مسيرة «نساء يصنعن السلام»: إشكالية توصيفات الاشتباك..أشرف العجرمي

الأربعاء 11 أكتوبر 2017 01:34 م / بتوقيت القدس +2GMT
مسيرة «نساء يصنعن السلام»: إشكالية توصيفات الاشتباك..أشرف العجرمي



مثل كثير من الأشياء التي تستقطب الاهتمام في الساحة الفلسطينية، حظيت المسيرة الكبيرة لحركة إسرائيلية نسوية باسم «نساء يصنعن السلام» بمشاركة فلسطينية رمزية، في يوم الأحد الماضي، بكثير من الإثارة والجدل واللغط، وغالبية ردود الفعل كانت شاجبة ومستنكرة ورافضة لهذه المسيرة وبالذات المشاركة الفلسطينية فيها باعتبارها نشاطاً «تطبيعياً» مرفوضاً. والعادة الفلسطينية الجديدة هي الهجوم قبل الاستفسار وفهم حقيقة ما يجري، فيكفي أن تستخدم عبارة «تطبيع» حتى تغطي على كل شيء آخر، وكأننا اتفقنا على مفهوم التطبيع والفرق بينه وبين الكفاح الفلسطيني على جبهة الرأي العام الإسرائيلي ومع حلفائنا المؤيدين للسلام ولحقوق الشعب الفلسطيني.

