الفلسطينيون ومطرقة الظلم الأمريكي...د. أحمد يوسف

الخميس 07 ديسمبر 2017 10:12 ص / بتوقيت القدس +2GMT
الفلسطينيون ومطرقة الظلم الأمريكي...د. أحمد يوسف



لماذا كل هذا الانحياز لإسرائيل؟! 

إن قرار الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية للقدس يعني نهاية مشوار عمره قرابة السبعين عاماً من التواطؤ والانحياز الأمريكي لهذا الكيان الصهيوني، ويرسل صفعة قوية لكل رؤساء المنطقة بأن القدس لم تعد عروس عروبتكم!! 

ماذا نقول نحن الفلسطينيين لكل من خذلنا وباع قضيتنا من ملوك ورؤساء العرب أكثر مما أفصح به الشاعر العراقي مظفر النواب منذ أكثر من ثلاثة عقود، حين أنشد: "أولاد القحبة لستم عرباً"، وعقَّب قائلاً: لا أستثني أحداً!!  

أمريكا من ترومان إلى ترامب: بداية الحكاية ونهايتها 

تعودنا كفلسطينيين وعرب أنه كلما تمَّ انتخاب رئيس أمريكي جديد، سواء أكان من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، تمنينا أن يكون هناك تغيير في سياسات واشنطن تجاه مشكلات المنطقة وصراعاتها المزمنة، وأن نشاهد سلوكاً أمريكياً مغايراً لكل ما سبق من مواقف منحازة وداعمة بشكل مطلق لإسرائيل، وسلبية تجاه طموحات الفلسطينيين وحقهم في أن يكون لهم وطن قومي كباقي شعوب العالم، والتي نالت حريتها واستقلالها بعد الحرب العالمية الأولى؛ أي منذ أن دعمت أمريكا والرئيس وودرو ويلسون حق الشعوب في تقرير المصير خلال عشرينيات القرن الماضي، بكل ما يعنيه ذلك الحق حتى في ممارسة الكفاح المسلح للوصول إلى نيل الحرية والاستقلال. 

ومع تقسيم العالم العربي بين بريطانيا وفرنسا بعد الانتصار في الحرب العالمية الأولى، خضعت أرض فلسطين للانتداب البريطاني، الذي عمل على تسهيل هجرة اليهود إلى البلاد، وسعى من خلال مخططات ممنهجة للتمكين لهم على حساب أهل البلاد الأصليين من الفلسطينيين، عبر ما أصدره من قرارات كان أخطرها "وعد بلفور" في الثاني من نوفمبر 1917، والذي أسس لقيام دولة إسرائيل في مايو 1948، ووفر زخماً سياسياً ودينياً لقيادات الحركة الصهيونية في الغرب، وخاصة في أمريكا، لإقناع الرئيس هاري ترومان بإعطاء القضية أهمية من خلال سياساته المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط. 

نجح نشطاء الصهاينة في الولايات المتحدة الأمريكية بتحريك مراكز القوة والتأثير في واشنطن لكسب تعاطف الرئيس ترومان وأركان إدارته، بهدف تسويق مشروع دولة يهودية على أرض فلسطين. 

كانت قناعات الرئيس ترومان هي في اتجاه إقامة دولة ثنائية القومية؛ تضم اليهود والعرب من الفلسطينيين، إلا أن التحركات التي قام بها الصهاينة في بريطانيا وأمريكا، والتهديد باستخدام ورقة الأصوات اليهودية في الانتخابات الأمريكية، واعتبارات دينية أخرى قد جعلت الرئيس ترومان يميل لفكرة التقسيم والقرار 181، ودعم هجرة الآلاف من يهود العالم إلى أرض فلسطين، وتقديم التسهيلات لنجاح ذلك، وتقييد مواقف الدول العربية التي تبين أن بعضها – للأسف - كان جزءاً من حالة التآمر، التي أُحكمت حلقاتها للتمكين لليهود بإقامة دولة لهم، من خلال إفراغ الأرض من أهلها، بفرض القوانين الجائرة والضغوطات عليهم لدفعهم للهجرة خارج البلاد. اضطر 70% من الشعب الفلسطيني للرحيل من مدنهم وقراهم عام 1948؛ أي قرابة 750 ألف من مواطني البلاد الأصليين، ليصبحوا لاجئين داخل وخارج أرض فلسطين التاريخية. 

