حرب بالنيابة...صادق الشافعي

السبت 11 نوفمبر 2017 01:51 م / بتوقيت القدس +2GMT



لا يكفي التزام الرئيس ترامب بتنفيذ وعوده الانتخابية لتفسير حربه على إيران من مدخل الاتفاق النووي الذي وقّعته أميركا معها في عهد الرئيس أوباما، ووقّعته معها الدول الأربع دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا. لا يكفي ذلك، في وقت يرى فيه وزير خارجيه ترامب ووزير دفاعه ورئيس هيئة أركانه المشتركة أن الاتفاق لمصلحة أميركا وأن الخروج منه خطأ.                                                  
وفي وقت يصدر فيه بيان مشترك بريطاني فرنسي ألماني يحذر أميركا من اتخاذ قرار منفرد بخصوص الاتفاق، وفي وقت يقول الاتحاد الأوروبي على لسان مسؤولة العلاقات الخارجية فيه «موغيريني»: إنه ليس بيد أي دولة في العالم أن تنهي الاتفاق النووي مع إيران، مؤكدة ضرورة الحفاظ على هذا الاتفاق بشكل جماعي.                                                                                                                   
ولا يكفي ذلك، بالذات مع تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران نفذت التزاماتها المتعلقة بالبرنامج النووي، ومع توضيحها أن هذا الاتفاق يخضع لأشد أنواع الرقابة. ولا يكفي ذلك، مع وجود دول وهيئات دولية كثيرة تقف إلى صف من تقدم ذكرهم.
الجهة الوحيدة التي استقبلت حرب الرئيس ترامب بالترحيب والتهليل كانت دولة الاحتلال. نتنياهو رحب واعتبرها خطوة شجاعة، ووزير استخباراته اعتبرها مهمة للغاية «وقد تؤدي إلى حرب في ظل تهديدات طهران».                                                                                           
 ولا تزال حية في الذاكرة، الحرب التي ظلت تشنها دولة الاحتلال على الاتفاق النووي مع إيران منذ بداية التباحث حوله إلى زمن إقراره، وهي ما تزال متواصلة.                                                                وقد وصل الأمر بنتنياهو أن يخرق الأعراف الدولية ويتجاوز الرئيس أوباما بإلقاء خطابه الشهير في الكونغرس الأميركي مهاجماً الاتفاق النووي ومبيناً مخاطره ومحرضاً على مناهضته.                                                                                                     
 دولة الاحتلال رأت في الاتفاق النووي مع إيران خطراً وجودياً عليها، على أساس حالة العداء الوجودي التي تناصبها إياه طهران وكونها العضو الأكثر قدرة فيما يسمى محور المقاومة الإقليمي. وقد خلق الاتفاق مخاوف حقيقية لديها، أكدها وزادها تنامي القدرة العسكرية والتسليحية الإيرانية، وتواجدها ودورها في منطقتين حدوديتين معها.  
اللافت أن الرئيس ترامب لم يقرر إلغاء الاتفاق النووي والخروج النهائي منه. هو رفض التصديق الدوري على التزام إيران بالاتفاق النووي، وأحال الموضوع إلى الكونغرس ليقرر الإجراءات المناسبة. مقرناً ذلك بهجوم شديد على إيران وبضرورة توقيع العقوبات عليها، بالذات على الحرس الثوري الإيراني. هذا التصرف مناورة لابتزاز إيران للدخول في مفاوضات حول عناوين جديدة لم يشملها الاتفاق الموقع، ولكنها تتقاطع بدرجة أو أخرى مع الاتفاق، ويمكن أن تشكل ملاحق مكملة له تزيد من القيود على إيران فيما لو حصلت.  
والمناورة تخدم بالتأكيد، الإستراتيجية الأميركية الساعية إلى محاصرة الطموحات الإيرانية  في المنطقة، وسعي إيران إلى فرض وتمدد مشروعها فيها. 
العنوانان الأساسيان في هذه المناورة هما تطوير إيران لصاروخها الباليستي، ودعمها لمنظمات تصنفها أميركا إرهابية، بالذات «حزب الله» في لبنان.      
العنوانان المذكوران يشكلان همّاً وتهديداً مباشرين لدولة الاحتلال الصهيوني، خصوصاً وان مدى الصاروخ الباليستي يطالها، وأن من الممكن تحميله برأس نووي في المستقبل غير البعيد. إضافة إلى خطر تسليح وتقوية «حزب الله» القابع على حدودها ويمكنه أن يطال عمقها دونما حاجة لأسلحة عالية التطور.
في الوقت الذي لا يشكل العنوانان المذكوران خطراً على الولايات المتحدة وأمنها ولا على حلفائها الأوروبيين وأمنهم.                                                                                                        هذا ما يدفع إلى الاستنتاج أن الحرب التي تعلنها الولايات المتحدة على إيران هي حرب بالوكالة عن دولة الاحتلال ونيابة عنها ولصالحها.   
طريقة استجابة الكونغرس لإحالة الرئيس الموضوع إليه والقوانين التي أقرها، جاءت لتؤكد الاستنتاج المذكور بشكل لا لبس فيه. فقد جاءت القوانين واضحة ومباشرة لا تحتاج إلى تفسير أو قراءة ما بين السطور. جاءت منذرة وعقابية ومقتصرة على العنوانين المذكورين. (حول الصواريخ الباليستية والحرس الثوري الإيراني ومحاصرة حزب الله).
حرب دولة الاحتلال على الاتفاق النووي مع إيران، والاستجابة الكاملة التي تلاقيها من الولايات المتحدة بقدر ما هي معنية وتتجه أولاً وأساساً إلى الهدف المباشر وهو محاصرة إيران ودورها الحالي والمتوقع بالمنطقة حماية لدولة الاحتلال، فإنه يخدم ويتقاطع في نفس الوقت مع أهداف أخرى.                                                                                                -  يخدم ويتقاطع مع التصورات والتوجهات الأميركية لعموم الإقليم وما يتم البحث فيه من اعادة رسم وترتيب كل أموره بما يعزز الدور والنفوذ الأميركي ويحفظ مصالح أميركا، ومصالح حلفائها الدوليين والإقليميين.                                                                                                 -  يخدم ويتقاطع مع هدف دولة الاحتلال الحالي والمباشر وهو أن يمنع ضغط التوافق الدولي أي وجود إيراني، وبالذات عسكري، في البلدان المجاورة لها، وبشكل أخص في المناطق الحدودية معها. ويمنع أيضاً، دعم إيران لـ»حزب الله» وتزويده بالأسلحة، المتطورة منها بالذات.                                               
-  يخدم ويتقاطع مع هدف دولة الاحتلال فرض نفسها طرفاً، له مشروعه المتكامل، على قدم المساواة مع الأطراف الأخرى الإقليمية والدولية، في تقرير أمور المنطقة، وأخذ مطالبها ومصالحها بعين الاعتبار نفسها، بعد انتهاء الحرب المباشرة على الإرهاب.
في أوضاع المنطقة العربية الحالية، تمس الحاجة إلى مشروع عربي يتسم بالهوية والخصوصيات العربية ويلتزم مصالح الأمة العربية ويدافع عن سيادة واستقلال دولها،  وحقها في النمو والتطور والازدهار، ويقف على قدم المساواة إلى جانب المشاريع الأخرى القائمة فعلاً، سواء من موقع التعاون والتكامل أو من موقع المواجهة والتصدي.