الاغوار الشمالية بين مطرقة الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين

الثلاثاء 17 أكتوبر 2017 11:03 ص / بتوقيت القدس +2GMT



الاغوار / سما /

 اصدر مركز عبدالله الحوراني للدراسات  والتوثيق التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ورقة حقائق عن الاغوار الشمالية بعنوان "الاغوار الشمالية بين مطرقة الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين " ،  وسلطت الضوء على  ما تتعرض له المنطقة من عمليات استيطانية وارهاب المستوطنين ومحاولات تهجير السكان والسيطرة عليها بالكامل ،  وغيرها من الاجراءات التعسفية غير القانونية، وسياسة الفصل والتمييز العنصري التي يمارسها الاحتلال ، لتقليص     أعداد الفلسطينيين  باستخدام سياسات عنصرية ممنهجة  تهدف إلى تهجيرهم بالقوة والسيطرة على اراضيهم .

الموقع والمساحة

تقع الاغوار الشمالية شمال شرق الضفة الغربية ضمن ما يعرف حاليا بمحافظة طوباس ، وتبلغ مساحتها حوالي 240 ألف دونم، وتشكل حوالي 60% من مساحة محافظة طوباس البالغه 402كم2 ، وتضم المحافظة 23 تجمع سكاني ما بين مدينة وبلدة وقرية ومخيم وتجمعات بدوية ، ويبلغ عدد سكانها حتى منتصف العام الحالي حوالي 69 الف نسمة، فيما تضم الاغوار الشمالية 12 تجمع سكاني ثابت بالاضافة الى 20 تجمع لمضارب البدو ويبلغ عدد سكانها حتى منتصف العام الحالي حوالي 6000 نسمة  .

اهمية الموقع

وتتمثل اهمية الاغوار الشمالية بانها سلة غذاء الضفة الغربية من الخضار والفاكهه كون أراضيها الزراعية من اخصب الاراضي في فلسطين ، وأغلب مزروعاتها هي مروية نظرا لتوافر المياه طوال العام ، خاصة انها جزء من اكبر حوض مائي جوفي في فلسطين وهو" الحوض المائي الشرقي"، بالاضافة لمحاذاتها للحدود الاردنية والاراضي المحتله عام 1948 .

تقسيمات اوسلو

وتقسم محافظة طوباس وفق اتفاقية إوسلو الى مناطق "أ" وتشكل 11 % من المساحة الاجمالية وتشمل 8 تجمعات سكانية ثابته وهي " طوباس ، عقابا ، تياسير ، كشدٌه ، راس الفارعه ، مخيم الفارعه ، طمون ، ووادي الفارعه" ، ومناطق "ب" وتشكل 5 % من مساحة المحافظة  وتشمل تجمعيين سكانيين ثابتين هما " عاطوف والثغرة "  ، ومناطق "ج"وتشكل  84% من مساحة المحافظة ، وتشمل 12 تجمع سكاني ثابت وتشكل الاغوار الشمالية جزءاً منها وهي " واد المالح ، الفارسية ، حمصه ، الراس الاحمر ، الحديديه ، كردله ، بردله ، عين البيضا ، العقبه ، إبزيق ، سلحب ، يرزه " ، بالاضافة الى تجمعات المضارب البدوية الغير ثابته وتشمل  " حمامات المالح ، البرج ، الميته ، عين الحلوه ، إحمير ، خلة خضر ، عين الغزال ، الجوبيه ، الزعبي ، الدير ، تل الحمه ، حمصه الفوقا ، حمصه التحتا ، ذراع عواد ، خربة مكحول ، خربة السمره ، خربة الحديديه ، النبع ، أم الجمال ، ووادي الفاو " وجميعها تقع ضمن المناطق المصنفه "ج".

الاستيطان .. المعضلة الاكبر

بدء الاستيطان في الاغوار الشمالية منذ إحتلالها عام 1967 ، بسبب قربها من الحدود الاردنية ، وخصوبة اراضيها ووفرة مياهها وقربها من مدينة بيسان المحتله عام 1948  ، واقيمت أولى المستوطنات عام 1968 وهي مستوطنة "ميخولا " الزراعية ، وتصاعدت وتيرة الاستيطان بعد طرح مشروع "ألون" للسيطرة على الاغوار الفلسطينية ، حيث أقيمت 7 مستوطنات جديدة أغلبها ذو طابع زراعي وعسكري في آن واحد ، بالاضافة الى أقامة  3  بؤر أستيطانية جديدة خلال العامين الماضيين ، وتتوزع هذه المستوطنات على طول الحدود مع الاردن ضمن الخط الموازي لنهر الاردن ، بالاضافة الى الخط الثاني ضمن السفوح الشرقية للجبال المطله على الاغوار .

