القدس في حسابات السياسة و المصالح ..محمد حجازي

الإثنين 11 ديسمبر 2017 09:25 م / بتوقيت القدس +2GMT
القدس في حسابات السياسة و المصالح ..محمد حجازي



طرح قرار الرئيس ترامب  بإعتبار القدس عاصمة لإسرائيل  , ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس , جدلا واسعا لدى الفلسطينيين  , و إرتباكا لدى القريبين من صناعة القرار , وفي مثل هذه اللحظات , عادة ما تستفيق الشعوب , عندما تكتشف أن مساراتها  السياسية  ومستقبلها , كان على رهان خاطئ  ,   وفي المسألة الفلسطينية يكون الرهان الخاطئ أشد تأثيرا  وهولا , لتعقيدات القضية الفلسطينية  .   

هناك العديد من الدلائل تؤشر إلى أن الفلسطينيون , يمرون بمرحلة  نضالية جديدة  لها سمات و محددات واضحة , أولى هذه المتغيرات ماحدث للعالم العربي من حروب الحسابات و المصالح , إلى حروب التطرف و الإرهاب بمسحة مذهبية ,  تراجعت القضية الفلسطينية  , بحيث لم تعد قضية العرب المركزية , لأنه غاب الصراع العربي الإسرائيلي , وصولا إلى  الإنغلاق القطري على الهمومه الداخلية , طرا تغيرا هاما على وظيفة السلطة الفلسطينية  , من ان تكون جسرا للعبور و التحول إلى دولة إلى مجرد مؤسسات ضعيفة وبنيتين أمنيتين في الضفة الغربية و قطاع غزة , وكان الإنقسام الفلسطيني الذي فتت المؤسسات الفلسطينية  و خدش التمثيل السياسي للفلسطينيين  ,  و كان له تأثرا كبيرا على مستقبل القضية الفلسطينية  ,

التحولات في بنية إسرائيل  , نحو دولة تمثل إمبريالية صغرى في المنطقة , إلى جانب التحول نحو التطرف و اليمين على صعيد الأحزاب و السكان  ,   إلا جانب محاولات بعض العرب لإستخدام إسرائيل و توظيفها في خدمة المواجهة مع إيران  .

إنشغال العالم بالحرب على الإرهاب ومحاولات إسرائيل المستمرة جر الفلسطينيين إلى هذا المربع  و لكنها فشلت , وبقيت القضية الفلسطينية رغم خفوت وهجها في العالم  إلاَ أنها أثبتت بعد قرار الرئيس ترامب بأنها  أم القضايا , برز ذلك في مشهد مجلس الأمن الدولي الذي إنعقد فور صدور القرار , وفي كلمات أعضاء مجلس الأمن الدولي بإستثناء أمريكا , شاهدنا مدى عدالة القضية الفلسطينية , أصدقاء و حلفاء أمريكا و إسرائيل يعترضون بقوة على قرار نقل السفارة , في إشارة لموقف بريطانيا وكندا و إستراليا  . 

بدون أدنى شك أن الزخم الذي شهدناه في جلسة مجلس الامن الدولي  , يعد تحولا هاما  ينبغي إستثماره في عدة قضايا ,  أهمها إعادة طرح عضوية فلسطين في مجلس الأمن و التحول إلى العضوية الكاملة , إلى جانب تفعيل  النشاط الفلسطيني  في رفع قضايا في محكمة الجنايات الدولية , ومنها الممارسات الإسرائيلية ضد المدينة المقدسة  , تغيير المعالم  و الإستيطان  , وهدم البيوت  ..........  إلخ  

وقبل ذلك ضرورة إحداث عملية مراجعة لمسيرة التسوية طيلة  الخمس و العشرين  سنه الماضية , فالراعي الأمريكي  تحول إلى ناقل رسالات و إشتراطات إسرائيلية  , في الوقت الذي تدمر فيه  جرافات العدو الإسرائلي  حل الدولتين , و خاصة ما يحدث لمدينة القدس العاصمة السياسية للشعب الفلسطيني  .

و التفكير الجدي بنقل الملف كاملة إلى الأمم المتحدة , و خروج من عبائة  الرعاية الأمريكية  , و التعاطف الحالي الذي نشهده مع القضية الفلسطينية , يجب أن يتبعه إعتراف أوروبا بالدولة الفلسطينية , وهذه قضية تحتاج إلى جهد فلسطيني  متواصل .

على وقع المظاهرات التي حدثت في فلسطين و العالم العربي و الدولي , عقد مجلس الجامعة العربية إجتماعا طارئا , وتمايزت كلمات الدول بحسب بعدها أو قربها من حسابات السياسة و المصالح مع الإدارة الأمريكية  , ولكن بالمجل خاب ظن الفلسطينيين , حيث كانوا يتوقعون الخروج بقرارات أقوى , على الأقل بالتلويح بقطع العلاقات مع الإدارة الأمريكية , بحسب قرار الجامعة العربية  بداية الثمانينيات , بأن  أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل , يتخذ قرارا عربيا بمقاطعتها  و إقفال سفارتها إن وجدت ,  في هذه المرحلة إن لم تقفل السفارة الأمريكية  " على الأقل التلويح  بالقرار  "  , حتى تشعر الإدارة الأمريكية أنها تخسر حلفائها بالمنطقة  , وتفكر بالتراجع عن القرار , ولكن صدور هذه القرارات بهذا الشكل من قبل مجلس الجامعة  , لن يغير شيئا , و التظاهرات و الفعل النضالي  في فلسطين جميعها من أراضي 48 إلى القطاع لاتكفي , فالعدو الإسرائيل و الإدارة الأمريكية يستطيعون التعايش مع ذلك , إذا بدون إتخاذ قرارات واضحة أقلها ,  التهديد بمس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العريبة , وقطع العلاقات الدوبلوماسية  بدونها  لن يحدث  شئ   فرد الفعل هذا كان بحسابات أمريكا   , ولكن قبل مطالبة الإدارة الأمريكية بقطع العلاقات يجب قطع العلاقات تماما و إغلاق السفارات و الممثليات الإقتصادية لإسرائيل في العالم العربي و محاربة التطبيع و تجريمه   .

إن بقاء ردت الفعل العربية بهذا الشكل قد يدفع بعض الدول في التفكير في نقل سفارتها إلى مدينة القدس بإعتبارها  عاصمة  لإسرائيل , و أيضا رد الفعل الفلسطيني يجب أن يكون أشد من ذلك , أولا  بإنهاء الإنقسام البغيض و إستعادة الحياة الديمقراطية وو حدة مؤسساتنا الفلسطينية , و التوافق على فعل سياسي كبير و متواصل في كل الأراضي الفلسطينية و في كل العالم العربي و الدولي  , وقبل ذلك ضرورة إسناد المناضلون و الثائرون الفلسطينيون في كل الميادين , بموقف سياسي صلب يخرجنا  من حالة التيه الذي نعيشه  , ويؤسس لمرحلة نضالية جديدة معالمها و محددها شعار الحرية و الإستقلال .

كاتب مقيم في فلسطين