حماس في الطريق للمصالحة الداخلية أم نفض اليد من مسؤولية الحكم؟

الخميس 21 سبتمبر 2017 06:39 م / بتوقيت القدس +2GMT
حماس في الطريق للمصالحة الداخلية أم نفض اليد من مسؤولية الحكم؟



مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي / ترجمة اطلس للدراسات

إعلان قيادة حماس حل اللجنة الإدارية لقطاع غزة، والتي شكلت كخطوة ضد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قبل حوالي نصف عام؛ كان نتيجة تجمع ضغوطات وقيود على التنظيم من الداخل والخارج.

في بيانها أكدت حماس أنها استجابت للمجهود المصري من أجل التوصل إلى المصالحة الفلسطينية الداخلية، وسيما مبادئ التفاهمات التي تحققت بوساطة المخابرات المصرية: حل اللجنة الإدارية في قطاع غزة (ضرب من الحكومات البديلة)، وحكومة الوفاق الوطني الفلسطيني برئاسة رامي الحمد الله مدعوة فورًا إلى قطاع غزة للقيام بمهامها والتزاماتها، والموافقة على إجراء انتخابات عامة، والاستجابة لدعوة مصر للحوار مع حركة فتح حول تطبيق اتفاق القاهرة عام 2011، وتشكيل حكومة وحدة وطنية على أساس مشاركة الفصائل الفلسطينية الموقعة على الاتفاق، ورفع العقوبات التي فرضها عباس على القطاع.

الطريق إلى المصالحة ما تزال طويلة جدًا، ونذكر من بين الكثير من الأمور اتفاق مكة (فبراير 2007)، وإعلان صنعاء (أغسطس 2008) واتفاق القاهرة السابق (مايو 2011) وإعلان الدوحة (فبراير 2012) واتفاق الشاطئ 2014، والتي بالنسبة للتصريحات والإعلانات الاخرى كان من المفترض ان تكون أساسًا لجسر الهوة بين فتح وحماس، والضفة الغربية وقطاع غزة، وقد فشلت جميعها. لكن ورغم ان فرص حدوث ذلك قليلة، فليس مستبعدًا بأن الظروف الحالية قد تؤدي هذه المرة على وجه الخصوص إلى نتيجة أخرى.

من الناحية السلطوية العملية، حماس هي صاحبة السيادة على كل أمر وشأن في قطاع غزة، وعليه فإنها المسؤولة عن ضائقة السكان الوجودية الصعبة، عن البطالة المرتفعة والأزمة الانسانية. ومن حيث الساحة الإقليمية، تخوض حماس منذ وقت طويل معركة بقاء سياسي، بعد ان لم يبق من حولها سوى حلفاء إشكاليين: إيران، والتي قدرتها على المساعدة محدودة، تركيا وقطر. إعلان حماس ينسجم تمامًا مع التوجه الذي ميز طريقتها في العام الأخير بالبحث عن الشرعية على الساحات الفلسطينية والإقليمية والدولية؛ في هذا السياق المسؤولية السلطوية عن سكان قطاع غزة - إلى جانب المقاومة العسكرية والأيديولوجية لإسرائيل - لم تزدد إلا تعمقًا. وثيقة المبادئ التي نشرتها الحركة في مايو عبر عن اعتدال براغماتي مقارنة بالميثاق الأساسي 1988، وعدا عن ذلك فقد انتقل من التأكيد على الأيديولوجية الإسلامية/ الدينية إلى التأكيد على البيان السياسي/ الوطني، الوثيقة المستحدثة أريد منها تثبيت حماس كلاعب شرعي على الساحة الفلسطينية والدولية، وتمهيد الطريق أمام اصلاح العلاقات مع مصر. يبدو ان الأحداث الأخيرة المتعلقة بالعلاقات الداخلية على الساحة الفلسطينية يجب قراءتها أيضًا في هذا السياق.

