توافق الحراك السياسي مع الحراك الجماهيري في المواجهة..صادق الشافعي

السبت 16 ديسمبر 2017 12:07 م / بتوقيت القدس +2GMT



شكل الرهان على محدودية الرد على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتعبيراته وأشكاله المختلفة إن لجهة المستوى والمحدودية والتعبير أو لجهة المدة الزمنية، أهم رهانات الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال الأساسية.
شمل هذا الرهان الرد الجماهيري الفلسطيني والعربي والدولي، وشمل الرد والموقف السياسي للقيادة الفلسطينية، كما شمل الرد الإقليمي والإسلامي والدولي بشكل عام.
جوهر الرهان قام على أساس الاطمئنان ان الرد سيبقى في حدود ردة الفعل وحدود الهبة العاطفية قصيرة المدى ومحدودة الفعل والتأثير، بما يمكن من التعامل معها والسيطرة عليها، ومن ثم تجاوزها، والمضي في تنفيذ القرار.
ساعد في توفير الاطمئنان الذي قام عليه الرهان مقدمات ومؤشرات، بعضها حقيقي، قرئت بأكثر مما تحتمل وأعطيت من الوزن والأهمية اكثر مما تستحق.
مقتل الرهان انه جاء بنسبة 100% استجابة لطلبات دولة الاحتلال ورغباتها الاحتلالية العنصرية وسياساتها الاستيطانية ورضوخا لضغوطها وضغوط اللوبي المؤيد لها واسع التغلغل والنفوذ في شرايين الإدارة الأميركية.
وانه قام على جهل بعمق وتجذر القدس في مكنونات الروح والوجدان الوطني والديني( اسلامي ومسيحي) للفلسطينيين، وفي وجدان وفكر ومعتقدات وتطلعات وقيم وموروث كل العرب والمسلمين بالعالم.
وانه قام ايضا، على سوء تقدير وجهل تام لوعي الشعب الفلسطيني وتجربته ومعاناته مع الاحتلال. وقدرته بالتالي، على رؤية ما وراء القرار المشين وما يستتبعه من مآس لا حدود لها على القدس وتركيبها الديمغرافي ودورها التعبدي ومقدساتها وطابعها العربي، وعلى اتساع الاستيطان بمعدل ومدى غير مسبوق في القدس نفسها وحولها وفي عموم الضفة، وعلى النضال الفلسطيني وأهدافه الوطنية والتاريخية، وعلى الاحتلال واستمراره وتكرسه و... و..
وان الرهان والقرار قاما أيضا، على تناقض يصل حد العداء مع المجتمع الدولي وهيئاته ومؤسساته ومعظم دوله وقراراته، ومع الشرعية الدولية بشكل عام.
كل ما تقدم وغيره يقدم التفسير لحملة الرفض والاستنكار والإدانة والمجابهة لقرار الرئيس ترامب المشؤوم بدءا من فلسطين وكل أهلها، امتداداً الى الجماهير العربية وتنظيماتها وهيئاتها، والى المجتمع الدولي بجماهيره وهيئاته، وصولاً الى المؤسسات الدولية بدءا بمجلس الأمن وجلسته التي ظهرت فيها الولايات المتحدة قرعاء بلا أي عضو نصير او مساند ولا حتى محايد، والى مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في استانبول، وقراراته الواضحة ضد قرار ترامب.
هذا لا يلغي وجود ملاحظات هنا او هناك على بعض المواقف لجهة المبدأ، او على درجة وضوح الموقف وتناسبه مع الحدث، او لجهة المستوى والتعبير الذي خرج به.
الموقف الفلسطيني بالذات، يشهد بشكل عام، درجة ملحوظة من التوافق بين الرسمي السياسي وبين النضالي الجماهيري وبشكل أعلى من مرات سابقة.
كان في أساس تحقق التوافق: الحركة الجماهيرية العارمة بكل تلاوينها المدنية والمتصدية للقرار والمدافعة عن القدس تملأ كل ساحات وشوارع الوطن بكل عنفوان، وبشكل متواصل ومصمم على هزيمة القرار المشؤوم.
وفي أساسها أيضا، مواقف القيادة السياسية المتناغمة معها. بالذات لجهة الرفض القاطع لقرار الرئيس ترامب، ولجهة الإعلان عن عدم أهلية الولايات المتحدة لرعاية اي عملية سياسية لانحيازها  لدولة الاحتلال وبالتالي رفض الانخراط فيها، ولجهة رفض استقبال مبعوث ترامب، ولجهة قرارها التوجه الى المجتمع الدولي والشرعية الدولية بكل هيئاتها وبالذات مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية.
تحقق التوافق بهذا الشكل، لا يلغي كل حديث او رأي او مطالبة مخلصة ومجردة عن الهوى حول مطالب وأشياء كثيرة لم تنجز وأشياء اكثر يجب ان تنجز، في المقدمة منها إنهاء الانقسام وتحقيق المصالح ووحدة القرار الوطني والتوحد الوطني البرنامجي الشامل.
حملة الرفض والإدانة والمجابهة لقرار ترامب إضافة الى حال التوافق الفلسطيني الملحوظ، كما تمت الإشارة لهما، يوفران أساساً قوياً يمكن تطويره والبناء عليه باتجاه الاستمرارية حتى إسقاط القرار المشؤوم وباتجاه مواقف وتعبيرات اكثر زخما وتنظيما بالنسبة للجماهير وقواها، واكثر ملموسية وفاعلية وأعلى درجة وتأثيرا بالنسبة للدول، وتوفر لفلسطين بالذات، أساسا للارتفاع بعلاقاتها مع الجماهير العربية وقواها وتنظيماتها المتنوعة. وأيضا، لرفع سقف مطالباتها بمواقف اكثر وضوحا وتأثيرا من الدول المترددة، او من  تلك المفترض أصلاً، ان تكون مواقفها أعلى من الحاصل.
وتوفر للفلسطينيين قدرة أعلى لمواجهة اي ضغوط او إغراءات قد يتعرضون لها لتليين مواقفهم بدعاوى العقلانية والواقعية والمرونة الساسية.
وتوفر لهم قبل ذلك، أساساً قوياً لترتيب أوضاعهم الذاتية إن لجهة  وحدة وتناغم النظام السياسي ومؤسساته وأدواته وبرنامجه، وإن لجهة حركة الجماهير في فعالياتها النضالية المباركة باتجاه المزيد من وحدتها وتنظيمها ودعمها وتطويرها نحو انتفاضة عارمة على كل ارض الوطن وامتدادا الى كل التجمعات الفلسطينية.
المعركة ضد قرار الرئيس ترامب هي معركة أساسية وحساسة في مسار النضال الوطني المتواصل بكل أشكاله المقاومة والسياسية ضد الاحتلال ولانتزاع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.
وهي معركة طويلة ولا تزال في بداياتها، ومن السذاجة التصور ان الإدارة الأميركية ودولة الاحتلال سيتراجعان او انهم لن يخرجا كل ما في جعبتهما من العنف والقسوة من جهة، ومن الحيل والمناورات من جهة أُخرى. يشهد على ذلك إعلان نتنياهو بـ لا لإعادة تقسيم القدس وأنها عاصمتهم الأبدية ولن يتم فك أي مستوطنة، وعنف أجهزة امن دولة الاحتلال في تصديها لحركة الجماهير وفاعلياتها. كما يشهد عليه الحيل والمناورات التي بدأت الإدارة الأميركية الترويج لها، خصوصاً إذا بقيت بعض المواقف في حدود الأسف والاستنكار المؤدبين.