اغتيال الانتفاضة الشعبية بواسطة العمل المسلح ..حمادة فراعنة

الجمعة 15 ديسمبر 2017 03:21 م / بتوقيت القدس +2GMT



أكثر من قائد فلسطيني أقر بأن الانتفاضة الشعبية التي فجرها قرار ترامب يوم 6/12/2017، هناك من يعمل على تخريبها وإحباط فعالياتها ووقوفها، والعمل على إسقاط أسلوبها وخيارها، ومن يعمل على ذلك، ويخطط للتآمر عليها، بوعي وبشكل منظم ومدروس طرفان هما: 
الأول هو العدو الإسرائيلي الذي يقف عاجزاً فاشلاً في إحباط حركة شعب بأكمله باسل شجاع يرفض الاحتلال ويعمل على كنسه عن أرض وطنه فلسطين وهزيمته. 
الاحتلال وأجهزته وقواته معتمدين على تجربتهم في الانتفاضة الشعبية غير المسلحة الأولى عام 1987 وهزيمتهم أمامها بعد أن جمعت شعباً بأكمله، من كافة شرائحه وطبقاته ومكوناته، استفاد الاحتلال وأجهزته من حصيلة هذه التجربة ومرارتها وعزلتهم بسببها أمام المجتمع الدولي المتحضر، فيعملون استخبارياً على إحباط تكرارها حالياً. 
وهم يعملون من خلال تسريب السلاح بواسطة تجار سلاح إسرائيليين وبيعه للفلسطينيين بشكل مدروس ومتقن ليسهل مراقبته ومتابعته، ومن ثم الانقضاض على من يستعمله، والهدف من ذلك هو عسكرة الانتفاضة وتحويلها إلى ظاهرة مسلحة محدودة الكلفة، محدودة المشاركة، ومقتصرة على عناصر قادرة على شراء السلاح، وقادرة على استعماله وهي عناصر محدودة العدد، وفعلها يؤدي إلى تعطيل شرائح الشعب، وقدراته الخلاقة، وأدواته المدنية المتنوعة، لمواجهة الاحتلال بكثافة بشرية يصعب لجمها. 
أما العامل الثاني المحبط للانتفاضة، والذي يعمل وفق توجيهات أجهزة الاحتلال الأمنية الاستخبارية على وأدها وتشليحها أدوات تفوقها على الاحتلال فهم شريحة العملاء والجواسيس، الذين يمكنهم إطلاق النار أو افتعال أحداث مسلحة، تقدم الذريعة والغطاء لقوات الاحتلال كي ترد بقوة النيران المتفوقة وتجعل من الصدام المسلح هو عنوان المواجهة، حيث يؤدي ذلك إلى دفع جماهير الشعب المنتقضة للتراجع أو الاختباء في مناطق آمنة لتحاشي النيران والقصف. 
وثمة عامل إضافي آخر قد يكون مؤذياً وهو يتصرف باندفاع وتهور وإخلاص وهم فصائل جهادية، تنتمي للتطرف الإسلامي كما "القاعدة" و"داعش" لا تؤمن بالعمل الشعبي والكفاح المدني، وينظرون للانتفاضة الشعبية وأهدافها وقياداتها السياسية باحتقار. 
وحصيلة ذلك على القيادات الفلسطينية المجربة والتي دفعت أثمان تضحياتها ورفاقها من "فتح" و"حماس" و"الجهاد" و"الشعبية" و"الديمقراطية" وغيرهم أن يدرسوا ويستخلصوا العبر والنتائج من أفعالهم الكفاحية، طوال عشرات السنين من مواجهاتهم مع الاحتلال، نزولاً وتواضعاً لاحترام شعبهم وتضحياته، وحتى يكون لفعلهم وتضحياتهم نتائج عملية ملموسة، تجعل من الاحتلال مكلفاً سياسياً ومعنوياً إسرائيلياً ودولياً واستثمار تفوق العدو العسكري كي يتحول إلى سلاح ضده بدلاً من أن يكون سلاحاً لصالحه. 
تفوق العدو العسكري والتكنولوجي والاستخباري لا يهزمه إلا قدرات شعب بأكمله رافض للاحتلال وقادر على مواجهته وتقديم التضحيات أمامه، وهذا لا يكون ولا يتم إلا بالانتفاضة الجماهيرية الشعبية غير المسلحة التي تزج كل الشعب في المعركة الوطنية ضد الاحتلال، لا أن تكون محدودة مقتصرة على من يستطيع الحصول على السلاح، وعلى من يستطيع استعماله وهم أفراد أو عشرات وحتى ولو كانوا مئات، يتقلص فعلهم وتأثيرهم مهما امتلكوا من البطولة وتكرار الفعل، يتقلص فعلهم أمام مشاركة شعب بأكمله في أتون المواجهة ضد الاحتلال وأجهزته وأدواته، وتزداد قوته وتنظيمه حينما تقوده وتتفانى من أجله قياداته المجربة من "حماس" و"فتح" و"الجهاد" و"الشعبية" و"الديمقراطية" والشيوعيين والقوميين، وحينها سيكون لعمله وانتفاضته نتيجة، ونتيجة موثوقة بالتقدم واختزال عوامل الزمن وصولاً نحو الانتصار وهزيمة العدو.  
لننظر ونتذكر انتفاضة الحرم القدسي الشريف يوم 14 تموز 2017 وحتى 28 منه حينما استطاع المقدسيون هزيمة حكومة نتنياهو وإرغامها على فكفكة البوابات الإلكترونية والكاميرات الذكية بفعل تماسكهم ووحدة إرادتهم واعتصامهم من كافة الشرائح الشعبية البسيطة من المسلمين والمسيحيين، ومن التجار والطلبة وعامة الناس، ومن المثقفين والعامة، ومن الرجال والنساء، وهي تجربة يتباهى بها كل فلسطيني ويحترم نتائجها كل عربي وكل مسلم وكل مسيحي، وكل أصدقاء الشعب الفلسطيني، من كافة التيارات السياسية الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية والدينية. 
هذا هو المطلوب، فعل شعبي كثيف تقوده قيادة وطنية موحدة من مختلف الفصائل والفعاليات، وكل من له صلة برفض الاحتلال وأفعاله، فهل يدرك قادة الشعب الفلسطيني أهمية الأدوات الكفاحية التي لا تقل أهمية عن دوافع العمل الكفاحي، فقد فجر ترامب الدوافع الكامنة لدى الشعب الفلسطيني في رفض الاحتلال والنضال ضده، فحرية فلسطين وفي طليعتها القدس عاصمتها وقلبها وروحها، تستحق هذا الفعل الذي فجره ترامب والذي انطبق عليه "رب ضارة نافعة" ولكن يبقى استعمال الأدوات الكفاحية مهمة ضرورية، وفق البرنامج السياسي المشترك لكل الذين يعملون من أجل حرية فلسطين واستقلالها بعد زوال الاحتلال واجتثاث آثاره عن الوطن، كل الوطن. 
h.faraneh@yahoo.com

* كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.