مرحلة ما بعد «داعش» ..د. عبد المجيد سويلم

الخميس 19 أكتوبر 2017 04:36 م / بتوقيت القدس +2GMT



قبل عدة شهور من الآن توقع الكثيرون أن يتم تصفية الوجود العسكري المباشر لتنظيم داعش، وقد كتبنا ذلك في «الأيام» كما كتب وتوقع معظم المتابعين.
خلال هذه الأشهر الأخيرة دارت أسئلة كثيرة حول الكيفية التي سيتصرف بها هذا التنظيم، وحول الأشكال التي سيلجأ إليها في صراعه مع الدول العربية والإسلامية ومع بقية دول العالم والمجتمعات التي سيهاجر لها لإعادة انتشار النشاط الإرهابي لهذا التنظيم المتوحش.
قبل كل شيء هناك إجماع أو ما يشبه أن الشكل الرئيسي الذي سيتخذه «داعش» هو استخدام عشرات وربما مئات وقد تصل الأمور إلى «الآلاف» من الأفراد والخلايا النائمة وما بات يعرف بالذئاب المنفلتة والتي لا شك في تواجدها في معظم البلدان العربية والإسلامية وهي موجودة «ومنوّمة» في الكثير من بلدان العالم، وخصوصاً في أوروبا.
إذن هناك اتفاق على حرب العمليات المباغتة والتفجيرات والعمل على تدمير المنشآت والمرافق وكذلك إلحاق أكبر ضرر وخسائر ممكنة في كل هذه المجتمعات بما في ذلك، وربما أساساً الخسائر البشرية.
بطبيعة الحال معظم الدول العربية والإسلامية لديها من الاحتياطات الوقائية ما يكفي لمواجهة هذه الاحتمالات لكن عنصر المباغتة يظل قائماً طالما نتحدث عن خلايا نائمة ومنوّمة، وطالما أن هذا التنظيم قد أعطي في الواقع ما يكفي من الوقت ومن المساحة ما يكفي للقيام بما هو خارج نطاق المرصود والمتوقع. لكن هذا التوقع وإن كان صحيحاً، وربما مؤكداً، أيضاً، لا يغطي المساحة الحقيقية لنشاط داعش القادم.
أغلب الظن أن درجة التوحش التي وصل إليها هذا التنظيم ليست الدرجة النهائية ومن يعتقد أن كل هذا التوحش الذي شهدناه على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية كان أقصى ما يمكن أن يذهب إليه التنظيم، هو واهم وقد يكون مضللاً بالمقارنة مع ما يمكن أن تصل إليه الأمور.
السؤال المطروح هو سؤال الوسائل وفيما إذا كان تنظيم داعش قد امتلك أو يستطيع أن يمتلك أسلحة فتاكة من النوع الكيماوي أو البيولوجي أو أي أسلحة من هذا القبيل.
فإذا كان الجواب نعم، فالاعتقاد هنا أن اللجوء إلى استخدامها سيكون أمراً وارداً، خصوصاً وأن الصفوف الأولى من هذا التنظيم قد تم تصفيتها تقريباً وهو ما يعطي تلك الخلايا والذئاب هامشاً أوسع لاتخاذ القرارات بهذا الشأن وما يحررها من «مركزية» القرار ومن تسلسل قرارات التنفيذ.
وأغلب الظن، أيضاً، أن التوجهات نحو ضرب المسيحيين ثم الشيعة ثم الكفرة من السنّيين سيعاد النظر به من قبل تلك الخلايا والذئاب بالعودة إلى ما يُستشفّ من قراءة ومتابعة «الأيديولوجيا» الداعشية، وخصوصاً وسائل الإعلام الخاصة بهذه الشؤون فإن التوحش القادم سيكون أعلى بكثير مما شهدناه حتى الآن.
والسؤال الذي يطرح مرةً أخرى هو: إلى أين سيهاجر هذا التنظيم؟
كانت هنا محاولة جادة للغاية لأن تكون هذه الهجرة باتجاه اليمن أو ليبيا بعد سورية والعراق.
الآن يتبين أن هذه الهجرة تنطوي على مشكلات كثيرة. ربما أن الذهاب إلى مالي والصومال أصبح أكثر ترجيحاً من هاتين الدولتين وهو أمر ينذر بأن البلدان العربية في شمال أفريقيا ستكون في المراحل القادمة أكثر عرضةً للهجمات من البلدان المشرقية.
لكن الشيء المؤكد أن المساحة المتاحة في أوروبا والبلدان الغربية ستكون الساحة الأهم «للعمل» والنشاط القادم لداعش.
المشكلة الكبرى هنا هو أن الأوروبيين مع الاسف الشديد ليس لديهم لا الخبرة ولا الدراية الكافية بهذا الأمر وهم لا يتخذون التدابير التي تنسجم مع هذه التوقعات، وما زالوا يراهنون على الألاعيب السياسية والهوامش الذي تتيحها النشاطات الارهابية للعبة السياسية المراوغة التي توظّف لقضايا ومشاريع «سياسوية» غالباً ما تكون ذات طابع انتخابي أو لها علاقة بالتوازنات السياسية الداخلية في هذه البلدان.
أو ـ وهذا هو الأخطر ـ أن بعض القوى، وخصوصاً الولايات المتحدة وبعض القوى اليمينية في أوروبا ما زالت تراهن على استخدام «الارهاب» والتوحش الارهابي في خدمة مشروع تفتيت المنطقة و»إعادة» بناء المجتمعات فيها.
إسرائيل هي عرّاب هذا الاتجاه الأخير وهي المؤيدة الرئيسية والداعية الحقيقية له ولتوظيفه.
أمام هذا الواقع فإن هوامش الفعل والنشاط لتنظيم داعش ستنتقل موضوعياً إلى الغرب وستكون محاولة الهجرة إلى مناطق سيطرة ونفوذ في أفريقيا أو بعض البلدان الأخرى هي مجرّد محاولة لإعادة إثبات الذات.
أما الاستراتيجية الأساسية فستكون الدول الغربية لأن الفرص المتاحة واسعة بالمقارنة مع الدول الأُخرى.