الانحياز الأمريكي لإسرائيل: بداية المظلومية الفلسطينية 

ربما كانت الإدارات التي تعاقبت بعد رحيل ترومان لها مواقف متباينة بعض الشيء تجاه قضيتنا الفلسطينية، إلا أن محصلتها - وهنا بيت القصيد - كانت تأتي بانحياز أمريكي دائم لصالح إسرائيل. نعم؛ حاول الرئيس أيزنهاور أن يراعي مشاعر الدول العربية التي كانت تدور في الفلك الأمريكي، وأن يتخذ سياسات متوازنة، وبعضها كان صارماً في مطالبة إسرائيل بالانسحاب من سيناء وقطاع غزة بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، إلا أن ذلك الموقف لم نشهد له مشابهات بعد ذلك.  

من جهته، حاول الرئيس جون كنيدي أن يجعل هو الآخر العلاقة مع إسرائيل والعرب متوازنة، ولكن الصراعات العربية - العربية جعلت الأمر غامضاً أمامه، بالرغم من محاولاته لجعل العلاقات مع إسرائيل داخل حدود وضوابط، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعاً في التقرب للعرب، حيث واصل الرئيس ليندون جونسون - الذي استهلكته حرب فيتنام - اعتماد سياسة كنيدي في ترتيب الروابط مع إسرائيل، وفي نفس الوقت كان يحاول أيضا تعزيز العلاقات مع العرب.. كان الرئيس جونسون كسابقيه من الرؤساء صديقاً لإسرائيل، ولم يكن في إدارته من يتخذ موقفاً معادياً لها. 

ربما كان الرئيس أيزنهاور استثناءً، حيث كانت نظرته للشرق الأوسط متأثرة بشدة بفكرة الحاجة لمواجهة الاتحاد السوفياتي، والرغبة في صنع حلفاء في المنطقة كجزء من سياسة مضادة للسوفيات، وهؤلاء الحلفاء - من وجهة نظر إدارته - كانوا هم العرب فقط، وليس الإسرائيليين.. إلا أن فشل أيزنهاور في إبعاد الاتحاد السوفياتي عن المنطقة، أدى إلى إضعاف نفوذ أمريكا وتقليص عدد أصدقائها في المنطقة. وهذا ما أظهر ضعف موقف المنادين بالضغط على إسرائيل، لتستمر سياسات الانحياز كما كانت عليه مع من سبق من الرؤساء.   

تطور العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: من التعاطف إلى التحالف  

مع الانتصار الكبير والسريع الذي حققته إسرائيل في ضربتها الخاطفة عام 1967 لثلاث جيوش عربية؛ مصر وسوريا والأردن، تحول التعاطف مع هذا الكيان والنظر إليه؛ باعتباره عبء على السياسة الأمريكية إلى حليف ودولة وظيفية تحقق لأمريكا متطلبات القوة والسطوة التي تحتاجها لوقف المد الشيوعي في المنطقة.. لذلك، لم تفعل أمريكا الكثير للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي التي احتلتها عام 67، بل قامت باستخدام حق النقض (الفيتو) لتعطيل الكثير من القرارات الأممية المتعلقة بهذا الشأن.  

