السلطة الفلسطينية في ميزان حسابات الحقل و البيدر..محمد حجازي

الأربعاء 06 ديسمبر 2017 10:23 ص / بتوقيت القدس +2GMT
السلطة الفلسطينية في ميزان حسابات الحقل و البيدر..محمد حجازي



يعتقد الكثير من الفلسطينيين  إن السلطة الفلسطينية , لم تعد تشكل لهم أملا  في التحول إلى دولة  ,  كما  إعتقد الشهيد ياسر عرفات  أن سيطرته على الضفة الغربية و قطاع غزة , إلى جانب بناء مؤسسات  وطنية  بكفائة عالية , تضفي إلى دولة فلسطينية , كأمر واقع , وأن إنشاء السلطة الفلسطينية يشكل جسرا للعبور إلى هذه الدولة , ولكن حسابات الحقل لا تتفق مع حسابات البيدر , فمنذ إتفاقيات كامب ديفيد الأخيرة  في 11 يوليو عام 2000  , وقبلها بقليل أيقن الزعيم الراحل , بان المشهد أشد تعقيدا , و أن الصراع طويلا جدا مع عدونا التاريخي إسرائيل , لم يدرك  الفلسطينيون إلا متأخرا  طبيعة الإستعمار الإسرائيلي لأرض فلسطين , بأنه إستعمار  ذات طبيعة كلونيالية  ,  محاط برؤية دينية متطرفة , شكلت عبر التاريخ أبشع إستغلال للدين اليهودي و توظيفه , في الصراع ضد  الفلسطينيين  .

يفهم الجميع أن تكون طبيعة السلطة التي أفرزتها , إتفاقيات أوسلو عام  1993 , بإعتبارها  تمهد الطريق إلى الدولة الفلسطينية  , حسب قرارات الشرعية الدولية  , ولكن  الذي لا يفهمه  الفلسطينيين  , بقاء السلطة على حالها طيلة  الثلاث و العشرون سنة الماضية , بدون أي تغير في بنيتها و وظيفتها  , وزاد المشهد سوءا سيطرة حركة حماس على قطاع غزة , بالقوة المسلحة , في مشهد شكل صدمة مروعة , أسفرت عن إستيلاء حماس على السلطة و مؤسساتها  في القطاع .        بدأت مسيرة التحدي الجدي لمنظمة التحرير الفلسطينينة  , وللسلطة الفلسطينية  , أولا على أراضي السلطة و ثانيا على جبهة التمثيل السياسي  , و طيلة أحد عشر سنة ماضية منذ 16 يونيو عام 2007  , عام الإنقسام الفلسطيني  ,  بنت حركة حماس سلطة شديدة المتانة  و الترابط  الحزبي , حاولت تسويق حكمها في الخارج , قطر وتركيا  , وفي مراحل متعددة إيران , وكل طرف  حدد هذه العلاقة حسب توظيفه السياسي , و بحسب حسابات المصالح و السياسة , إيران أرادة أن تكون غزة مخلب لها في معادلة الصراع مع إسرائيل  , أما قطر فكانت المعادلة مختلفة  , لها علاقة بحساباتها مع  حركة الأخوان المسلمين  , وتركيا كانت مصالحها مشابهة لقطر , بعد   أحد عشرة سنه فشلت حركة حماس في إدارة القطاع  و في الحكم كما كانت تبشر منذ بداية السيطرة  .  الصراع على السلطة بين حركتي فتح  حماس حولَ القطاع إلى منطقة منكوبة  وخراب مس جميع الجوانب , و السلطة بدورها فشلت في توحيد الفلسطينيين  في الوصول إلى أن يكونوا جماعة سياسية واحدة  , و في إعطاء الفلسطينيين أملا في تحقيق حلمهم بالدولة , فشل السلطة  في رسم إستراتيجية  شاملة أولا في بناء مؤسسات سليمة تستطيع  تلبية حاجات الناس بالصمود و في مواجهة التمدد الإستيطاني  في مدينة القدس و أراضي  الضفة الغربية  , وفي ان تكون جسرا يفضي  للدولة الفلسطينية  .

