لماذا قبلت «حماس» بالمصالحة؟ .. محمد ياغي

الجمعة 13 أكتوبر 2017 04:27 م / بتوقيت القدس +2GMT



رغم أن المواقف السياسية لكل من السلطة الفلسطينية وحركة "حماس" ما زالت متباعدة تجاه ملفات الصراع مع إسرائيل، موظفي "حماس" في غزة، انتخابات المجلس التشريعي والوطني، وآليات تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن قبول "حماس" بحل اللجنة الإدارية وتسليمها غزة للحكومة الفلسطينية في رام الله، يؤكد بأنها قد اتخذت قراراً إستراتيجياً بإنهاء الانقسام. 
على عكس الحوارات السابقة بين الحركتين، "فتح" و"حماس"، والتي استهدفت في السابق تثبيت كل طرف لمواقفه السياسية دون تقديم تنازلات تؤدي لإنهاء الانقسام، الحوار الحالي في مصر يهدف من جانب "حماس" الى الحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب التنظيمية المتعلقة تحديداً بملفات موظفيها في القطاعين المدني والأمني. 
هذا لا يعني بأن "حماس" على استعداد لتسليم غزة للسلطة في رام الله بدون مقابل، ولكنه يعني بأنها حسمت خياراتها باتجاه إنهاء الانقسام وإعادة السلطة في غزة للضفة الغربية حتى لو لم تتمكن من تحقيق كامل مطالبها. 
العقبة الوحيدة التي يمكنها أن تفشل الاتفاق هو في حالة إصرار رام الله على طرح موضوع إخضاع سلاح كتائب القسام لسلطتها لأن هذا يعني أن إستراتيجية "حماس" الجديدة، والتي سأوضحها في الفقرات اللاحقة، غير قابلة للتحقيق، وبالتالي لا ضرورة لتقديم أية تنازلات للسلطة في الضفة. 
السؤال المهم هو ما الذي تغير لدى "حماس" حتى تقبل بمصالحة لا تلبي جميع مطالبها في الوقت الذي لم تتغير فيه مواقف مصر والسلطة الفلسطينية والرباعية الدولية؟ 
مواقف القيادة المصرية ما زالت على حالها. هى ما زالت تريد المفاوضات السياسية كخيار إستراتيجي لحل الصراع بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل. وهي ما زالت ترى "حماس" جزءا من حركة الإخوان المسلمين وخطراً عليها. وهي ما زالت مستمرة في سعيها لإنهاء أنفاق غزة. وهي تريد التعامل في مسألة معبر رفح مع السلطة في رام الله.
مواقف السلطة الفلسطينية أيضاً لم تتغير. المفاوضات ما زالت خيارها الإستراتيجي، تسليم غزة لحكومة رام الله وتمكينها الفعلي من العمل في غزة. تشغيل معبر رفح من خلال الحرس الرئاسي، والذهاب لانتخابات تشريعية ورئاسية. وجود سلاح واحد ومع السلطة وحدها.
الرباعية الدولية ما زالت تشترط قبول "حماس" بنبذ العنف، الاعتراف بإسرائيل، وقبول قرار 242 والمفاوضات السياسية، قبل قبول "حماس" شريكاً في أي عملية سياسية. 
البعض يذهب الى القول بأن الحصار الخانق على غزة قد أوصل "حماس" الى قبول ما كانت ترفضه من قبل. 
والبعض الآخر يقول بأن "حماس" قبلت بالمصالحة لأنها تريد تحسين علاقاتها مع مصر خصوصاً بعد أن شددت مصر الخناق على حركة "حماس" بعد اعتبارها جماعة الإخوان المسلمين حركة إرهابية. 
أختلف مع هؤلاء. 
لا الضغوط الناتجة عن حصار غزة على فظاعتها، ولا العلاقة مع مصر على أهميتها هي ما دفع "حماس" لتسليم غزة للسلطة. 
المتغيرات الحقيقية حدثت في داخل حركة "حماس" وهي أفضت بدورها الى تغيرات إستراتيجية في رؤيتها للصراع مع إسرائيل كان من نتائجها أن التخلي عن غزة يخدم إستراتيجيتها الجديدة.
المتغيرات هي وصول قادة عسكريين الى رأس الهرم السياسي في حركة "حماس": يحيى السنوار في غزة، وصالح العاروري في الضفة، وبالتالي، تحكم جناح القسام المسلح بالقرار السياسي في الحركة. 
القادة الجدد يدركون ثلاث حقائق: 
أولها أن غزة محررة وأن إسرائيل لا تستطيع إعادة احتلالها أو نزع سلاح "حماس" منها بدون حرب طاحنة لا يجرؤ الاحتلال على دفع أثمانها البشرية. 
ثانيها، أن خيار إسرائيل المفضل هو افتعال حروب محدودة مع "حماس" بهدف إضعافها مثلما حدث في السنوات العشر الأخيرة. 
مخاوف "حماس" تكمن في أن المزيد من الحروب على غزة لا يتسبب فقط في زيادة معاناة أهل غزة، ولكن في إضعاف الحاضنة الشعبية لها. 