يشير السياسي والأكاديمي د. وليام كوانت في كتابه (علمية السلام: الدبلوماسية الأمريكية والنزاع العربي - الإسرائيلي)، بالقول: لقد انغمس جميع رؤساء أمريكا، منذ الحرب العالمية الثانية، في الدبلوماسية المعقدة المحيطة بالصراع الإسرائيلي. إذ نافس النزاع العربي الإسرائيلي الموقع الأول في برنامج السياسة الخارجية الأمريكية منذ حرب الأيام الستة عام 1967.. وقد كانت الولايات المتحدة تُدعى المرة بعد الأخرى للوساطة، نظراً لوقوع كل طرف في مواقع لا يقبل بها الطرف الآخر، وكانت للنظرة والدور القيادي للرئاسة الأمريكية شأن حاسم في تشكيل السياسة الأمريكية وتطبيقها في الشرق الأوسط. 

كان جيمي كارتر هو الرئيس الأمريكي الأبرز الذي تحرك بقوة لإيجاد تسوية سلمية للصراع في المنطقة، حيث تمكن في السبعينيات من اقناع الطرفين المصري والإسرائيلي بتوقيع اتفاق سلام في كامب ديفيد عام 1979، وكان يطمح أن ينعكس هذا الاتفاق إيجابياً على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ويشجعهما على التوصل لتسوية سلمية مشابهة، إلا أن ردود الفعل السلبية في العالم العربي تجاه الاتفاق أحبطت أي تقدم في هذا الاتجاه، حيث تمَّ النظر لما أنجزه السادات -آنذاك -  بأنه بيع وتفريط بالقضية الفلسطينية، وتخلي عن الحقوق والمواقف العربية تجاه إسرائيل.. يشير "دينس روس"؛ المنسق السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط، في كتابه (العلاقات الأمريكية الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما)، قائلاً: "إن علاقة جيمي كارتر بإسرائيل كانت هي الأكثر مفارقة، حيث لم تلتزم إدارةٌ بعملية السلام كما التزم كارتر، ولم تقدم إدارة لإسرائيل أكثر مما قدمته إدارة كارتر بعد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. ومع ذلك، لا توجد إدارة انتقدت إسرائيل في السر والعلن كما فعلت إدارة كارتر، فجيمي كارتر كان يعتبر إسرائيل مصدر إزعاج مستمر".            

في الواقع، إن مواقف الرئيس جيمي كارتر إذا تتبعناها منذ ذلك الحين وحتى الآن، فإننا سنجد أن هناك مسحة دينية لا تغيب عن مواقفه وسياساته تجاه الصراع في المنطقة، حيث أعلن في خطاب له أمام الكنيست عام 1979 بأن العلاقة بين أمريكا وإسرائيل هي علاقة دينية في الأساس، وكان مما قاله كذلك: إن علاقة أمريكا بإسرائيل هي أكثر من علاقة خاصة، حيث كانت ولا تزال هي علاقة فريدة، ولا يمكن تقويضها؛ لأنها متأصَّلة في وجدان وأخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الأمريكي.. وهذا لا يختلف كثيراً عما كان يقوله رونالد ريجان ويبشر به أثناء حملته الانتخابية، وهو أن إسرائيل ليست أمة فقط، بل هي رمز، وأننا في دفاعنا عن حق إسرائيل في الوجود، فإنما ندافع عن ذات القيم التي بُنيت على أساسها أمتنا!! 

أتذكر في أكثر من لقاء جمعنا مع الرئيس السابق جيمي كارتر في غزة والقاهرة، وذلك بعد تشكيل الحكومة العاشرة عام 2006، بأن الرجل كان يبذل الكثير من الجهد من أجل فتح الأبواب أمام حركة حماس وحكومتها، وكان يسعى لإقناع الإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي بالتواصل معها، كونها فازت بالانتخابات، وأن الحكومة التي شكلتها إنما تعبر عن حالة الإجماع الوطني في الشارع الفلسطيني.  

من الجدير ذكره، أن المفهوم الأمريكي لإسرائيل ومكانتها المتميزة في الأجندة الأمريكية على مستوى الإدارات المتعاقبة لم يتغير – للأسف - كثيراً، بل كان يتجذر ويأخذ مسارات تستفز شعوب الأمتين العربية والإسلامية وتثير غضبها، وإن كانت المواقف الرسمية المتخاذلة لا تعكس بأي حال الارتفاع في منسوب مشاعر العداء الكراهية المتعاظمة لأمريكا في المنطقة. 

