طرح قرار الرئيس ترامب بإعتبار القدس عاصمة لإسرائيل , ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس , جدلا واسعا لدى الفلسطينيين , و إرتباكا لدى القريبين من صناعة القرار , وفي مثل هذه اللحظات , عادة ما تستفيق الشعوب , عندما تكتشف أن مساراتها السياسية ومستقبلها , كان على رهان خاطئ , وفي المسألة الفلسطينية يكون الرهان الخاطئ أشد تأثيرا وهولا , لتعقيدات القضية الفلسطينية .
هناك العديد من الدلائل تؤشر إلى أن الفلسطينيون , يمرون بمرحلة نضالية جديدة لها سمات و محددات واضحة , أولى هذه المتغيرات ماحدث للعالم العربي من حروب الحسابات و المصالح , إلى حروب التطرف و الإرهاب بمسحة مذهبية , تراجعت القضية الفلسطينية , بحيث لم تعد قضية العرب المركزية , لأنه غاب الصراع العربي الإسرائيلي , وصولا إلى الإنغلاق القطري على الهمومه الداخلية , طرا تغيرا هاما على وظيفة السلطة الفلسطينية , من ان تكون جسرا للعبور و التحول إلى دولة إلى مجرد مؤسسات ضعيفة وبنيتين أمنيتين في الضفة الغربية و قطاع غزة , وكان الإنقسام الفلسطيني الذي فتت المؤسسات الفلسطينية و خدش التمثيل السياسي للفلسطينيين , و كان له تأثرا كبيرا على مستقبل القضية الفلسطينية ,
التحولات في بنية إسرائيل , نحو دولة تمثل إمبريالية صغرى في المنطقة , إلى جانب التحول نحو التطرف و اليمين على صعيد الأحزاب و السكان , إلا جانب محاولات بعض العرب لإستخدام إسرائيل و توظيفها في خدمة المواجهة مع إيران .
إنشغال العالم بالحرب على الإرهاب ومحاولات إسرائيل المستمرة جر الفلسطينيين إلى هذا المربع و لكنها فشلت , وبقيت القضية الفلسطينية رغم خفوت وهجها في العالم إلاَ أنها أثبتت بعد قرار الرئيس ترامب بأنها أم القضايا , برز ذلك في مشهد مجلس الأمن الدولي الذي إنعقد فور صدور القرار , وفي كلمات أعضاء مجلس الأمن الدولي بإستثناء أمريكا , شاهدنا مدى عدالة القضية الفلسطينية , أصدقاء و حلفاء أمريكا و إسرائيل يعترضون بقوة على قرار نقل السفارة , في إشارة لموقف بريطانيا وكندا و إستراليا .
بدون أدنى شك أن الزخم الذي شهدناه في جلسة مجلس الامن الدولي , يعد تحولا هاما ينبغي إستثماره في عدة قضايا , أهمها إعادة طرح عضوية فلسطين في مجلس الأمن و التحول إلى العضوية الكاملة , إلى جانب تفعيل النشاط الفلسطيني في رفع قضايا في محكمة الجنايات الدولية , ومنها الممارسات الإسرائيلية ضد المدينة المقدسة , تغيير المعالم و الإستيطان , وهدم البيوت .......... إلخ
وقبل ذلك ضرورة إحداث عملية مراجعة لمسيرة التسوية طيلة الخمس و العشرين سنه الماضية , فالراعي الأمريكي تحول إلى ناقل رسالات و إشتراطات إسرائيلية , في الوقت الذي تدمر فيه جرافات العدو الإسرائلي حل الدولتين , و خاصة ما يحدث لمدينة القدس العاصمة السياسية للشعب الفلسطيني .
و التفكير الجدي بنقل الملف كاملة إلى الأمم المتحدة , و خروج من عبائة الرعاية الأمريكية , و التعاطف الحالي الذي نشهده مع القضية الفلسطينية , يجب أن يتبعه إعتراف أوروبا بالدولة الفلسطينية , وهذه قضية تحتاج إلى جهد فلسطيني متواصل .
على وقع المظاهرات التي حدثت في فلسطين و العالم العربي و الدولي , عقد مجلس الجامعة العربية إجتماعا طارئا , وتمايزت كلمات الدول بحسب بعدها أو قربها من حسابات السياسة و المصالح مع الإدارة الأمريكية , ولكن بالمجل خاب ظن الفلسطينيين , حيث كانوا يتوقعون الخروج بقرارات أقوى , على الأقل بالتلويح بقطع العلاقات مع الإدارة الأمريكية , بحسب قرار الجامعة العربية بداية الثمانينيات , بأن أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل , يتخذ قرارا عربيا بمقاطعتها و إقفال سفارتها إن وجدت , في هذه المرحلة إن لم تقفل السفارة الأمريكية " على الأقل التلويح بالقرار " , حتى تشعر الإدارة الأمريكية أنها تخسر حلفائها بالمنطقة , وتفكر بالتراجع عن القرار , ولكن صدور هذه القرارات بهذا الشكل من قبل مجلس الجامعة , لن يغير شيئا , و التظاهرات و الفعل النضالي في فلسطين جميعها من أراضي 48 إلى القطاع لاتكفي , فالعدو الإسرائيل و الإدارة الأمريكية يستطيعون التعايش مع ذلك , إذا بدون إتخاذ قرارات واضحة أقلها , التهديد بمس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العريبة , وقطع العلاقات الدوبلوماسية بدونها لن يحدث شئ فرد الفعل هذا كان بحسابات أمريكا , ولكن قبل مطالبة الإدارة الأمريكية بقطع العلاقات يجب قطع العلاقات تماما و إغلاق السفارات و الممثليات الإقتصادية لإسرائيل في العالم العربي و محاربة التطبيع و تجريمه .
إن بقاء ردت الفعل العربية بهذا الشكل قد يدفع بعض الدول في التفكير في نقل سفارتها إلى مدينة القدس بإعتبارها عاصمة لإسرائيل , و أيضا رد الفعل الفلسطيني يجب أن يكون أشد من ذلك , أولا بإنهاء الإنقسام البغيض و إستعادة الحياة الديمقراطية وو حدة مؤسساتنا الفلسطينية , و التوافق على فعل سياسي كبير و متواصل في كل الأراضي الفلسطينية و في كل العالم العربي و الدولي , وقبل ذلك ضرورة إسناد المناضلون و الثائرون الفلسطينيون في كل الميادين , بموقف سياسي صلب يخرجنا من حالة التيه الذي نعيشه , ويؤسس لمرحلة نضالية جديدة معالمها و محددها شعار الحرية و الإستقلال .
كاتب مقيم في فلسطين