مصر والمصالحة الفلسطينية ..د. أحمد جميل عزم

الأربعاء 04 أكتوبر 2017 07:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
مصر والمصالحة الفلسطينية ..د. أحمد جميل عزم



تتدخل مصر على ما يبدو هذه المرة في المصالحة الفلسطينية بطريقة تختلف عن المرات الفائتة، وبغض النظر عمّا إذا كان ما يجري مخططاً، أو تطور بطريقة غير مقصودة، فإنّ مصر لا تلعب دور وسيط ضامن للتنفيذ فيما يجري في غزة الآن، وحسب، ولكنها أيضاً دخلت بشكل أو آخر طرفاً في المعادلة، وصار لديها أوراق مؤثرة أكثر من الماضي، حتى إنْ لم تقصد ذلك، ومن هذه الأوراق محمد دحلان، فضلا عن أنّه صار لها مصلحة مختلفة نسبيّاً، تتعلق بسيناء، وأمنها، ومواجهة الدور الإقليمي لقطر.

كانت زيارات وفود "حماس" إلى مصر قبل ثلاثة أشهر مفاجئة لكثير من المراقبين، لكن دبلوماسيين دوليين وأجانب، كانوا يعرفون عن الزيارات منذ حين. وكانت أجندة اللقاءات من الزاوية المصرية نقطتين؛ الأولى أمنية، وتحديداً ما يتعلق بضبط أي تواجد أو مساعدة للإرهابيين في سيناء، في غزة أو منها، (دون أن يعني هذا أنّ "حماس" لها دور فيما يجري في سيناء)، كما أنّ حلحلة موضوع الحدود مع غزة يساعد في ضبط أمن سيناء لأنّه يعني عدم الحاجة لشبكات الأنفاق والتهريب والاقتصاد غير الرسمي الذي نشأ بسبب الحصار على غزة. والنقطة الثانية في الأجندة، كانت تنفيذ برامج مقترحة من دول ومنظمات دولية لحل مواضيع الكهرباء والماء وموضوعات حياتية أخرى. ولكنّ المصريين كانوا يريدون أن يأتي الطلب والمبادرة من قبل "حماس" في غزة، مع التأكد من آفاق موقف "حماس" من جماعة الإخوان المسلمين، خصوصاً المصريّة منها. 
حدثت الزيارات، وبرز فيها عامل آخر، ليس جديد تماماً، هو عامل محمد دحلان، المسؤول الأمني الفلسطيني السابق، والقيادي سابقاً أيضاً في حركة "فتح"، والذي يحاول تشكيل إطار يسميه "التيار الإصلاحي في حركة "فتح"". وعلاقة دحلان- "حماس"، وتجاوز خلافات الماضي، بدأت منذ سنوات، ودعمها قياديون في "حماس" مثل محمود الزّهار، وروحي مشتهى، وإسماعيل الأشقر، وصلاح البردويل، وأخذت في البداية شكل تأمين دحلان لمصادر مالية للأعراس الجماعية ومساعدة الفقراء والطلاب، لكن في حوارات هذا الصيف في القاهرة، برز دحلان باعتباره جزءا من عملية تسهيل مشاريع إقليمية لإنقاذ الوضع في قطاع غزة، مقابل فتح الباب له ولمساعديه للعودة للقطاع وحشد أنصار لتياره.
هناك مؤشرات أنّ المستوى السياسي في مصر، لا يدعم تماماً معادلة دحلان – حماس، كبديل للرئاسة الفلسطينية، حتى إنْ حصل دحلان على تسهيلات للعمل في مصر ومنها، وإن جرى تسهيل لقائه وتفاهماته مع "حماس"، وذلك لأنّ مصر كدولة تدرك أهمية الحفاظ على مكانة القيادة الرسمية الفلسطينية، وتدرك أنّ المعادلة الفلسطينية أوسع كثيراً من مجرد قطاع غزة، وأنّه دون تفاهمات رام الله- غزة، يصعب حل المشكلات في غزة، فضلا عن أنّ القاهرة لن تدعم دولة إخوانية في غزة، ذات علاقة مميزة مع الدوحة، ذات العلاقة الوثيقة مع "الإخوان المسلمين" المصريين. 
بات ممكنا ترتيب الشق الأمني في غزة بين "حماس" والقاهرة، مع الضمانات والإجراءات التي قامت بها "حماس" لمنع أي تحرك لما يسمى جماعات "السلفية الجهادية" الناشطة في مصر، من غزة أو إليها، ومع إعادة تعريف علاقتها بالإخوان المسلمين. لكن موضوع حلّ الأزمات الحياتية لا يمكن أن يتم دون الرئيس محمود عباس، ودون تفاهمات مع الطرف الإسرائيلي، وأطراف أخرى. 
تدرك الرئاسة الفلسطينية الآن أنّ التراجع في ملف المصالحة سيجر مشكلات مع القاهرة، واحدة منها دعم محمد دحلان. وتدرك "حماس" أنّه لا حل للوضع دون الموافقة المصرية. والقاهرة لا تريد أنّ تحدث حلحلة على قاعدة "الانقسام" بل ضمن إطار فلسطيني موحد، يضمن أيضاً استمرار "حماس" في نهج التغير السياسي باتجاه قبول التسويات السلمية، على غرار ما طرحته وثيقة الحركة، في شهر آيار (مايو) الفائت.
قررت مصر لعب دور الضامن والمشرف على تنفيذ الاتفاقيات حتى لا تتكرر سيناريوهات الاتفاقيات السابقة، ويساعدها في ذلك أنّ "حماس" تبدو جادة جداً في الذهاب لحل ما، وأنّ ترتيب وضع قطاع غزة، يساعد في ملفات إقليمية مختلفة، منها تقليل أدوار قطر وتركيا وإيران الإقليمية، وتساعد على تشجيع المزيد من التحولات في بنى وأفكار حركة "حماس".

عن الغد الأردنية