كان الرئيس جورج بوش (الأب) يبدو مختلفاً في عاطفته كثيراً عن الرئيس ريجان فيما يتعلق بإسرائيل، حيث لم يكن يراها علاقة خاصة أو فريدة، إلا أنه لم يتهرب من الالتزام تجاه أمنها، بل أكد حرصه على ذلك في أول لقاء جمعه بعد توليه الرئاسة برئيس الوزراء الإسرائيلي – آنذاك – إذ أخبره بأن "الالتزام الأميركي تجاه إسرائيل لا يمكن أن يهتز"!! 

وقد لخصَّ دينس روس في كتابه السابق عقلية إدارة بوش وعلاقتها بإسرائيل بأن "جوهرها كان جيداً، ولكن المظهر الخارجي كان متشدداً"، حيث إنها كانت على استعداد للاختلاف في العلن، ولكنها تعمل لصالح الدولة العبرية في الخفاء!! كان هذا المزيج من الجوهر والمظهر هو ما يسمح للإدارة بالوفاء بالتزاماتها تجاه إسرائيل، والاحتفاظ في نفس الوقت بعلاقات جيدة مع دول المنطقة العربية. 

كلنتون والبحث عن فرصة سلام!! 

جاء الرئيس بيل كلينتون بعد أن ترسخت أميركا كقوة عظمى متفردة، وتلاقت إرادة صنع السلام ما بين الإدارة الأميركية وحكومة إسحق رابين، فالأولى أحست أن الوقت قد حان، والثانية خافت من ضياع فرصة فرض أوضاع جديدة في الإقليم بالسلام وبعيداً عن الحرب. وبحسب رواية دينس روس التي أوردها في كتابه، فإن كلينتون تعلم من أخطاء سياسة بوش (الأب) في الضغط ظاهرياً على إسرائيل بخصوص المستوطنات، إذ لم يكن كلينتون يرتاح أبداً لفكرة الضغط على الحليف الاستراتيجي في المنطقة. 

إن اتفاقية أوسلو التي تمت برعاية واحتضان أمريكي في عهد الرئيس بيل كلنتون، والتي جرى التوقيع عليها في العاصمة الأمريكية في أغسطس 1993، كان ينتظر أن تفضي إلى قيام دولة فلسطينية كما جاء في الاتفاق، إلا أن ذلك لم يتحقق، وانتهت الاتفاقية عملياً إلى ترتيبات أمنية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل بدون ضمانات لوقف الاستيطان أو مؤشرات بقرب تحقيق حلم الدولة الفلسطينية، حيث ضرب نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة عرض الحائط بكل ما جرى التوقيع عليه من اتفاقات مع الجانب الفلسطيني.. ن تفضي أن لا شك أن اتفاق أوسلو وبغض النظر عن حجم الإجحاف الذي لحق بنا، إلا أنه من وجهة النظر الأمريكية يحسب كإنجاز للرئيس كلنتون، إضافة لاتفاق وادي عربة عام 1994 بين الأردن وإسرائيل. 

 إن الرئيس بيل كلنتون كان يطمح - كما الرئيس جيمي كارتر - أن يتحقق قيام الدولة الفلسطينية في عهده، إلا أنه – للأسف - خذل الفلسطينيين، ولم يمارس أية ضغوطات حقيقية على إسرائيل للإيفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاق، لذلك لم تقم الدولة الفلسطينية ولم تنجح المفاوضات، وظلت أمريكا في المشهد السياسي الدولي تشكل مظلة الحماية لكل ما تقوم به إسرائيل (الدولة المارقة) من تجاوزات وانتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. 

