غزة ضحية موقعها الجغرافي ..إلياس سحاب

السبت 14 أكتوبر 2017 06:42 م / بتوقيت القدس +2GMT



نبدأ فنقول، إن فلسطين كلها كانت وما زالت ضحية موقعها الجغرافي، لأنها البلد الذي يشكل حلقة الوصل بين قارتي آسيا وإفريقيا، فهي بذلك تشكل الجسر الذي يصل بلدان المغرب العربي في شمال إفريقيا، ومصر، ببلدان المشرق العربي.

هذا الموقع الجغرافي هو الذي جعل الدول الاستعمارية الكبرى، تختار فلسطين لتحولها من جسر بين مصر والمشرق العربي، إلى حاجز جغرافي يفصل ما بين مصر وبقية بلدان المشرق العربي بعد إقامة «إسرائيل». كان ذلك في أعقاب حملة محمد علي العربية الناجحة ضد الإمبراطورية العثمانية، وصولاً إلى تخوم الأستانا، وهو الخطر الاستراتيجي الذي تدخلت كل من فرنسا وبريطانيا لوقفه، ثم بدأت تفكر ملياً في طريقة لعدم احتمال تكراره مرة جديدة، فولد بذلك في الدوائر الاستعمارية الغربية أولاً، مشروع استعمار فلسطين وتحويلها إلى وطن قومي لليهود منذ منتصف القرن التاسع عشر، وأقنعوا به الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، التي كانت محتارة بين الأرجنتين وشرق إفريقيا، لاختيار موقع لتحقيق فكرتها عن الوطن القومي.
هذا الموقع الاستراتيجي الخطير الذي تحول إلى نقمة تاريخية على فلسطين العربية، تحول بعد إقامة «إسرائيل» على أرض فلسطين في العام 1948، على موقع خاص في فلسطين، هو قطاع غزة، الذي يقع في القلب بالذات من ذلك الجسر الواصل بين قارتي آسيا وإفريقيا من جهة، والواصل بالتالي بين مصر، الدولة العربية المركزية، وسائر أرجاء المشرق العربي.
فمنذ العام 1948 وحتى العام 1967، ظل قطاع غزة أشد المواقع حساسية في الصراع المرير بين مصر عبدالناصر، و «اسرائيل»، خاصة في العام 1956، الذي كان أعظم أعوام العرب في ذلك الصراع، عندما قاد عبدالناصر ركيزة مشروع النهوض القومي العربي، بتأميم مصر لقناة السويس.
لكن قطاع غزة عرف بين 1956 و1967 لحظة تاريخية في التاريخ المرير لهذا الصراع الذي ما زال قائماً حتى يومنا هذا، بحالة الرعاية الخاصة التي منحها عبدالناصر لقطاع غزة، فأصبح كل أولاد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين خريجي الجامعات المصرية، بعد الدراسة المجانية، كما تحولت غزة إلى ما يشبه السوق الحرة، لمصر التي كانت ترسخ تحت تشديدات النظام الاقتصادي الموجه.
لكن النكبة الثانية ما لبثت أن وقعت في العام 1967، لرفض عبدالناصر الانصياع لمشاريع الولايات المتحدة خاصة في ولاية رئيسها الأسبق جونسون.
ومنذ العام 1967، وحتى يومنا هذا، وقطاع غزة يدفع أغلى الضرائب السياسية والاقتصادية وأفدحها، لوقوعه مجدداً تحت نير الاحتلال «الإسرائيلي». وقد وصلت هذه الأمور في العام الحالي إلى قعر لا قعر له، فأصبحت غزة من المواقع ذات النسبة الأعلى في ظاهرة الانتحار، وفي ظاهرة هجرة الأطباء منها، وأصبح قطاع غزة من العام 2017 وقبله، وفقاً لتقارير المنظمات الدولية، موقعاً غير صالح للعيش بعد ثلاث سنوات، أي في العام 2020، وذلك بعد أن أصبح قطاع غزة، ضيق المساحة الجغرافية أصلاً، وشحيح الموارد الاقتصادية في حالة الرخاء، واقعاً تحت حصار ثلاثي: «إسرائيلي» وفلسطيني (من قبل سلطة رام الله).
غير أنه في هذه الأيام، ظهرت بوادر تعد بشيء من الإيجابية في قطاع غزة، يتقدم خطوات المصالحة الفلسطينية، المفترض أن تنهي المقاطعة الفلسطينية لقطاع غزة، وبالتالي إعادة فتح معبر رفح.
لكن التحليل السياسي من وجهة نظر أخرى ربما يقودنا إلى نتائج عكسية، فتلك المصالة ليست في حقيقتها خطوة لتصليب الموقع الفلسطيني في مجال الصراع لفرض الحل العادل والشامل لقضية غزة، أولاً، ثم قضية فلسطين ثانياً. لكن بدلاً من ذلك، تبدو في الأفق هجمة أمريكية يقودها الرئيس ترامب، لفرض تسوية سريعة على مجمل الصراع العربي-«الإسرائيلي»، ليس لتحقيق المصالح العربية في هذا الصراع، وإعادة جميع أهل فلسطين إلى بلدهم الأصلي، يتمتعون فيه بحرياتهم السياسية وتحقيق مصيرهم في أرض بلدهم، لكنها في حقيقة الأمر تسوية باتجاه تصفية القضية الفلسطينية نهائياً.
إنها الكأس المرة التي كتب على فلسطين كلها، وعلى قطاع غزة بشكل خاص تجرعه ، ثمناً لموقها الجغرافي بالغ الأهمية في الوصل والفصل بين قارتي آسيا وإفريقيا.
عن الخليج الاماراتية