في وقت الهبوط الداخلي والاستراتيجي، اضطرت حماس لأن تخضع لمطالب عباس بإعادة حكومة الوفاق الوطني إلى قطاع غزة من أجل تجديد التدفق الإيجابي للأموال؛ إلا ان العملية التي تقودها حماس تبقي عباس في معضلة صعبة، ولن نقول في فخ، إذ أنه ورغم كل الشكوك لو عادت الحكومة الفلسطينية إلى القطاع المحكوم عسكريًا من قبل حماس، فسيكون مطلوب منها تطبيق المسؤولية الثقيلة في إعمار القطاع والاهتمام بازدهار أمور مواطنيها بالطريقة التي من شأنها ان تحول الانتقادات الشعبية من حماس إليها، لكن عباس غير معني لا بالانتخابات العامة في هذا التوقيت ولا بضم حماس إلى مؤسسات منظمة التحرير انطلاقًا من روح اتفاقية القاهرة، إذا رفض الالتزام بما عليه من تفاهمات سيتهم بإفشال المصالحة ويثير حفيظة مصر.

بخصوص مصر، الضغط الكبير الذي مارسته على حماس لتفكك اللجنة الإدارية ولتعود إلى محادثات المصالحة نابع من دوافع ثلاثة: السعي إلى رجوعها لموقف ريادي في العالم العربي وموقف الوسيط في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، والرغبة في الإملاء على حماس كيفية تصرفها، وخشية ان تكون مدانة في العالم العربي بصفتها قد أغمضت عينيها في ظل المعاناة الفلسطينية في غزة.

حماس من جانبها خضعت لمطالب القاهرة الأمنية بشأن تأمين الحدود المشتركة، ووقف التعاون مع "داعش" وتسليم المطلوبين في سيناء، وإغلاق الأنفاق؛ بما في ذلك غير المستخدمة، وكذلك تموضع حرس الرئاسة التابع للسلطة الفلسطينية على معابر القطاع. توثيق العلاقة مع المصريين هو المفتاح لما هو مهم من منظور قيادات حماس أكثر من أي شيء في هذا الوقت: رواتب 35000 موظف سلطة حمساوي، والتي ستدفعها السلطة وفتح، معبر رفح لحركة الأفراد والبضائع، وفتحه بطريقة منتظمة، وكذلك تزويد الكهرباء بشكل منتظم من أجل التخفيف من الضائقة الإنسانية الصعبة في القطاع. في ذات الوقت حظيت مصر بعمل عباس على إنقاذ العلاقات معها لكي تبقى القاهرة مرساة عربية لخطواته الدبلوماسية المستقبلية، ستكون مصر بدءًا من الآن متدخلة بالفعل في تنفيذ أي اتفاق على الأرض.

في صفوف فتح يحتفلون بالنصر ("حماس جاءت وذيلها بين رجليها" قال أحد المسؤولين)، إذ ان الاتفاق اعتبر بالفعل نتيجة لتشديد العقوبات في الأشهر الأخيرة على قطاع غزة. حماس لن تتنازل عن ممتلكاتها الاستراتيجية الأكثر أهمية؛ قوتها العسكرية المستقلة وسيطرتها الأمنية على قطاع غزة، وبالتالي حكومة السلطة الفلسطينية ستكون خاضعة لنوايا حماس الطيبة، في هذه الظروف تنزع حماس عن نفسها المسؤولية المدنية عن سكان القطاع، وتنقل كامل العبء إلى السلطة دون ان تستطيع الأخيرة القيام بها، ونتيجة لذلك سيتآكل موقف عباس أكثر، وكذلك تتآكل شرعية الحكومة برئاسته. إضافة إلى ذلك، الرئيس عباس لن يسارع إلى تنفيذ المطالبة بإجراء الانتخابات العامة التي تكمن فيها فرص خسارة عالية للغاية، عدا عن ذلك فإن موافقته على مطالب حماس هي اعتراف علني بمكانتها المتعززة كشريك كامل، حتى إن كانت أصغر نسبيًا من فتح في الحكومة الفلسطينية.