باختصار، وبحسب ما أورده د. نصير عاروري؛ المفكر والأكاديمي الأمريكي من أصل فلسطيني، في كتابه (أمريكا الخصم والحكم)، فإن "الولايات المتحدة في احتكارها وتفردها بالمسألة الفلسطينية كانت مشغولة بإعاقة عملية السلام والدور الدولي في رعاية التسوية السياسية للنزاع العربي الإسرائيلي أكثر من أي شيء آخر.. فقد أجهضت الولايات المتحدة كل مسعى دولي للتسوية، كما أنها حمت إسرائيل من الرقابة والمحاسبة الدولية، وبذلك سمحت لها أن تكرس احتلال الأراضي الفلسطينية والعربية". 

إن ما خلص له د. عاروري هو نفس الرأي الذي تحدث به الكثير من المفكرين والسياسيين المتابعين لتطورات مشهد الصراع في المنطقة، ففي المحاضرة التي ألقاها الأخضر الإبراهيمي؛ المنسق الخاص السابق للأمم المتحدة في المعهد الملكي البريطاني للعلاقات الدولية "تشاتام هاوس"، بتاريخ 30 أكتوبر 2017 أكد كل ما ذهب إليه د. عاروري، فهو يرى بأن الولايات المتحدة تحتكر الملف الفلسطيني منذ عقدين من الزمان، ولن يتحقق أي حلٍّ عادل للفلسطينيين ما دام الأمر كذلك؛ لأن القوانين المتعلقة بفلسطين في الكونغرس تمر جميعها عبر حلفاء اللوبي الصهيوني في واشنطن!! 

إسرائيل والدخول على خط الحرب على الإرهاب!! 

لم يكن للسياسة الخارجية حظ كبير في حملة بوش (الابن) الانتخابية، ولم يكن شغوفاً بالانغماس في عمليات السلام، لكن أحداث سبتمبر 2001 المأساوية، والتي هزَّت كبرياء أمريكا، حولت مجرى سياسته الخارجية تماماً، وأصبح الجميع يذكر عهده بالحرب على "الإرهاب" وغزو العراق وأفغانستان. 

لقد اتخذت الإدارة الأميركية في عهد الرئيس بوش الابن موقفاً صريحاً بدعم إسرائيل لسحق المقاومة الفلسطينية، باعتبارها إرهاباً!! وتحدث بوش عن أن إسرائيل تواجه موقفاً عصيباً في سعيها لاستئصال أوكار "الإرهاب"!! وأيد ديك تشيني ورامسفيلد حق إسرائيل في ملاحقة "الإرهابيين"، وقاما بتبرير المذابح التي وقعت بين المدنيين الفلسطينيين بأنها أعمال لا مفر منها!! واعتبر بوش أن إسرائيل صديق للولايات المتحدة يواجه نفس ما تواجهه أميركا من تهديدات ويستحق الدعم!! 

إن هذه اللغة التي تفتقد لأي حس إنساني وجهل حقيقي بطبيعة الصراع في المنطقة، هي التي سادت مواقف الرئيس بوش الابن وأركان إدارته من المحافظين الجدد (Neocons)، ولعل ما أشار إليه كلايتون سويشر في كتابه "حقيقة كامب ديفيد: الوقائع الخفيِّة لانهيار عملية السلام في الشرق الأوسط"، يعكس بعض ما ذكرناه، حيث قال: "إن أحد الأسباب الرئيسية لعدم قيام إدارة الرئيس بوش بعمل أي شيء بناء لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، وتعزيز مصالح الأمن القومي الأميركي في الشرق الأوسط هو تبنيها لمجموعة من الخرافات تتعلق بفشل عملية السلام (أوسلو) تحت قيادة الرئيس بيل كلينتون. وقد اقتنع معظم الأميركيين برواية الحكومة ووسائل الإعلام. فقد قيل لنا إن الفلسطينيين رفضوا عرضاً سخياً في كامب ديفيد كان يمكن أن يجلب السلام إلى المنطقة، ويسمح لهم بتقرير مصيرهم، واختاروا بدلاً من ذلك طريق العنف، من خلال إطلاق انتفاضة هدفها النهائي تدمير دولة إسرائيل!! فلماذا ينبغي على الولايات المتحدة أن تساعد الفلسطينيين إذا كانوا هم "إما غير مستعدين أو غير راغبين في مساعدة أنفسهم"!! 

