2018 عام إقامة الدولة الفلسطينية ..اللواء محمد إبراهيم

الجمعة 15 ديسمبر 2017 03:18 م / بتوقيت القدس +2GMT
2018 عام إقامة الدولة الفلسطينية ..اللواء محمد إبراهيم



ارتباطاً بالقرار الخاطئ الذى اتخذه الرئيس الأمريكى فى السادس من ديسمبر الحالي، بالاعتراف رسمياً بأن القدس هى عاصمة لإسرائيل والموافقة على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أرى بداية أن نقف عند نقطتين رئيسيتين؛ الأولى وهى ضرورة ألا تؤثر ردود الأفعال الفلسطينية والعربية التى أعقبت القرار على خطة تحركنا خلال المرحلة المقبلة، بل من المفترض أن تخدمها، والنقطة الثانية هى أهمية أن تكون تحركاتنا مبنية على رؤية مدروسة وخطوات محسوبة ومنسقة عربياً ودولياً.

أحاول فى هذا المقال إجراء تقييم سريع لمواقف الأطراف وصولاً لبلورة مقترحات وبدائل للحركة السياسية أمام كل طرف إذا ما أردنا أن نستثمر القرار الأمريكى المجحف ونحول المعادلة لصالحنا.
 
أولاً: الموقف الأمريكى
> >  أرى أن القرار الأمريكى كان ظاهرة كاشفة لخمسة جوانب رئيسية كانت إما مجهولة لدينا، أو لم يكن الوقت مناسبا لكشفها وهى كما يلى : 
> >  الجانب الأول أننا نتعامل مع إدارة أمريكية مختلفة تماماً عن الإدارات الجمهورية السابقة، حيث إن هذه الإدارة تعاملت مع أهم قضية عربية محورية بقدر كبير من التعنت وعدم الاكتراث بالموقف العربى.
> >  الجانب الثانى أن هذه الإدارة ذات خبرة محدودة فى ملف عملية السلام ولم تدرس أو تستفد من مواقف الإدارات السابقة بل تعمدت أن تسير عكس توجهاتها، ومن ثم كان هذا القرار الخاطئ، ولا نستبعد أن تكون هناك قرارات خاطئة أخرى.
> >  الجانب الثالث أن هذه الإدارة أظهرت تطابقاً فى رؤاها بالنسبة لعملية السلام مع الموقف الإسرائيلى، خصوصا فى مسألة شديدة الحساسية عربياً وإسلامياً مثل القدس.
> >  الجانب الرابع أن هذه الإدارة انزلقت إلى مصاف الوسيط المتحيز ولم تعد تعبأ بدور الشريك الكامل الذى قامت به طوال عقود سابقة. هذا الدور، الذى أتاح لها إنجاز معاهدة السلام الإسرائيلية مع مصر عام 1979 ومع الأردن عام 1994 وإتفاقات أوسلو عام 1993 وما تلاها من مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية استمرت حتى منتصف عام 2014.
> >  الجانب الخامس أن إدارة ترامب تعاملت مع قضية الإرهاب من منظورها هى فقط، ولم تستمتع إلى القادة العرب، وهم يؤكدون لها أن القضاء على الإرهاب يتطلب إقامة دولة فلسطينية مستقلة بجوار دولة إسرائيل، تنفيذاً لمبدأ حل الدولتين الذى تبنته الإدارات الأمريكية السابقة ثم جاءت هذه الإدارة لتسقطه بكل لا مبالاة.
> >  لا يمكن لى أن أتفهم محاولات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية لتخفيف وطأة قرار ترامب من خلال التلويح بأن وضعية القدس سوف يتم حسمها فى المفاوضات أو غيرها من التفسيرات التى لم تعد لها مصداقية، ولعل أخطر ما تضمنه القرار ليس نقل السفارة فى حد ذاته ولكن الأخطر هو تبنى واشنطن نفس مفهوم الحكومة الإسرائيلية بأن القدس هى عاصمة لإسرائيل، وبما يعنى أنها القدس الموحدة، حتى وإن حرص المسئولون الأمريكيون إظهار غير ذلك، ولذا فقد سارع نيتانياهو بالتأكيد على أن أية مفاوضات قادمة يجب أن تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل.
> >  السؤال هنا كيف يمكن للإدارة الأمريكية أن تخرج من المأزق الذى أوجدته بنفسها، وهنا أرى أن واشنطن إذا ما أرادت أن تعود إلى قيادة عملية السلام فعليها أن تتخذ أى من البدائل التالية: 
> >  البديل الأول أن تتراجع عن هذا القرار المجحف حتى يتم إعادة تصحيح البوصلة الأمريكية فى عملية السلام.
> >  البديل الثانى أن تعلن بوضوح تأييدها الكامل لحل الدولتين والذى يعنى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على حدود 67 وأن يتم ذلك من خلال المفاوضات.
> >  البديل الثالث وهو تقديم الإدارة الأمريكية رؤية سياسية متكاملة ومقبولة عربياً لحل القضية الفلسطينية تتضمن تحديداً لجميع قضايا الوضع النهائى والالتزام بأن يتم حسم هذه القضايا من خلال المفاوضات فقط ودون أية شروط أو مواقف مسبقة.
 