الأهم من ذلك، هذا النوع من الحروب مفروض عليها وهو لا يضيف لمشروعها "المقاوم" في التحرير بل يتسبب في تأخيره بسبب اضطرارها للتعامل مع ما تخلفه كل حرب من دمار للبنى التحتية والإنسانية.
"حماس" باختصار، لا تريد حرباً جديدة مع إسرائيل وتسعى لتجنبها بكل الطرق الممكنة وبما لا يتسبب في نفس الوقت في إضعاف جناحها العسكري. 
وثالث قناعات هؤلاء القادة أنهم يدركون بأن الصراع الحقيقي مع الاحتلال هو حول الضفة بما فيها القدس الشرقية، وليس حول غزة. 
مصير غزة تم حسمه بانسحاب إسرائيل منها وبوجود عشرات الآلاف من المسلحين الذين لن يمكنوا إسرائيل من العودة لها. لكن مستقبل الضفة هو المجهول بفعل الاستيطان، والتهويد، ورفض إسرائيل للقبول بأية تسوية مع السلطة الفلسطينية رغم كل المحاولات التي تبذلها الأخيرة لجعل التفاوض ممكناً ومثمراً.
التغيير في قيادة "حماس" باتجاه وصول قادة عسكريين الى مفاصل القرار السياسي فيها، وإدراك هؤلاء لهذه الحقائق الثلاث أفضى الى وضع إستراتيجية جديدة لدى "حماس" عناوينها: تجنيب غزة حروباً جديدة والتركيز على تفعيل المقاومة في الضفة.
فرص تجنيب غزة حروباً جديدة في تقدير قادة "حماس" الجدد أكبر بكثير عندما تكون السلطة في رام الله هي من يدير غزة ويتحمل مسؤوليتها. 
هذا لا يعني بأن إسرائيل ستتوقف عن محاولة إضعاف "حماس" في غزة إرضاءً للسلطة الفلسطينية. إسرائيل لا يهمها سلطة رام الله، لكن الحرب المفتوحة عليها كما حدث في الأعوام 2007، أواخر العام 2008، والعام 2012، ستكون أقل احتمالاً لأن السلطة الفلسطينية هي من سيتحمل مسؤولية ضبط الحدود وهي الطرف الذي سيحتك مباشرة مع إسرائيل، وهي فوق ذلك تتمتع باعتراف دولي وإقليمي. 
لتمكين السلطة من القيام بمهمتها، وهي تجنيب غزة حروباً جديدة، "حماس" ستستمر في وقف أي أعمال عسكرية من جانبها ضد إسرائيل من غزة. 
العنوان الثاني في إستراتيجية "حماس" هو التركيز على المقاومة في الضفة. 
ليس بالضرورة أن يعني ذلك عمليات عسكرية في الضفة الغربية في وقت قريب، ولكن جهود "حماس" ستتركز على بناء أو إعادة بناء تنظيمها المسلح في الضفة باعتبارها ساحة المواجهة الحقيقية لأنها الجزء من فلسطين الذي يريد الاحتلال تكريس سيطرته عليه.
إنهاء حصار غزة، بالتالي، والتخلص من المسؤولية الخدمية التي تتحملها "حماس" اليوم والتي ترهق ميزانيتها وتضعف من شعبيتها هي تحصيل حاصل لهذه الإستراتيجية الجديدة، وليس هدفها الأول، لأنها لو كانت كذلك، لكانت "حماس" قد قبلت بتسليم غزة للسلطة في رام الله منذ وقت طويل.
كما نلاحظ، الأسباب التي تدفع "حماس" للتخلي عن سلطتها في غزة تأتي من التغير الحاصل في قيادتها ومن فهم هؤلاء لعناوين المرحلة القادمة. 
قد يتساءل البعض، وهل كان خالد مشعل وفريقه السياسي جاهلا لهذه الحقائق؟
الجواب بالطبع لا. لكن عندما تكون القيادة السياسية في الخارج فهي أكثر عُرضة وقبولاً للضغوط الخارجية، وهو ما شاهدناه عندما قرر "مشعل" سحب "حماس" من سورية، ليس لأن الأخيرة ضيقت الخناق عليه، أو لأن مبادئ "حماس" هي الوقوف مع الشعوب المقهورة، ولكن لأن دولاً أخرى طلبت منه ذلك حتى تتمكن من توصيف الصراع في سورية بشكل طائفي (شيعة مقابل سنة). 
لو كانت المسألة تتعلق بالمبادئ، لكان موقف قيادة "مشعل" من حرب اليمن مختلفاً. أقله الدعوة لوقف الحرب والذهاب الى الحوار وليس مناصرة فريق على فريق في بلد معدم ومؤيد للشعب الفلسطيني بكل طوائفه.
اليوم، قيادة "حماس" بين شعبها وهي من الفريق العسكري في الحركة، وهي بالتالي أقل عرضة لضغوط الدول الخارجية وأولوياتها هي إحداث نقلة سياسية تعزز من جناحها المسلح. 
قرار "حماس" بإعادة غزة للسلطة في رام الله، هو في تقديري، قرار إستراتيجي من قبل قادتها الجدد. وحده الإصرار على إخضاع جناحها المسلح للسلطة الفلسطينية هو ما قد يتسبب في تغير موقفها، لأن هذا يعني أن إستراتيجيتها الجديدة، غير قابلة للتنفيذ.