وتبلغ مساحة هذه المستوطنات ضمن حدودها حوالي 7518 دونم عدا عن المنطقة الحيوية "مناطق نفوذ " التي تحيط بها والتي يمنع على المزارعين الفلسطينين دخولها او البناء بها ، ويسكن هذه المستوطنات والبؤر حوالي 2000 مستوطن .

ويمثل النشاط الاقتصادي الاستيطاني اهمية كبيرة بالنسبة لدولة الاحتلال في هذه المنطقة ، لما تحويه من أراضي زراعيه خصبه بالاضافة الى مزارع الابقار الضخمه وعدد كبير من المصانع التي تعتمد على الانتاج الزراعي والحيواني في تصنيعها لا سيما الاعشاب الطبيه ، ويقدر حجم أرباح المستوطنين من خلال الاستثمار في الاغوار الشمالية بحوالي 650 مليون دولار سنويا وتقوم 3 شركات إستيطانية كبرى بتسويق الانتاج من هذه المستوطنات وهي "شركة عارفاه وشركة إغريسكو وشركة آدا فرش" ، في المقابل تخسر دولة فلسطين سنوياً حوالي 800 مليون دولار بسبب سيطرة الاحتلال على هذه المناطق .

القواعد العسكرية للسيطرة على ما تبقى

تنتشر القواعد العسكرية في كل اجزاء الاغوار الشمالية لتخلق حاله من التفكك بين التجمعات السكانية الفلسطينية سواء بينها او بين العالم الخارجي لتصبح عبارة عن معازل سكانية بالاضافة الى توفير الامن للمستوطنات والمستوطنين ، ويبلغ عدد القواعد العسكرية سبعة قواعد بمساحة إجمالية تبلغ 14395 دونم ، عدا عن المدى الحيوي لهذه القواعد والتي تعتبر مناطق عسكرية مغلقه بالكامل أمام الفلسطينيين .

ويتمثل خطر هذه القواعد في التدريبات العسكرية المنتظمة التي تجريها على مدار العام بين منازل وخيام المواطنين خاصة في مناطق المضارب البدوية ، حيث تقوم قوات الاحتلال بتوزيع أوامر بأخلاء البيوت والخيام من السكان قبل البدء بالمناورات والتي تستخدم فيها الذخيرة الحيه ، وهي جزء من الوسائل القمعيه التي تستخدمها دولة الاحتلال الآبرتهادية في سبيل طرد السكان من أماكن سكناهم تمهيدا لأعطائها للمستوطنين لاحقا .

ولا يتوقف خطر المناورات العسكرية عند انتهائها بل يتعداها الى ما بعد ذلك ، من خلال ما تخلفه ورائها من ذخائر حيه وقنابل وقذائف غير منفجره وعادة ما تنفجر إذا ما تم ملامستها خاصة من قبل رعاة الاغنام في المنطقة مثل ما حدث مؤخرا مع الشهيد "عدي نواجعه 17 عاما " عندما انفجر فيه لغم من مخلفات الاحتلال ، وهو واحد من ثمانية شهداء سقطوا نتيجة أنفجار ألغام وذخائر من مخلفات قوات الاحتلال الصهيوني .

ويمارس جنود الاحتلال شتى أنواع القهر والاذلال ضد المواطنين الفلسطينين من خلال ملاحقة رعاة الاغنام والمزارعين في المنطقة ومصادرة جرارات زراعية وتنكات المياه الخاصة بالسكان بالاضافة الى مصادرة الابقار والمواشي والحمير التي يستخدمها السكان للتنقل في منطقة لا يوجد بها بنى تحتيه تسهل على المواطنين حياتهم اليومية ، وتقوم قوات الاحتلال من خلال القواعد العسكرية بطرح ما يتم مصادرته بالمزاد العلني او فرض غرامه ماليه باهظه لمن يود من المواطنين إسترداد حاجاته المصادره .