ثانياً : الجانب الفلسطينى
> > من المؤكد أن القرار الأمريكى كان صادماً للسلطة الفلسطينية التى تتبنى التوجه السلمى وتمثل نموذجاً للاعتدال، وكانت تنتظر من الإدارة الأمريكية إعلان موعد بدء التفاوض وليس إغلاق ملف المفاوضات.
> > رغم قناعتى الكاملة بأن إقامة الدولة الفلسطينية هى مسئولية عربية ودولية وليست فلسطينية فقط، فإن وقف المفاوضات مع إسرائيل لفترة تعدت الثلاث سنوات أتاح لتل أبيب التحرك بحرية لتسويق مواقفها مع إدارة أمريكية حديثة العهد بالملف الفلسطينى ودفعها لاتخاذ هذا القرار فى ظل جمود عملية السلام، وكم كنت آمل أن يكون النموذج المصرى التفاوضى الناجح حاضراً، حيث لم تسمح مصر بتوقف مفاوضاتها مع إسرائيل رغم العقبات التى واجهتنا حتى حصلنا على أرضنا كاملة.
> > هناك مسارات للحركة مطروحة أمام الجانب الفلسطينى فى المرحلة المقبلة أهمها ما يلى:
> > مزيد من التنسيق مع الموقفين العربى والدولى من أجل الحفاظ على قوة الدفع التى صاحبت قرار ترامب، بما فى ذلك اللجوء إلى المنظمات الدولية لإصدار جميع القرارات الممكنة التى تخدم الموقف الفلسطينى، أو تدين الموقف الأمريكى أو تكشف الموقف الإسرائيلى.
> > إنهاء حقيقى للانقسام وتنفيذ جميع بنود المصالحة الفلسطينية فى أسرع وقت وبكل جدية ومصداقية.
> > استمرار المقاومة السلمية المرشدة بكافة صورها لفترة طويلة قادمة، والوصول إلى خطة شاملة فى هذا المجال يتم تنفيذها داخل الأراضى الفلسطينية، وفى جميع دول العالم الصديقة التى توجد فيها الجاليات الفلسطينية وفى إطار القانون الذى يحكم هذه الدول.
> > لا مانع من تجميد الاتصالات مع المسئولين الأمريكيين لفترة محددة، مع النظر فى استمرار هذا الموقف من عدمه بعد فترة ليست طويلة، حتى لا يعطى ذلك التوجه أية تفسيرات خاطئة بأن السلطة الفلسطينية أسقطت عملية السلام.
> > الحرص على ألا تتجه الأمور إلى أن تقوم إسرائيل بعمليات عسكرية موسعة على قطاع غزة تستثمرها لصالحها.
 
ثالثاً: الجانب العربى
> > لا شك أن الموقف العربى الحالى كان أهم أسباب حسابات الإدارة الأمريكية وهى تتخذ هذا القرار، وهذا هو الدرس الرئيسى الذى يجب ألا يغيب عن أذهاننا، فسوف تظل إسرائيل الحليف الرئيسى للولايات المتحدة، حتى لو تعارض ذلك مع المصالح العربية الحيوية، مع قناعتى بأهمية الحفاظ على العلاقات العربية الأمريكية على المستوى الإستراتيجى، إذن المطلوب من الجانب العربى وبالطبع الدول الرئيسية ما يلى:
> > إغلاق أى مجال أمام إسرائيل حتى لا تنفذ هدفها الذى تسعى إليه بقوة بأن يسبق التطبيع مع الدول العربية أى حل للقضية الفلسطينية.
> > الطرح الفورى للمبادرة العربية للسلام مصحوبة بآليات التنفيذ وتسويقها دولياً، حتى لا نقع فى نفس خطأ ترك الساحة خالية أمام إسرائيل منفردة للتحرك وتسويق مواقفها المتطرفة، فيكفى خمسة عشر عاماً بعد طرح هذه المبادرة، ونحن نتعامل معها بعدم جدية، وإلا فما الفائدة من بقائها مجمدة وحبيسة الأدراج.
> > الرفض الجماعى لأية تسوية أو صفقة سياسية تطرحها واشنطن قد تنتقص من الثوابت الفلسطينية المعروفة، خصوصا قضيتى القدس واللاجئين.
> > مواصلة التحرك الحالى لتجميع أكبر موقف رافض للقرار الأمريكى بالإضافة إلى دعم الموقف الفلسطينى فى جميع المحافل أخذاً فى الاعتبار أن هذه القرارات هى وسيلة فقط وليست هدفاً نهائياً.
> > إزالة القيود أمام المواطنين الراغبين فى زيارة القدس، التى يسير فيها قطار التهويد الإسرائيلى بأسرع مما نتصور.
> > تفعيل عمل لجنة القدس التى تترأسها المغرب بصورة مغايرة لطبيعة عملها الحالى، بالإضافة إلى ضرورة التوجيه الأفضل للدعم المادى الذى تقرره القمم العربية مشكورة لدعم صمود سكان القدس.
 