في الحقيقة، كانت المسيرة النسوية الكبرى التي شاركت فيها حوالي 30 ألف امرأة مميزة من حيث الحجم والتنظيم، ونالت اهتمام وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية وتمت تغطيتها وتغطية الكلمات التي قيلت فيها بصورة واسعة ليس فقط في وسائل الإعلام التقليدية، بل كان الأهم هو التغطية والانتشار الواسع في شبكات التواصل الاجتماعي. وكان لكلمة الرئيس أبو مازن التي خاطب فيها جمهور النساء الإسرائيليات ومن خلالهن الجمهور الإسرائيلي صدى إيجابي كبير. ويمكن القول إن المسيرة تمثل إنجازاً لكل الراغبين في السلام وبالتأكيد هي لمصلحة شعبنا أكبر المتضررين من الاحتلال الإسرائيلي والصراع القائم منذ عقود.
والمشكلة في كثير من التعليقات الفلسطينية في وصف الحدث أنها تتجاهل الموقف الفلسطيني الرسمي الذي تبنته منظمة التحرير والذي يؤيد الحوار مع الإسرائيليين خصوصاً أولئك الذين يؤيدون السلام. وهنا لا بد من طرح الأسئلة التي تواجهنا يومياً: ألا نشكو جميعاً من انزياح الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين؟ أليس هذا التحول هو بسبب هيمنة الخطاب اليميني على وسائل الإعلام وعلى مساحات وفضاءات واسعة من الأدوات المؤثرة على الرأي العام؟ أليس هذا أيضاً بسبب غياب الرواية الفلسطينية وضعف رواية اليسار الإسرائيلي الحقيقي وعدم استماع  الجمهور الإسرائيلي له باعتباره لا يعبر عن موقف ورغبة فلسطينيين حقيقيين في التوصل إلى سلام؟
وهنا نتساءل: ما الضرر الذي لحق بالقضية الفلسطينية وبنضال شعبنا من أجل انهاء الاحتلال في وجود مسيرة هي الأضخم منذ فترة طويلة تطالب بالسلام وانهاء الصراع، وتتلى فيها كلمة الرئيس الذي يؤكد فيها على حقوق شعبنا وأهمية إنهاء الاحتلال وحل الدولتين ووقف دوامة الصراع للتوصل إلى سلام عادل؟ وماذا نريد حقاً من الإسرائيليين غير أن يضغطوا على حكومتهم لتذهب نحو تسوية سياسية تنهي معاناة الشعب الفلسطيني وتعيد له حقوقه المسلوبة؟ ثم أين «التطبيع» وما هو هذا المفهوم التي أصبح وصمة يمكن أن تلحق باي شخص دون تمييز لما يقوم به إذا كان يتماشى مع الموقف الرسمي أو يخالفه وإذا كان يخدم القضية أو يضر بها؟
لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي أقيمت بقرار من القيادة الفلسطينية في الرابع من كانون الثاني من العام 2012، لحاجة وطنية فلسطينية، وهي جاءت بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بدولة فلسطين كعضو مراقب، والهدف من إنشائها كان ولا يزال التأثير على الرأي العام الإسرائيلي المسيطر عليه تماماً من قبل اليمين المتطرف في إسرائيل لجهة دعم فكرة حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 والمبادرة العربية للسلام. وقد حققت اللجنة انجازات كبيرة في مجالات مختلفة منها على سبيل المثال اقناع حوالي عدد كبير من الشخصيات الإسرائيلية يتجاوز الألف شخصية بإرسال رسالة إلى البرلمانات الأوروبية والدولية تطالبهم بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، ورسالة أخرى بتأييد مؤتمر باريس للسلام الذي رفضت نتائجه الحكومة الإسرائيلية والذي شاركت فيه 70 دولة، ورسالة ثالثة تطالب الإدارة الأميركية بعدم نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ولها انجازات على مستوى إحداث تغيير في موقف شخصيات إسرائيلية كثيرة باتت تفهم أكثر الموقف الفلسطيني وتؤيده، وانعكس جزء من نشاط اللجنة في اللقاءات التي كانت تعقدها شخصيات إسرائيلية مع السلك الدبلوماسي الدولي تطالب بالضغط على حكومة إسرائيل لوقف الاستيطان والذهاب نحو التسوية السياسية العادلة على قاعدة المرجعيات الدولية المتفق عليها.
أليس المتهمون بالتطبيع وعلى رأسهم الرئيس أبو مازن من يخوضون النضال في المحافل والمؤسسات الدولية لعزل إسرائيل  ومحاصرتها لدفعها للانصياع إلى صوت العقل والمنطق والاستجابة لرغبة الشعوب والمجتمع الدولي في السلام القائم على الحق؟ وأليس هؤلاء هم الذين يتعرضون للهجوم والانتقاد الإسرائيلي اليومي ويتهمون بالتحريض وترفع ضدهم قضايا تعويض على التسبب في مقتل إسرائيليين؟ ثم من الذي يدافع عن المال العام الفلسطيني في وجه الحملات الإسرائيلية بما فيها قضايا التعويض، أليس هؤلاء المتهمون بالتطبيع والخروج عن الصف الوطني؟!!
للأسف أحياناً يقودنا خبر نشر في موقع إسرائيلي حتى لو كان يمثل تزويراً لموقف أو رواية لننسى تاريخ الناس ونضالاتها السابقة والقائمة ليبدأ هجوم لا يتوقف عند حد، ولا يمثل فقط تجنياً على الحقيقة بل يصل إلى مستوى من السباب والشتائم والألفاظ البذيئة التي لا تمت بصلة لا لأخلاق شعبنا ولا لأي حوار حضاري عقلاني يهدف إلى الوصول إلى ما يحقق المصلحة الوطنية. فهذه ليست تصفية حساب مع أحد بل هي دعوة للتدقيق والتحقق في كل ما قيل أو لم يُقَل، والتفكير ملياً في أي موقف نطلقه فماذا نريد وما الذي نسعى إليه، وعلينا التمييز بين «التطبيع» الذي يهدف إلى شرعنة الاحتلال والتعامل معه باعتباره أمراً طبيعياً ونتكيف معه، وبين الكفاح ضد هذا الاحتلال والاشتباك معه على كل الجبهات بما فيها الجبهة الإسرائيلية الداخلية. ولنتذكر بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية تحارب كل منظمات السلام الإسرائيلية وسنت القوانين لمحاصرتها وتجفيفها، وكذلك موقفها من لجنة التواصل ورئيسها الممنوع من دخول إسرائيل.