إعتداءات المستوطنين مسلسل لا ينتهي

تتواصل إعتداءات عصابات المستوطنين في الاغوار الشمالية بشكل يومي ، تحت مرآى ومسمع وحماية جنود الاحتلال وغالبا ما يكونوا جزءاً من هذه الاعتداءات ، والتي تشمل طرد الرعاه والمزارعين من اراضيهم ومصادرة المواشي والجرارات الزراعية والسيارات ، بالاضافة الى الاعتداءات الجسدية بشكل مباشر، بغية أفراغ الارض من سكانها لتكون للمستوطنين من بعدهم ، فأصحاب الارض الفعليين محرومين من استعمال هذه الاراضي الشاسعه فيما عصابات المستوطنين الغرباء يستبيحون الارض والحجر والبشر ويتصرفون كانهم مالكيها .

وتتكامل إعتداءات المستوطنين مع إجراءات جيش الاحتلال في الاغوار الشمالية من أغلاق لمساحات شاسعه بحجة انها مناطق عسكرية للتدريبات التي يجريها في المنطقة أو مناطق طبيعية يحظر البناء أو الرعي فيها ، وتمهد هذه القرارات فيما بعد لتسريب هذه الاراضي الى المستوطنين من اجل بناء بؤر جديدة أو لتكون مناطق رعي خاصة بهم بعيدا عن الرعاة الفلسطينيين، وهذا ما تم فعلا حيث أنشئت 3 بؤر أستيطانية في مناطق صدرت اوامر عسكرية بعدم الدخول أليها لأسباب عسكرية او حماية للطبيعة وفيما بعد تم إعطائها للمستوطنين لتنفيذ مخططاتهم ، خاصة بعد مصادقة الكنيست الاسرائيلي على قانون تسوية الاراضي والذي يتيح للمستوطنين مصادرة اراضي الفلسطينيين حتى وأن كانت خاصة .

الحواجز العسكرية قتل للوقت والارض

يوجد في الاغوار الشمالية حاجزان عسكريان دائمان هما "حاجز الحمرا " الذي يوصل الاغوار الشمالية بمحافظتي اريحا ونابلس ، "وحاجز تياسير" الذي يقع على بعد 10كم من مدينة طوباس والذي يفصلها عن الخرب والتجمعات البدوية في الشرق ، وأقيم هذان الحاجزان منذ بداية الانتفاضة الثانية قبل 17 عاما .

ويمثل هذان الحاجزان المعاناة اليومية والسلطة القهرية التي يمارسها الاحتلال ضد السكان بشكل يومي ، والذي يتعمد أغلاق الحاجزان في الفترة الصباحية اثناء خروج الموظفين والطلاب والمزارعين الى إعمالهم مما يتسبب بحدوث ازمات مرورية خانقة تمتد لساعات طويلة في ظل اجواء حارة ، مما يؤدي الى تأخر المواطنين في الوصول الى اعمالهم ، بالاضافة الى مماراست الجنود على الحواجز من الضرب والاهانة والتفتيش المذل للمواطنين ، ومنعهم من أدخال بعض المواد التموينية ، بالاضافة الى بعض الاسمدة والمبيدات والادوات الزراعية  والخلايا الشمسية تحت ذرائع أمنية واهيه.

وتهدف سلطات الاحتلال الى تقطيع أواصل الصلة بين بلدات وقرى الاغوار الشمالية لتنغيص على حياة المواطنين لاجبارهم على ترك أرضهم  والرحيل عنها ، بالاضافة الى عزلها عن باقي مدن ومحافظات الضفة الغربية .

أضافة الى ذلك تغلق قوات الاحتلال بوجه الفلسطينين المعبر الوحيد الواصل ما بين الاغوار الشمالية والاراضي المحتله عام 1948 وهو حاجز "بيسان العسكري" أو ما يعرف بحاجز بردله ، ويضطر المزارعين الفلسطينين الى سلوك طرق طويلة بهدف تصدير منتوجاتهم وبيعها سواء داخل اراضي عام 1948 ، أو تصديرها للخارج وهذا يزيد من تكلفة التسويق الزراعي و يكبد المزارعين خسائر مادية كبيرة في ظل ضعف المنافسة التجارية مع التاجر الاسرائيلي ، خاصة ان سلوك طرق بديلة وطويلة في ظل اجواء شديدة الحرارة قد يؤدي إلى اتلاف المنتوجات الزراعية قبل وصولها الى الاسواق لبيعها.