رابعاً : الجانب الإسرائيلى
> > رغم أن القرار الذى تم اتخاذه كان قراراً أمريكياً وليس إسرائيلياً، فإن هذا القرار ارتبط بضغوط مارستها، ويعد نقطة تحول لصالحها فى أية تسوية مقبلة، ويتمشى مع مفهومها بشأن القدس التى تعتبرها عاصمتها الأبدية، وتؤكد على أن أية مفاوضات يجب أن تعترف بالقدس الموحدة عاصمة لها.
> > أدى هذا القرار إلى تزايد أوراق القوة التفاوضية التى تمتلكها إسرائيل، ومن ثم يجب إستخدام جميع الوسائل المتاحة حتى تصل إلى إسرائيل القناعات الثلاث التالية:
> > القناعة الأولى أن الدول العربية لن تقدم على اتخاذ أى قرار فى مجال تطبيع العلاقات مع إٍسرائيل إلا إذا وافقت على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية من خلال المفاوضات.
> > القناعة الثانية، أن الموقف العربى لا يزال يمتلك أدوات التأثير لتغيير المعادلة السياسية الحالية، سواء من خلال امتلاكه سلاح المقاومة السلمية أو مبادرة سلام أجمع العرب عليها، وهم قادرون على تسويقها وفرضها إذا ما أحسنوا التحرك.
> > أن الأمن الإسرائيلى لن يتحقق إلا إذا حصل الفلسطينيون على حقهم فى إقامة دولتهم المستقلة.
 
خامساً: المجتمع الدولى
> > لاشك أن قرار ترامب حول القدس يمثل رسالة أمريكية واضحة للمجتمع الدولى كله سواء الاتحاد الأوروبى أو روسيا أو المنظمات الدولية بأنها لا تعير مواقفهم أى اهتمام، مادام الأمر يتعلق بمصلحة إسرائيل ومن ثم يجب على المجتمع الدولى بكل مكوناته أن يتجه إلى تقديم الدعم الكامل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة طبقاً لمبدأ حل الدولتين وأن يتم ترجمة ذلك فى كافة تحركاتهم السياسية أو فى قرارات المنظمات الدولية وعلى رأسها دعم التوجه نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية.
 
 الخلاصة
> > بالرغم من خطورة قرار الرئيس الأمريكى، إلا أنه يحمل فى طياته رسالة إيجابية للموقفين العربى والفلسطينى مفادها أنه لا يمكن لنا التعامل مع القضية الفلسطينية بنفس شكل ومضمون التعامل الحالى الذى لن يؤدى إلى أية نتائج، ومن ثم يجب بلورة موقف عربى ودولى مؤسس على رؤية واضحة نمتلكها بالفعل منذ سنوات تقودنا نحو خوض معركة سياسية شديدة الشراسة تبدأ من الآن، وهنا أقترح أن يتم هذا التحرك تحت عنوان أن عام 2018 لا بد أن يكون عام إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية،وثقتى فى الله عز وجل لا حدود لها، كما أن ثقتى كبيرة فى قدرة القيادة السياسية المصرية على أن تتبنى وتقود هذا التحرك المصيرى، وفى رأيى أن القمة التى عقدت فى القاهرة فى الحادى عشر من ديسمبر الحالى بين الرئيس عبد الفتاح السيسى والرئيس أبو مازن سوف تكون نقطة الانطلاق نحو تحقيق هذا الهدف.