إن من المحزن أن يقال بأن أحد تبريرات الحرب على العراق في مارس 2003 كان هو القضاء على قوة صدام حسين العسكرية؛ لأنها من وجهة نظر المتصهينين في إدارة الرئيس بوش، كانت تشكل تهديداً لأمن إسرائيل!! 

باراك أوباما: مقاربة مختلفة ولكن بلا تغيير!! 

استبشرنا كثيراً كفلسطينيين بفوز الرئيس أوباما، وانتظرنا رؤية التغيير في سياسات أمريكا تجاه منطقة الشرق الأوسط، وخاصة ما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، حيث كانت له الكثير من التصريحات المشجعة خلال حملته الانتخابية، ولكن – للأسف – لم يتمكن الرجل من الوفاء بالكثير مما وعد به، حيث اصطدم بأغلبية موالية لإسرائيل في الكونجرس، وانسداد أفق في العلاقة مع نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، وتلاشت بذلك فرص تحقيق أي تقدم في عملية التسوية السياسية بين الفلسطينيين وإسرائيل، والحسنة الوحيدة التي تركها خلفه كأثر كان هو امتناع أمريكا عن التصويت  ضد القرار رقم (2334)، الذي صدر بتاريخ 23 ديسمبر 2016 مطالباً إسرائيل بوقف الاستيطان، والتأكيد على عدم شرعية إنشاء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، حيث إن ذلك يُعد انتهاكاً صارخاً بموجب القانون الدولي، وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل. فإن إدارته أقرَّت حزمة من المساعدات المالية والعسكرية غير المسبوقة لإسرائيل!! لتعيد التأكيد على المقولة التي تحدَّث بها الكثير من خبراء السياسة، بأن إسرائيل ومنذ تأسيس دولتها عام 1948 وحتى عهد الرئيس باراك أوباما، فإن علاقاتها بأمريكا شهدت مدَّاً وجزراً وتقلبات وصلت في بعض الفترات إلى أزمات وفتور، لكنَّ التحالف الوطيد ظل هو العنوان الأبرز لهذه العلاقات، وهذا ما أشار له وأكده دينس روس أيضاً في ملخص كتابه السابق، حيث أوضح بأن أمور العلاقة الأمريكية الإسرائيلية قد انتقلت من التجاهل والإحساس بأن إسرائيل هي عبء على سياسة الولايات المتحدة، إلى التبني والاحتضان والتباري في إظهار التضامن معها من جانب الرؤساء الأمريكان. 

ختاماً.. مع مغادرة أوباما ووصول الرئيس دونالد ترامب، والترحيب الذي أبدته إسرائيل بفوزه، أصبح التساؤل عن مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية في ظل الإدارة الجديدة للرئيس ترامب هو أحد أهم الأسئلة المطروحة في المنطقة. 

ولكن مع طبيعة التعينات التي حظي بها اليهود والموالين لإسرائيل من تيار المحافظين الجدد في الإدارة الجديدة، بدأت تظهر معالم الصورة والمشهد الكئيب الذي سيكون عليه الوضع في المنطقة.  ومنذ مؤتمر الرياض الذي عقد بتاريخ 20-21 مايو 2017، فإن كل ما صدر عن الرئيس ترامب وأركان إدارته تجاه دول المنطقة والقضية الفلسطينية لا يبشر بخير، وخاصة ما يتعلق "بصفقة القرن"، والحديث الذي يدور حولها، حيث ستحظى إسرائيل فيها بنصيب الأسد، من حيث التطبيع والتحالف معها عربياً ضد إيران!! أما نحن الفلسطينيين فسنكون - إذا استمرت أحوال الانقسام - على الأجندة الأمريكية أكثر وأول الخاسرين. 

اليوم تأتي خطوة نقل السفارة، وغداً إخراجنا من قدسنا وأقصانا، والتمكين للإسرائيليين بكل وقاحة وجسارة!!