ترامب: الرئيس الأرعن الذي أهاننا جميعاً .. مفاز احمد يوسف

السبت 09 ديسمبر 2017 11:20 ص / بتوقيت القدس +2GMT
ترامب: الرئيس الأرعن الذي أهاننا جميعاً .. مفاز احمد يوسف



لم أكن أشعر بالخجل من جنسيتي الأمريكية بالقدر الذي أنا عليه اليوم.. لقد كنت أفاخر بأن أمريكا هي من تتعهد عملية السلام، وأنها بالرغم من انحيازها لإسرائيل إلا أنها تعمل على إيجاد تسوية تنهي الصراع وتؤسس لقيام دولة فلسطينية مستقلة.

كنت كغيري من المسلمين حول العالم مستمعة للقرار الذي أعلنه الرئيس ترامب برعونة وحماقة لم يسبقه عليها أحد، حيث إن هذا القرار ليس فقط مخالفاً للقوانين والشرائع الدولية واتفاق أوسلو الذي تمَّ توقيعه في واشنطن في العام 1993، بل أيضاً متجاهلاً لتاريخ مدينة القدس ومكانتها الدينية لدى أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين، ومثلهم من المسيحيين كذلك!!

نعم؛ أنا أمريكية، ولكنني أيضاً فلسطينية، وأشعر وسط عائلتي المسلمة في الهند بأن هذا الرئيس الأمريكي أهاننا جميعاً،

وتصرف بحماقة سيدفع ثمنها كل مواطن أمريكي تجمعه بالمسلمين أو العرب علاقات إنسانية أو تجارية أو حتى ثقافية.

عندما وقعت أحداث سبتمبر المأساوية عام 2001 كنت طفلة في الحادية عشر من عمري، ولم أكن أفهم – آنذاك - مغزى السؤال الذي كان يطرحه الأمريكيون على أنفسهم: لماذا يكرهوننا؟ أي المسلمون!! واليوم بعد أن كبرت وتعلمت، وتخصصت في دراستي العليا بعلم السياسة وحلِّ النزاعات، أدركت لماذا كل هذه الكراهية والعداء في العالمين العربي والإسلامي لأمريكا؛ إنها السياسات الغبية للإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أكثر من ستة عقود، حيث ظلت أمريكا منذ الرئيس هاري ترومان إلى الرئيس الحالي دونالد ترامب تنحاز في مواقفها لإسرائيل على حساب الحق الفلسطيني، وتحمي انتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، حتى جرائم الحرب التي ارتكبتها هذه الدولة المارقة وجدت لها تبريرات أمريكية!!

اليوم كأمريكية أشعر بأن هذا الرئيس المتغطرس لا يمثلني، ولا يمثل منظومة القيم التي تعلمناها في دستور الولايات المتحدة

الأمريكية، كما أنه خان المبادئ التي صاغها الرئيس أبرهام لنكونن، والتي تنبذ التفرقة والسياسات العنصرية، وكذلك ما نادى به وودرو ولسون في العشرينيات حول حق الشعوب في تقرير مصيرها.

لقد كان تمجيد ترامب لإسرائيل وامتداح ديمقراطيتها مستفزاً لنا نحن الأمريكيين، حيث إن إسرائيل ليست أكثر من دولة احتلال تمارس سياسة الأبارتهايد على الفلسطينيين، وتتعدى على مقدساتهم، فكيف يكون هذا التغني بها كأعظم ديمقراطية في المنطقة؟!!

إنني ومن خلال معرفتي بالعالم العربي، أكاد أجزم بأن الرئيس ترامب ما كان له أن يتخذ مثل هذا القرار الجائر والمستهتر لولا أن دولاً عربية تواطأت معه، وكانت الشواهد على ذلك ما خرج به مؤتمر الرياض في أكتوبر الماضي من توجيه الاتهام لحركات المقاومة الفلسطينية بالتطرف والإرهاب!!