منذ انتخاب يحيى السنوار لرئاسة حماس في غزة وإسماعيل هنية رئيسًا للمكتب السياسي، سلمت قيادة الحركة إلى سكان غزة الأصليين، وهم الأكثر حساسية بكثير لما يدور في القطاع ومعضلاته. وذلك على خلاف القيادة السابقة برئاسة خالد مشعل ابن الضفة الغربية، رغم ان المعارضة الأكثر تشددًا والتي يقودها خالد مشعل وصالح العاروري؛ تقود القيادة الحركة بيد واثقة إلى الاتجاهات التي تشير إلى تسريع خطوات المأسسة مع اليقظة لصوت الشارع، المكون العسكري وأنماط السلوك الإرهابي ما يزال موجودًا وبارزًا، غير أنه ملجوم في ظل الظروف التي يعمل فيها التنظيم، ويبدو ان الردع الإسرائيلي ضد محولات قلقلة الهدوء الأمني ما يزال ساريًا.

يبدو ان محمد دحلان - رغم ان اسمه لم يرد في بيان حماس - يعد له دور مركزي في العملية كمبعوث لمصر المتشككة تجاه حماس والامارات المتحدة بصفته من سيشرف على أموال الاعمار، ضم دحلان إلى الترتيب الجديد المخطط له من شأنه ان يخفف عن حماس، وعلى إسرائيل ان تسرع عملية إعمار القطاع. سيكون أكثر أريحية للطرفين التحرك من خلال دحلان.

بالنسبة لإسرائيل ليس لها تأثير حقيقي على الخطوات الحالية للمصالحة على الساحة الفلسطينية، وفي هذه المرحلة لا يجب ان تتدخل فيها، إسرائيل تسعى إلى ابقاء الردع أمام حماس ومنع وقوع جولة العنف القادمة أو على الاقل استبعادها قدر الإمكان. إلى جانب الخطوات الأمنية مثل بناء العائق الجديد على امتداد الحدود مع غزة، من المهم والصواب أخلاقيًا لإسرائيل ان تخفض قدر الإمكان الضائقة الإنسانية في قطاع غزة، والمساعدة في تحسين جودة حياة المواطنين وازدهارهم. في هذه المرحلة حيث لا يوجد تغيير على مواقف حماس السياسية، فهي ترفض الاعتراف بإسرائيل أو ترك سلاح "المقاومة" وأن تكون شريكًا كاملًا في الاتفاق القائم على أساس مبدأ حل الدولتين؛ لذلك المطلوب ان تضع إسرائيل من طرفها طلبًا بأن تكون خطوات إعمار قطاع غزة بشكل أشمل تكون مشاركة فيها مشروطة بالهدوء الأمني المتواصل ووقف تقوي حماس.

هناك من سيرى في بيان حماس والخطوات التي تقودها مصر صوب المصالحة الداخلية للفلسطينيين إنجازًا لسياسة عباس المتصلبة ومواقف فتح والسلطة، وآخرون - ومن بينهم كاتبو هذا المقال جميعًا - يتوقعون ان حماس ستناور جيدًا بما يتوافق مع مفاهيم القيادة الحالية وإقحام عباس والسلطة في فخ من العسل. وعلى أي حال، فرغم كل التشكك بشأن قدرة السلطة الفلسطينية على القيام بواجباتها في القطاع حسب التفاهمات، فإنها ما تزال الشريك الأكثر أريحية لإسرائيل لإعمار القطاع؛ ذلك انه أصبح لديها خبرة طويلة المدى في العمل المشترك في المجالات الأمنية والمدنية. إذا دعيت السلطة الفلسطينية للعودة إلى قطاع غزة ستكون إسرائيل بحاجة إلى التصرف بشكل غير رسمي مع حماس كما قامت بذلك عمليا في السنوات الأخيرة، المصلحة الإسرائيلية تستدعي المساعدة في إعمار القطاع وتسريع العملية مع بذل الجهد في ضم مصر والمصريين إلى نسيج العملية والمراقبة الشديدة على استخدام المواد الخام المدخلة إلى القطاع لغرض الإعمار.