تعطيش الاغوار.. جريمة ضد الانسانية  

تعتبر منطقة الاغوار الشمالية ضمن الحوض المائي الشرقي الاكبر في فلسطين ، ورغم ذلك تسيطر أسرائيل على 85% من مياه الاغوار الشمالية فيما يتحكم الفلسطينيون ب15% المتبقية ، وتشير الارقام ان معدل أستهلاك المستوطن القاطن في الاغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني .

ولا تسمح سلطات الاحتلال بأعطاء تراخيص لحفر آبار مياه للفلسطينين مهما كان عمقه بينما تقوم شركة "ميكروت" موزع المياه الاسرائيلي في الضفة الغربية بحفر الابار التي يصل بعضها الى عمق 100 متر بغية تزويد المستوطنات والمزارع التابعه لها بالمياه طوال العام ، وقد ادت هذه السياسة الى تجفيف عشرات الابار والينابيع المنتشرة في المنطقة بفعل هذه الآبار العميقه يذكر أن عدد الابار الموجودة في الاغوار الشمالية هو 10 آبار والذي يعمل منها هو بئر واحد فقط، و تسعى أسرائيل من خلالها الى تدمير ابسط مقومات الوجود الانساني في المنطقة بهدف الضغط على السكان من اجل الرحيل ، خاصة ان هذه المنطقة تعتمد على الزراعة المروية كمصدر رزق اساسي لهم ، ويلجأ السكان في الاغوار الشمالية الى شراء صهاريج المياه بأسعار خيالية ويصل سعر الصهريج 3 كوب الى 120 شيكل ، وغالبا ما يقوم جيش الاحتلال بملاحقة هذه الصهاريج ومصادرتها وفرض غرامات مالية كبيرة تحت حجج وذرائع امنية واهيه ، ومؤخرا قامت سلطات الاحتلال بأغلاق عشرات فتحات المياه وتدمير مئات الامتار من خطوط المياه بأدعاء انها غير مرخصة في مناطق خاضعه للسيطرة الامنية الاسرائيلية ، مما تسبب بازمة مائيه خانقه في ظل الاجواء الصيفية الحاره .

هدم البيوت والمنشأت

هدمت قوات الاحتلال الصهيوني في محافظة طوباس منذ عام 2009 وحتى الان حوالي 350 بيتاً و719 منشأة ، بينها 41 بيت و100منشأة في العام 2016 الماضي ، بينما هدمت منذ بداية العام الحالي وحتى الان 4 بيوت و18 منشأة ما بين حيوانية وزراعية وخدماتية ، وتتذرع قوات الاحتلال بحجج واهيه منها المناطق العسكرية المغلقة بحجة التدريبات العسكرية وقربها من معسكرات الجيش الاسرائيلي ، بالاضافة الى مناطق المحميات الطبيعية والتي يحظر البناء والرعي فيها ، والحجة الجاهزه لكل زمان ومكان انها مناطق "C " ، يحظر على الفلسطيني البناء بها الا بعد موافقة اسرائيلية .

والغريب بالامر ان جميع المناطق التي يحظر على الفلسطينين البناء بها ، يسمح للمستوطنين البناء فيها واقامة البؤر الاستيطانية والرعي بها، على الرغم أنها تصنف كمناطق طبيعية ومحميات كما حصل في خربتي الحمه والمزوقح في الاغوار الشمالية حيث أنشئت بؤرتين أستيطانيتين جديدتين فيها ، وتسعى قوات الاحتلال من خلال سياسة هدم البيوت الى ترحيل السكان واجبارهم على ترك إراضيهم لصالح التوسع الاستيطاني ، وتجميع السكان في تجمعات سكانية محدودة المساحة ، ومن اجل ذلك ترفض سلطات الاحتلال الموافقة على عمل مخططات هيكلية جديدة للتجمعات السكانية الفلسطينية في الاغوار الشمالية أو توسيع القائم منها فعليا ، وأدت هذه السياسة الى تهجير سكان خربتي الرواق وحمصه بشكل كلي ، فيما تم تهجير جزئي لبعض الخرب منها " خلة مكحول ، خلة جديعه ، خربة أم قطن ، خربة الحديدية " ، فيما سلمت قوات الاحتلال منذ بداية العام الجاري ما يزيد عن 120 أخطارا بالهدم والترحيل في تجمعات الاغوار الشمالية والتي تنتظر تنفيذها في اي وقت .