ التبادلية بالارض على طاولة المفاوضات، الذي تمسكت به اسرائيل واعتبرته احد المسلمات الفلسطينية وادخلته في مفهوم الامن الاسرائيلي الذي يقوم على مبدأ الحدود الآمنة، والتي بموجبها تستطيع الدولة الدفاع عن ذاتها في مواجهة اي خطر يتهددها، مما دفع المجتمع الدولي بتأييد اسرائيل في هذا المطلب وتم صياغة النتيجة دوليا، (انسحاب اسرائيل الى حدود الرابع من حزيران في حدود معترف بها وآمنة) هذا الامر اعطى اسرائيل الحق في تعريف حدودها الآمنة وهي الاحتفاظ بما نسبته 40% من مساحة الضفة الغربية كاحتياج حيوي وامني لاسرائيل من الدرجة الاولى، وتم توظيفها تفصيلا في الاوراق الإسرائيلية المتعددة التي قدمت على طاولة المفاوضات، منها الاحتفاظ والسيطرة على شوارع طولية وعرضية في الضفة الغربية، الاشراف على ثلاث ممرات صخرية مؤدية للغور والاحتفاظ بنقاط انذار مبكر في جبال الضفة الغربية، شريط من الارض المحاذية لنهر الاردن وادخلت كل ذلك في نظرية الأمن القومي الاسرائيلي إضافة لذلك دفع هذا المبدأ اليمين الاسرائيلي بالمناداة بتبادلية الارض والسكان في منطقة المثلث الفلسطيني.

ثانيا  قدم المفاوض الفلسطيني جملة بالمجان في موضوع الاجئين (حل متفق عليه وفق القرار 194) والجملة آنفة الذكر؛ تتعارض مع نص القرار المذكور ولم يوضح المفاوض الفلسطيني ما المقصود بتلك العبارة، ولم يوضح المكان الذي يمكن لهؤلاء اللاجئين العودة اليه، حيث نشرت صحيفة حياة اللندنية يوم التاسع والعشرون من أكتوبر لعام 2013 (تقريرا أن فريق المفاوضات الفلسطيني قدم لنظيره الاسرائيلي ورقة موقف حول القضايا الجوهرية للصراع وفيها يعرض الوفد الفلسطيني التنازل عن حق العودة للاجئين لفلسطين المحتلة عام 1948 ويحدد عدة خيارات امام اللاجئين الفلسطينين ومن هذه الخيارت العودة الى مناطق السلطة الفلسطينية او الهجرة الى بلد ثالث او البقاء حيث هم او التعويض). ونستدل من هذه الورقة انها جاءت تطبيقا لتفاهمات أبومازن-بيلين سنة 1995 والاشارة الابرز في هذا التنازل جاء في وثيقة جنيف المعروفة التي وقعت عام 2003من شخصيات فلسطينية واسرائيلية نافذة اشتركت في جولات المفاوضات المختلفة.

ثالثا  قدم المفاوض الفلسطيني تطمينات للجانب الاسرائيلي بأن الدولة الفلسطينية المزمع اقامتها ستكون منقوصة السيادة تحت رقابة وقيود في ما يخص فكرة دولة منزوعة السلاح، ورقابة دولية على الحدود والأمن، مع إبقاء كتل الاستيطان الكبيرة.


رابعا: في ما يتعلق بالقدس عاصمة الدولة الفلسطينية، القدس بالوعي الدولي هي مدينة القدس وفق القرار الأممي 181، وكل ما تم تناوله من حوارات واتفاقيات حول القدس ناقشت القدس كمدينة، فيها اماكن مقدسة ولم تتناول القدس قدسين شرقية وغربية، وانما جاءت القدس الشرقية كاختراع في الوعي لفلسطيني وكتعويض عن عدم الاتيان عليها بالتفصيل في اتفاق اوسلو، ومن هذه الاتفاقيات.

أ) القدس في اتفاقية كامب ديفيد عام 1979: استندت الاتفاقية الى قرارات مجلس الامن 242 ولكن لم يرد بالاتفاقية اي اشارة لموضوع القدس وكان موقف الولايات المتحدة داعما للموقف الاسرائيلي الداعي الى تأجيل المفاوضات حول القدس وعدم ادراجها ضمن المناطق الفلسطينية المنوي تطبيق الحكم الذاتي فيها.

ب) القدس في معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية عام 1996 حيث نصت المادة التاسعة من الاتفاقية على ان تحترم اسرائيل الدور الخاص للاردن في الاماكن المقدسة في القدس وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي اسرائيل اولوية كبرى للدور الاردني التاريخي في هذه الاماكن، فلا ذكر لقدس شرقية ولا غربية.

ج) القدس في اتفاقية اوسلو: خلا اتفاق اوسلو من اي نصوص الزامية تلزم الطرف الاسرائيلي حول القدس ولم يتم تحديد ماهية القدس القابلة للتفاوض في محادثات الحل النهائي واعتبر الطرف الفلسطيني من تلقاء نفسه ان المفاوضات ستتم على السيادة على القدس الشرقية بما فيها الحرم الشريف في حين ان اسرائيل تنوي التفاوض على ادارة المقدسات الدينية فقط..

د) القدس في محادثات ابومازن-بيلين سويسرا عام 1995: حيث جاء في المحادثات على فكرة توسيع حدود القدس (القدس الكبرى) ويقام مجلس بلدي اعلى لها الذي سيضم الجزء الشرقي من المدينة بما فيها بلدتي ابو ديس والعيزرية وسيطلق عليها اسم القدس فتكون عاصمة اسرائيل في الجزء الغربي وعاصمة فلسطين في الجزء الشرقي هذا الامر دفع رئيس المجلس التشريعي السابق في بناء مقرا للمجلس التشريعي في ابي ديس.

ه) القدس في مفاوضات كامب ديفيد 2000: حيث اصر الجانب الاسرائيلي حول القدس ان تكون عاصمة موحدة لاسرائيل وعلى نوع من السيادة على المسجد الاقصى ومن بين المقترحات ان تكون السيادة الإسرائيلية على الارض تحت المسجد او بناء المعبد اليهودي على اعمدة عالية فوق المسجد. 
و) القدس في سقطة تاريخية وقعت بها اللجنة المركزية لحركة فتح ،حيث قالت في احدى بياناتها (ان أساس الوضع في القدس يستند الى تقرير عصبة الامم المتحدة عام 1930) الذي اعتبر حائط البراق هو الحائط الغربي للهيكل(حائط المبكى) .

ز) البيانات العلنية من قبل الادارة الامريكية منذ اكثر من ثلاث سنوات تقريبا باتت تعرف الاماكن المقدسة بلفظين حائط المبكى/الحرم الشريف دون اي تصويب للخطاب الامريكي بالاعلام الرسمي الفلسطيني او حديث الساسة عنه.

 وبناء على ما ذكر فإن صفقة القرن مطبقة من خلال مسار سياسي وتفاوضي متراكم منذ اكثر من ربع قرن، وقرار ترامب جاء اعلانا لهذا التطبيق ولم يأتي بأي صفقة جديدة .
شكرا لترامب الذي اعادنا الى رشدنا من جديد واكتشفنا ان امريكا منحازة كليا للكيان الاسرائيلي وكأنها لم تكن يوما كيانا وظيفيا للامبريالية الامريكية، وشكرا لاسرائيل التي تغض النظر عن صورة مدينة القدس في بيوتنا وفي مكاتبنا