يعتقد الكثير من الفلسطينيين إن السلطة الفلسطينية , لم تعد تشكل لهم أملا في التحول إلى دولة , كما إعتقد الشهيد ياسر عرفات أن سيطرته على الضفة الغربية و قطاع غزة , إلى جانب بناء مؤسسات وطنية بكفائة عالية , تضفي إلى دولة فلسطينية , كأمر واقع , وأن إنشاء السلطة الفلسطينية يشكل جسرا للعبور إلى هذه الدولة , ولكن حسابات الحقل لا تتفق مع حسابات البيدر , فمنذ إتفاقيات كامب ديفيد الأخيرة في 11 يوليو عام 2000 , وقبلها بقليل أيقن الزعيم الراحل , بان المشهد أشد تعقيدا , و أن الصراع طويلا جدا مع عدونا التاريخي إسرائيل , لم يدرك الفلسطينيون إلا متأخرا طبيعة الإستعمار الإسرائيلي لأرض فلسطين , بأنه إستعمار ذات طبيعة كلونيالية , محاط برؤية دينية متطرفة , شكلت عبر التاريخ أبشع إستغلال للدين اليهودي و توظيفه , في الصراع ضد الفلسطينيين .
يفهم الجميع أن تكون طبيعة السلطة التي أفرزتها , إتفاقيات أوسلو عام 1993 , بإعتبارها تمهد الطريق إلى الدولة الفلسطينية , حسب قرارات الشرعية الدولية , ولكن الذي لا يفهمه الفلسطينيين , بقاء السلطة على حالها طيلة الثلاث و العشرون سنة الماضية , بدون أي تغير في بنيتها و وظيفتها , وزاد المشهد سوءا سيطرة حركة حماس على قطاع غزة , بالقوة المسلحة , في مشهد شكل صدمة مروعة , أسفرت عن إستيلاء حماس على السلطة و مؤسساتها في القطاع . بدأت مسيرة التحدي الجدي لمنظمة التحرير الفلسطينينة , وللسلطة الفلسطينية , أولا على أراضي السلطة و ثانيا على جبهة التمثيل السياسي , و طيلة أحد عشر سنة ماضية منذ 16 يونيو عام 2007 , عام الإنقسام الفلسطيني , بنت حركة حماس سلطة شديدة المتانة و الترابط الحزبي , حاولت تسويق حكمها في الخارج , قطر وتركيا , وفي مراحل متعددة إيران , وكل طرف حدد هذه العلاقة حسب توظيفه السياسي , و بحسب حسابات المصالح و السياسة , إيران أرادة أن تكون غزة مخلب لها في معادلة الصراع مع إسرائيل , أما قطر فكانت المعادلة مختلفة , لها علاقة بحساباتها مع حركة الأخوان المسلمين , وتركيا كانت مصالحها مشابهة لقطر , بعد أحد عشرة سنه فشلت حركة حماس في إدارة القطاع و في الحكم كما كانت تبشر منذ بداية السيطرة . الصراع على السلطة بين حركتي فتح حماس حولَ القطاع إلى منطقة منكوبة وخراب مس جميع الجوانب , و السلطة بدورها فشلت في توحيد الفلسطينيين في الوصول إلى أن يكونوا جماعة سياسية واحدة , و في إعطاء الفلسطينيين أملا في تحقيق حلمهم بالدولة , فشل السلطة في رسم إستراتيجية شاملة أولا في بناء مؤسسات سليمة تستطيع تلبية حاجات الناس بالصمود و في مواجهة التمدد الإستيطاني في مدينة القدس و أراضي الضفة الغربية , وفي ان تكون جسرا يفضي للدولة الفلسطينية .
في معادلة الصراع على السلطة طيلة الفترة الماضية , وجولات الحوار ودخول أكثر من لاعب عربي في مسارها , إلى أن عادت للراعي الأول وصاحب الكم الأكثر في الحوارات وفي الإتفاقيات مصر , يطرح الكثير من الأسئلة عن السبب الحقيقي وراء فشل الفلسطينيين من الوصول إلى المصالحة و إنهاء الإنقسام و إستعادة الحياة الديمقراطية , بدون أدنى شك أن هناك أسباب متعددة عالجناها مرارا و تكرارا في مقالاتنا السابقة , أولا العامل الإسرائيلي صاحب ومحرض الإنقسام الفلسطيني إن لم يكن معده , حسابات السياسه و المصالح لدى دول الإقليم وقبل ذلك رؤية الحركتين للمصالحة , و موقفهما من بناء نظام تشاركي يستند إلى مؤسسات جامعة لكل الفلسطينيين وتستوعب إختلافهم السياسي و الثقافي , وكل ذلك يوظف لمواجهة الإستعمار الكولونيالي على أرض فلسطين , ضمن برناج سياسي يشكل حدا أدنى للإتفاق ولرسم رؤية إسترتيجية , لمستقبل القضية , وهناك اسباب أخرى , ولكن يبقى حاضرا و بقوة سيد الأسباب وهو طبيعة السلطة الفلسطينية و التحولات السياسية و الأمنية و الإدارية التي حدثت طيلة السنوات الماضية , بحيث بات الفلسطينيين رهائن إلى بنية أمنية في قطاع غزة تحكم و بنية أمنية قوية تحكم في الضفة الغربية , و رافق هاتين البنيتن إنتهاك صارخ للحريات العامة , مفهوم الهيمنه و الإزاحة حاضرا بقوة لدى الطرفين , و إن إتفقا و لكنه سيبقى هو المحدد للمرحلة القادمة في ظل غياب مؤسسات موحدة حقيقية . خلَفت السلطتين طيلة عملهما مراكز قوى و مصالح متعددة و متشابكة وفي جوهرها متحاربة , و أعتقد أن مراكز القوى هذه حاضرة بقوة في مسار المصالحة , لها حساباتها و مصالحها التي نشأت مع شكل السيطرة سواء أمنية أو إقتصادية , و هي مستفيدة من الإنقسام وتسعى لبقائه و أن تغير الشكل ستبقى حاضرة و تتحكم بمصير شعبنا , و الأخطر من ذلك بأنها مستعدة للهبوط بالسقف السياسي الفلسطيني , الذي حدده و مات من أجله أبو الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات .
الحل يكمن و في عجالة بأن نتحول إلى دولة تحت الإحتلال , بحسب قرارات الشرعية الدولية و عضوية فلسطين غير الكاملة في الأمم المتحدة , و أن تؤول كل صلاحيات السلطة الفلسطينية إلى منظمة التحرير الفلسطينية , صاحبة الولاية القانونية على الأراضي الفلسطينية , حسابات الخسارة و الربح , تشير إلى أننا نعيد تصويب القضية بعد ان ضاعت في دهاليز السلطة و مفاسدها , و نعيد الإعتبار لفلسطينيي الشتات بعد ان تجاهلتهم السلطة , و هذه الرؤية تحتاج لحوار بين الجميع في جميع أماكنهم , وفي شتى المجالات وقبل كل شيء إلى توفر الإرادة السياسية , ما أفسدته السلطة طيلة هذه السنوات العجاف , لا يصلحه إلاَ التحول إلى دولة تحت الإحتلال بقيادة منظمة التحرير التي هي بحاجة إلى إعادة بناءها و تطويرها .
كاتب مقيم في فلسطين