قرار القدس: هل يخدم ترامب مصالح إسرائيل وأميركا؟!أشرف العجرمي

الأربعاء 13 ديسمبر 2017 12:01 م / بتوقيت القدس +2GMT
قرار القدس: هل يخدم ترامب مصالح إسرائيل وأميركا؟!أشرف العجرمي



منذ أن قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالإعلان عن اعتراف الولايات المتحدة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل وقراره بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، توالت ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية الرافضة والمنددة بهذا القرار، وجميعها أكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الولايات المتحدة تقف على طرف نقيض من العالم أجمع ولا يشاركها في موقفها سوى إسرائيل التي هي ليست في أفضل أحوالها على المستوى الدولي. 
الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن: روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا أجمعت على رفض القرار. ففرنسا على لسان رئيسها ايمانويل ماكرون قالت إن "قرار ترامب الأحادي مؤسف وفرنسا لا تؤيده لأنه يتناقض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة". 
وبريطانيا رفضت القرار وصرحت رئيسة وزرائها تيريزا ماي بأن "وضع القدس يجب أن يتحدد في إطار التسوية بين الطرفين". 
والصين أكدت أن وضع القدس مسألة "معقدة وحساسة"، يجب أن تحل بالحوار، وفي هذا الصدد قال الناطق باسم الخارجية الصينية إن "الصين تدعم بحزم عملية السلام في الشرق الأوسط، وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة حول وضع القدس، و"دولة فلسطين المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية التي تتمتع بالسيادة الكاملة".
أما روسيا فقد عبر الرئيس بوتين عن قلقه الشديد حيال قرار ترامب، وقالت الرئاسة الروسية إن "هذا النوع من الإجراءات يمكن أن يقوض فرص عملية السلام في الشرق الأوسط"، وإن روسيا ملتزمة "بالتوصل إلى حل عادل وقابل للاستمرار للأزمة في الشرق الأوسط يقوم أساساً على القرارات ذات الصلة الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته". 
الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس رفض الإجراءات الأحادية الجانب التي تعرض للخطر احتمالات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في إشارة لقرار ترامب، وقال إن "القدس قضية وضع نهائي ينبغي حلها من خلال المفاوضات المباشرة". 
وممثلة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني رفضت هي الأخرى قرار ترامب ووصفته بالمثير للقلق الشديد والذي "يمكن أن يعيدنا إلى أوقات أكثر ظلمة من التي نعيشها الآن".
والصادم للولايات المتحدة ولإسرائيل هو الموقف الذي عبرت عنه الدول الحليفة والداعمة للموقف الإسرائيلي، فكندا عبرت عن مخالفتها للقرار الأميركي وقال وزير خارجيتها إن "قضية القدس يمكن حلها فقط كجزء من التسوية العامة للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي".
وألمانيا بلسان المستشارة أنجيلا ميركل قالت: "إن حكومتها لا تدعم قرار ترامب، ووضع القدس لا يمكن التفاوض بشأنه إلا في إطار حل الدولتين".
ووصف وزير خارجيتها سيغمار غابرييل القرار الأميركي بأنه "يؤدي إلى تصعيد جديد في النزاع" ويمكن أن "يصب الزيت على النار" و"يتجاهل المصالح الفلسطينية"، بالإضافة إلى أنه تحول بمقدار 180 درجة في السياسة الأميركية. 
وهولندا رفضت وقال وزير خارجيتها إن "الحل الوحيد هو خطة حل الدولتين التي تنص على أن القدس مدينة يتقاسمها الفلسطينيون والإسرائيليون". 
وحتى المجر صرحت بأنها لا تفكر في نقل سفارتها إلى القدس، وربما جمهورية التشيك التي كان موقفها شاذاً عندما قالت إنها ستدرس نقل سفارتها إلى القدس بالتشاور مع شركائها، ثم عادت وتراجعت عن هذا الموقف.
والمواقف الفلسطينية والعربية والإسلامية والإفريقية ومواقف قسم من دول أميركية اللاتينية فهي كانت قاطعة وحادة وواضحة تجاه رفض القرار الأميركي. 
وهذا يعني أن أميركا ترامب وحيدة مع إسرائيل في موقف لا تحسد عليه، يظهر إلى أي مدى تؤدي السياسة الرعناء الغبية التي تتجاهل المعادلات الدولية والتي بنيت على غطرسة وعدم فهم وإدراك طبيعة الصراع وجذوره وحساسية مركباته وفي مقدمتها مسألة القدس تؤدي بأصحابها إلى نتيجة لم يكونوا يحلمون بها.
فإذا كان ترامب يرغب حقاً في خدمة إسرائيل بهذه "اللفتة الكريمة" التي يقدم فيها ما لا يملك، فقد حقق نتيجة عكسية تماماً، فهو أكد بشكل واضح أن الولايات المتحدة حليفة إسرائيل لم يعد بمقدورها خدمة حليفتها لأنها فقدت دورها كوسيط موضوعي أو نزيه ولو بصورة نسبية، وبالتالي لا تصلح لرعاية العملية السياسية، وأضفت شكوكاً عميقة على مشروعها للتسوية إذا كانت هذه بدايته. 
والشيء الآخر الذي لا يقل أهمية أن قرار ترامب أعاد قضية الصراع والتسوية إلى مركز الاهتمام الدولي من جديد كأولوية تستحق المعالجة الفورية ولكن ليس على الطريقة الأميركية، وأعاد كذلك مسألة القدس وتأكيد الحدود بين شرقها وغربها إلى الواجهة كموضوع مركزي يتطلب الحل وهذا يرتبط بالإجراءات الإسرائيلية غير القانونية وأحادية الجانب من استيطان وتهويد، وهذا ما سمعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في زيارته الحالية لأوروبا.
لقد حصلت القضية الفلسطينية على زخم كبير كرد فعل على غباء ترامب وتهوره واستهتاره بمشاعر ومصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، والمطلوب هو استثمار هذا الزخم لإعادة صياغة أسس العملية السياسية بالتأكيد على مرجعياتها الدولية التي أكدتها دول العالم قاطبة، وإطار هذه العملية الذي لا يمكن أن يبقى محصوراً في الرعاية والوساطة الأميركيتين. 
هناك حاجة ملحة لإدخال العامل الدولي الذي يخلق التوازن المطلوب للتسوية، وهذا يطرح الآن دور مجلس الأمن الدولي كراعٍ للعملية وربما صيغ على غرار تسوية الملف النووي الإيراني خمسة زائد واحد أو إثنين أو ثلاثة... إلخ. 
فالولايات المتحدة ليست طرفاً محايداً أو نزيهاً أو يتحلى بأي قدر من الموضوعية، ويجب أن يتوقف دورها عند هذا الحد، إلا إذا غيرت سياستها بصورة كاملة وجوهرية وهذا على ما يبدو مستبعد في ظل إدارة ترامب.