هل سيقلب ترامب الطاولة؟ مهند عبد الحميد

الثلاثاء 05 ديسمبر 2017 12:35 م / بتوقيت القدس +2GMT
هل سيقلب ترامب الطاولة؟ مهند عبد الحميد



الاعتراف الأميركي بالقدس "موحدة" وعاصمة لإسرائيل، هو الموقف "المنتظر" الذي سيعلنه الرئيس ترامب، بحسب مصادر البيت الأبيض، ويتبع هذا الموقف الدراماتيكي موقف آخر هو نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ولكن لا يزال الموقف قيد الدرس، وما يعنيه الدرس من تقصي ردود الأفعال ومدى إضرارها بالأمن القومي الأميركي. الـ 24 ساعة القادمة وتفاعلاتها ستكون حاسمة. هل سيقلب ترامب الطاولة باعتباره القدس "الموحدة" عاصمة لإسرائيل وبنقل السفارة إليها ويدفع نحو ردود أفعال وتداعيات على المدى المتوسط والبعيد ويضع العالمين العربي والإسلامي أمام تحديات من الوزن الثقيل. أوساط أميركية تتحدث عن اعتراف بالقدس عاصمة وإرجاء نقل السفارة كنوع من التوازن، غير أن موقفاً كهذا ينسف أي توازن فعلي كونه يقر باحتلال وضم مدينة القدس مرة واحدة. حتى لو اعترف ترامب بدولة فلسطينية مقابل الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، فلا معنى ولا قيمة لدولة فلسطينية من غير القدس. 
أصل البلاء في موقف إدارة ترامب يعود لقرار الكونغرس الأميركي عام 1995، الذي يدعو إلى نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ذلك القرار الذي يفتقد إلى أي مسوغ قانوني، فهو يستخدم القانون الدولي الذي "يكفل لكل دولة تحديد عاصمتها"، ويعتمد على الموقف الإسرائيلي الذي اعتبر القدس الغربية عام 1950 عاصمة إسرائيل وجعلها مقراً لكل مؤسساتها بما في ذلك البرلمان والحكومة. يتغافل قرار الكونغرس عن حقيقة القرار الدولي – قرار التقسيم – الذي يعتبر القدس مدينة مدولة، ويتغافل عن موقف النظام الدولي عبر سلسلة من قرارات مجلس الأمن الرافضة للاحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لمدينة القدس الشرقية عام 67، واعتبارها كافة الإجراءات والتغييرات التي أحدثتها إسرائيل في المدينة، بما في ذلك نقل السكان والاستيطان، أعمالاً غير شرعية وغير معترف بها دولياً ويدعو دولة الاحتلال للتراجع عنها.
 منذ العام 1968 وحتى العام 2016 صدر عن مجلس الأمن الدولي سبعة قرارات لم تستخدم فيها الإدارات الأميركية المتعاقبة النقض "الفيتو". وهي قرارات 252 الصادر عام 1968 وقرار 267 الصادر عام 1969 وقرار 298 الصادر عام 1971 وقرار 476 الصادر عام 1980 وقرار 478 الصادر عام 1980 والقرار 2334 الصادر عام 2016 . يضاف إليها مئات القرارات الصادرة عن الجمعية العمومية ومؤسسات دولية أخرى مثل "اليونيسكو"، وكل هذه القرارات تعتبر مدينة القدس الشرقية محتلة وتعتبر كافة الإجراءات فيها غير شرعية، وتطالب دولة الاحتلال بالتراجع عنها ورغم ذلك يتجاهل الكونغرس الأميركي تلك القرارات وكأنها غير موجودة ولا يرى في القانون الدولي غير حق إسرائيل في اختيار عاصمتها. يتجاهل الأساس القانوني لتلك القرارات وهو "لا يحق لأي دولة احتلال أراضي الغير بالقوة"، ولا يحق نقل السكان إليها، ولا يحق تغيير معالمها ولا ضمها ولا سرقة مواردها". الكونغرس يتجاهل كل ذلك ويعترف بالقرار الإسرائيلي الباطل الذي ضم القدس الشرقية واعتبر القدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال. 
ولأن قرار الكونغرس عار من أي سند قانوني ومن أي منطق أخلاقي، ومتناقض مع حقوق الشعب الفلسطيني، ومتنافر مع مواقف الأكثرية الساحقة من دول وشعوب العالم، فقد اضطرت الإدارات الأميركية أن توقع على إرجاء تطبيق القرار كل نصف عام، وهذا الاضطرار أكبر دليل على تهافت قرار الكونغرس وعدم صلاحيته للتطبيق، إلى أن جاءت إدارة ترامب لتعد بتنفيذ القرار ووضعه حيز التطبيق. 