إن إدارة الرئيس ترامب تتحكم بها اليوم شخصيات سياسية محسوبة على تيار المحافظين الجدد، وهو تيار معادي لكل ما هو عربي وإسلامي، وهؤلاء - للأسف - يفتقر الكثير منهم

للحكمة، وتحركهم أجندات صهيونية مرتبطة بمجموعات الضغط اليهودية، التي تضع مصلحة إسرائيل في الصدارة، بغض النظر عن تأثير ذلك سلباً على علاقات أمريكا بدول المنطقة.

من الجدير ذكره، أن صانعو السياسة في أمريكا وصلوا إلى قناعة بأن الشارع العربي وحتى الإسلامي لم يعد أكثر من "ظاهرة صوتية"، ولا يشكلون خطراً على مصالحه الاستراتيجية في المنطقة.. إن الأيام القادمة ستؤكد تلك المقولة أو تدحضها، إن الشارع الهندي والذي عبر عن استنكاره لموقف الإدارة الأمريكية، وندد بالقرار الذي اتخذه الرئيس ترامب لما فيه من مخاطر على تغيير الحالة القانونية والدينية للمدينة المقدسة، والتي قد تعطل من فرص تحقيق تسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتذهب بالصراع بعيداً إلى مواجهات ذات طبيعة دينية، حذر منها السيد عارف علي؛ نائب رئيس الجماعة الإسلامية في الهند، والذي أعرب عن قلقه ومخاوفه من مغبة تلك الخطوة وحذر من عواقبها لحساسيتها الدينية التي تمس بمشاعر 106 مليار من مسلمي العالم.

لا شك أن الحكومة الهندية والتي تعرف ثقل مسلمي الهند الذي يتجاوز الـ250 مليوناً، قد أعربت وبشكل واضح وصريح بأن سياسات بلادها لا تمليها مواقف أي طرف ثالث، وذلك في إشارة إلى أن قرار الرئيس ترامب غير ملزم لها.

وفي رسالة قوية وجهها د. بدر خان سوري؛ أستاذ العلوم السياسية في العاصمة الهندية دلهي، إلى الفلسطينيين وشعوب العالم العربي، قائلاً: إننا كمسلمين سنظل معنوياً إلى جانبكم؛ نقف بقلوبنا وأرواحنا معكم دفاعاً عن القدس، ولكن عليكم أيها العرب أن تتوحدوا وتجمعوا صفوفكم، والقيام بثورة لمواجهة هؤلاء الزعماء الفاسدين في بلدانكم، والذين خذلتكم مواقفهم، ووفروا الذرائع لترامب لاتخاذ مثل هذا القرار الطائش.

سأقف مع أهلي من المسلمين في الهند أمام السفارة الأمريكية في دلهي، وسأعبر عن تنديدي بها القرار الجائر بحق عروس عروبتنا وأقصانا الذي نفديه بالمهج والأرواح؟ وسنشجب ما وسعنا الشجب، وإني على قناعة ويقين بأن هذه الملايين من المسلمين في آسيا؛ سيكون لانتفاضتها قيمة واعتبار يوم تقف ضد هذه المظالم الأمريكية بحق مسرى نبيهم، وتقول لهم:

كفى!! وتتبع كلمتها بمقاطعة كل ما هو أمريكي؛ اقتصادياً وثقافياً وسياسياً.

ختاماً.. أقول للرئيس ترامب كأمريكية من أصل فلسطيني لقد خنت الأمانة، ولم تحفظ لأمريكا مكانتها التي كانت فيها قبلة للمضطهدين والباحثين عن الأمن والأمان، لقد أحلت تمثال الحرية بقرارك وموقفتك مع الظالم والدولة المارقة إلى رمزٍ للسخرية والاستهزاء.

أكرر.. أنا كأمريكية أقول لك: أنت أيها الرئيس لا تمثلني، ولا تمثل ما تربيت عليه من سلوك وقيم، وأنت مسبَّة وعار على كل المبادئ والمنظومة القيمية التي بشر السابقون من جيل الآباء المؤسسين.