في معادلة الصراع على السلطة طيلة الفترة الماضية , وجولات الحوار ودخول أكثر من لاعب عربي في مسارها , إلى أن عادت للراعي الأول وصاحب الكم الأكثر في الحوارات وفي الإتفاقيات  مصر , يطرح الكثير من الأسئلة عن السبب الحقيقي وراء فشل الفلسطينيين من الوصول إلى المصالحة و إنهاء الإنقسام و إستعادة الحياة الديمقراطية  , بدون أدنى شك أن هناك أسباب  متعددة  عالجناها مرارا و تكرارا في مقالاتنا السابقة , أولا العامل الإسرائيلي صاحب ومحرض الإنقسام الفلسطيني إن لم يكن معده , حسابات السياسه و المصالح لدى  دول الإقليم وقبل ذلك رؤية الحركتين للمصالحة , و موقفهما من بناء نظام تشاركي يستند إلى مؤسسات جامعة لكل الفلسطينيين وتستوعب إختلافهم السياسي و الثقافي , وكل ذلك يوظف لمواجهة الإستعمار الكولونيالي على أرض فلسطين , ضمن برناج سياسي يشكل حدا أدنى للإتفاق ولرسم رؤية إسترتيجية  , لمستقبل القضية , وهناك اسباب أخرى , ولكن يبقى حاضرا و بقوة سيد الأسباب وهو طبيعة السلطة الفلسطينية و التحولات السياسية و الأمنية و الإدارية التي حدثت طيلة السنوات الماضية , بحيث بات الفلسطينيين رهائن إلى بنية أمنية في قطاع غزة تحكم و بنية أمنية قوية تحكم في الضفة الغربية ,  و رافق هاتين البنيتن  إنتهاك صارخ للحريات العامة , مفهوم الهيمنه و الإزاحة حاضرا بقوة لدى الطرفين , و إن إتفقا  و لكنه سيبقى هو المحدد للمرحلة القادمة في ظل غياب مؤسسات موحدة حقيقية . خلَفت السلطتين طيلة عملهما مراكز قوى و مصالح متعددة و متشابكة وفي جوهرها متحاربة , و أعتقد أن مراكز القوى هذه حاضرة بقوة في مسار المصالحة , لها حساباتها  و مصالحها التي نشأت مع شكل السيطرة سواء أمنية أو إقتصادية , و هي مستفيدة من الإنقسام وتسعى لبقائه  و أن تغير الشكل ستبقى حاضرة و تتحكم بمصير شعبنا , و الأخطر من ذلك بأنها مستعدة للهبوط بالسقف السياسي الفلسطيني , الذي حدده و مات من أجله  أبو الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات .

الحل يكمن و في عجالة بأن نتحول إلى دولة تحت الإحتلال , بحسب قرارات الشرعية  الدولية و عضوية فلسطين غير الكاملة في الأمم المتحدة  , و أن تؤول كل صلاحيات السلطة الفلسطينية  إلى منظمة التحرير الفلسطينية  ,  صاحبة الولاية القانونية على الأراضي الفلسطينية , حسابات الخسارة و الربح , تشير إلى أننا نعيد تصويب القضية بعد ان ضاعت في دهاليز السلطة و مفاسدها , و نعيد الإعتبار لفلسطينيي الشتات بعد ان تجاهلتهم السلطة , و هذه الرؤية تحتاج لحوار بين الجميع في جميع أماكنهم  , وفي شتى المجالات وقبل كل شيء إلى توفر الإرادة السياسية , ما أفسدته السلطة طيلة هذه السنوات العجاف , لا يصلحه إلاَ  التحول إلى دولة تحت الإحتلال بقيادة منظمة التحرير التي هي  بحاجة إلى إعادة بناءها و تطويرها .

 كاتب مقيم في فلسطين