لا يكتفي قرار الكونغرس، الذي يستند إليه ترامب راهناً، بتجاهل واحتقار القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، بل يتبنى الرواية الاسرائيلية – رواية أقصى اليمين القومي الديني)- حين يزعم القرار بأن إسرائيل عملت على توحيد القدس وفسحت المجال أمام معتنقي جميع الديانات للوصول إلى الأماكن المقدسة. في الوقت الذي تعترف فيه أكثرية الإسرائيليين بأن القدس غير موحدة، يشهد على ذلك آخر المشاريع الإسرائيلية للتخلص من الأحياء الفلسطينية ذات الكثافة السكانية، فضلاً عن التمييز الذي تمارسه سلطات الاحتلال ضد المقدسيين الذي بلغ ذروته بالفصل العنصري وبوجود سياستين تمييزيتين في مجال التعليم والخدمات والبناء والإسكان وملكية الأرض وحقوق المواطنة وفي مختلف المجالات باستثناء دفع الضرائب المتساوية لخدمات غير متساوية. القدس موحدة فقط بمفهوم التوسع الكولونيالي والتمييز العنصري، وأيديولوجيا "أرض إسرائيل" والشعب المختار والكونغرس الأميركي.
أما حرية اتباع الديانة المسيحية والديانة الإسلامية للوصول إلى أماكن العبادة، فهذا الزعم تدحضه قرارات المنع الإسرائيلي التي لا تسمح لستة ملايين فلسطيني مسلم ومسيحي في الشتات من زيارة تلك الأماكن، ولا تسمح للسواد الأعظم من مواطني الضفة الغربية وقطاع غزة – باستثناء الفئات العمرية التي لا تشكل 15% من مجموع السكان – بدخول المدينة.
إذا كان قرار الكونغرس وموقف إدارة ترامب لا يصمد أمام القانون ولا أمام واقع المدينة المقسمة بوضوح شديد، فكيف يمكن تفسير حيثياته غير المعلنة وتفسير إعادة وضعه على جدول التنفيذ؟ إن الذي يحرك السياسة وتجلياتها المعبّر عنها في مواقف، هو لوبيات المال ومصالح أصحابها في مضاعفة الأرباح، ولما كان اللوبي الصهيوني له باع طويل في تحفيز المصالح أو الضغط على المصالح لوضع بصمات على القرارات، التي تتوافق أيضاً على سياسة الهيمنة وعلى فرض التبعية على حكومات وشعوب المنطقة وقطع الطريق على تحررها، فمن المألوف أن يأتي قرار الكونغرس وقرارات الدعم العسكري المفتوح لدولة الاحتلال. ولا يقابل لوبيات المال الصهيونية والرأسمالية المتوحشة، لوبيات مضادة، فرغم وجود عشرات المليارديرات العرب لا يوجد لديهم أي أهداف سياسية غير استمرار أرباحهم واستمرار الاستقرار الآمن لهم في السوق وداخل بلدانهم. موقف الأنظمة العربية لا ينفصل عن هذه المعادلة، خاصة في شروط علاقات التبعية الجديدة التي لا تسمح باستخدام الأسواق وأسعار النفط إلا في حدود ضيقة. وإذا خرج عامل الضغط على المصالح عن السياسات فلا يبقى في علم السياسة غير استجداء المواقف. 
فهل تنجح المطالبات العربية بثني ترامب عن قراراته المجنونة؟ احتمال أول، أن يرجئ ترامب قراراته بانتظار الإشهار عن صفقة القرن والسلام الإقليمي الذي يعيد بناء السيطرة على المنطقة. احتمال ثان أن يمضي ترامب في قراراته جزئياً كالاعتراف بعاصمة إسرائيل الموحدة وإرجاء نقل السفارة. احتمال ثالث: في حالة رفض القيادة الفلسطينية لصفقة القرن، تقوم إدارة ترامب بتنفيذ قرار الكونغرس المدعم باعترافها بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الاحتلال. 
خياران أحلاهما مر، ولا بديل عن معارضتهما بكل الأشكال الممكنة، بدءاً باستنهاض الشعب الفلسطيني. شعار فضفاض لكنه قابل للانتقال من الأقوال إلى الأفعال. مقاومة قانونية بطرح الاعتراف الأميركي على المحافل جهة الاختصاص، ومقاومة اقتصادية بمقاطعة كل السلع الأميركية ورفض المساعدات الأميركية، ومقاومة سياسية برفض المشاركة الأميركية في أي عملية سياسية. والاستقواء بالحلفاء الحقيقيين للشعب الفلسطيني، فضلاً عن إعادة بناء البيت الفلسطيني.
Mohanned_t@yahoo.com