الإخوان و الأمريكان و معركة السيـــــــــــادة ! محمـد الوحيدي

الثلاثاء 19 سبتمبر 2017 05:46 م / بتوقيت القدس +2GMT
الإخوان و الأمريكان و معركة السيـــــــــــادة ! محمـد الوحيدي



تطور الموقف الإخواني ، و موقف حركة حماس ، مر بعدة مراحل ، و يمكن أن نتذكر معاً بعض المفاصل التي أثرت بشكل أو بآخر في تعديلات ( النهج و الأداء ) لحماس ، بإعتبارها أحد أبرز ، و أوضح أوجه الجماعة ، فبدءاً من زيارة وفد حماس لإيران  في آب /  أغسطس  الماضي  للإحتفال بتنصيب روحاني ، بوفد رفيع برئاسة عزت الرشق ، ووجود خالد القدومي ممثل ( سفير )  مقيم  لحماس في طهران .

هذه الزيارة جاءت بعد إنتهاء ولاية خالد مشعل ، و الذي عرف أنه بأنه الأكثر حنكة ، و دراية بالسياسة ، و التكتيك ، و أنه البراغماتي الملس و الذي أنهى ولاياته بما يعرف بوثيقة حماس السياسية ، و التي جاءت تكراراً لبعض المواقف و التخريجات المتذاكية ، و إستخخدمت فيها مهارات تطويع الكلمات و الجمل ، و ألتي أعلن مشعل خلال مؤتمر إطلاقها في العاصمة القكرية عن ( عدم حرمة التفاوض ) و قرأ الأبجدية ذاتها ولكن بالمقلوب تارة ، و من اليسار إلى اليمين تارة أخرى ، إلا أن إيران كانت في أواخر عهده لا ترضى عنه أو عن مواقفه ، و سبق أن وبخته و رفضت إستقباله في آب أغسطس 2015 ..

و بالطبع جاء ذلك على إثر المواقف التي ظن مشعل أنه بها يكون سياسياً بارعاً ، و أن التذبذب و النقض هو عين الحصافة ، و رأس الدهاء في عالم السياسة ، فكان ما كان من مواقف مع سورية التي إحتضنته و رعت حركة حماس لعقود ، و زودتها بخلاف المأوى ، بكل التسهيلات و الدعم المادي و التسليح و المعلومات و غيرها ، ولكن الأخيرة إنقلبت عليها ، و إنحازت إلى صف الربيع الأمريكي  الأطلسي في المشرق العربي الذي عصف بالأنظمة الوطنية ( و إن كان بعضها يشوبه الفساد الإداري و المالي و غيره ) ، و جاءت بالإخوان ، فارضة معادلة جديدة ، على التركيبة المجتمعية ، و السياسية في الوطن العربي ، و متوافقة تماماً مع مخطط أراد رسم مشرق جديد ، يستوعب إسرائيل و يحميها ، بل يمكنها من التسيد و العربدة و السيطرة بنفوذ سياسي و إقتصادي و أمني لم يسبق له مثيل ، و يحقق المصالح الأمريكية في خلق منطقة عازلة بين الغرب ( الأطلسي ) و بين الشرق الأقصى المُهدد للمصالح الأمريكية .

إلا أن نزاعات البيت الأمريكي الداخلية ، و التشقق في جدار البنية المؤسسية الحاكمة في أمريكا ، و تهلهل و ترهـل الإدارات و عطب المعلومات ، و إعتمادها على سقط المتاع الموروث من العملاء التقليديين لها في الشرق العربي ، و العالم الإسلامي ، إضافة إلى بهيمية حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي و مراهقته السياسية وولعه بالأمن و السيطرة و التغول العرقي الديني العنصري ، إضافة إلى شئ من بعض صحوة للحركة الوطنية و القومية العربية ، كلها أدت إلى تعطيل وصول الرؤية الأمريكية الأطلسية إلى منتهاها ، و تحقيق غاياتها فنتج عنها هذه الفوضى غير الخلاقة .

و بسقوط  الحيزبونات الثلاث هيلاري كلينتون ، و سوزان رايس ، و كونداليزا رايس ، سقط معهن أيضاً الحلم الإخواني ، و إمكانية إستبدال الوطني و القومي ، بالديني ( المعتدل ) الذي إعتقدت العقلية الأطلسية لفترة كبيرة ، أنه الأقدر على قيادة الشعوب العربية و المسلمة ، إنطلاقاً من العزف على الأوتار الدينية و العاطفية ، فكان ما كان ، من تصحيح في بعض المناطق في الإقليم ، و إعادة تموضع و ترتيب في الوقت ذاته للإخوان .. الذين رفضوا و ما زالوا يرفضون التعاطي مع فكرة أن السياسة الأمريكية الأطلسية تعتمد على التجربة و الخطأ ، و المصالح بالدرجة الأولى و الأخيرة .. و أنهم كانوا ومازالوا مجرد أداة تستخدم و تُرمى بعد الإستهلاك ، و بنى الإخوان رفضهم هذا و مواقفهم تلك على ما رسخ في وجدانهم ، و تحول بفضل بعض الأدمغة الألمعية ، و المفكرين الأشاوس بين ظهرانيهم ، و ربما من بينهم مشعل ، و قيادات إخوانية مصرية وعربية أخرى ، أنهم يريدون ( اللعب ) مع الأطلسيين ، يوهمونهم بأنهم معهم ، حتى يصلوا إلى غاياتهم و سلطانهم الموعود ، و بحركة  سينيمائية عربية أوهندية ، ينقلبون عليهم ، و تكون الولاية خالصة لهم ، يحكمون بإسم الله ، و ترفرف الرايات الخضراء على البيت الأبيض و يتم إستعادة الأندلس ، أما فلسطين فقضية منتهية محسومة ، و تحريرها سيكون في سويعات ..

هذا النوع من التفكير ، تراه في أدبياتهم و إعلامهم ، وتكاد تسمعه يومياً من أفواه قياداتهم ، يؤمنون به ، ببساطة لأنهم لا يملكون ألا يؤمنوا به ، لأن هذا المعتقد و إن كان خاطئاً هو السبب الأوحد لوجودهم أساساً .. وهنا يتحول الوهم إلى عقيدة ..

و يستمر التذاكي ، و شعور كل واحد من قيادات الإخوان بأنه أكثر فطنة من أبو موسى الأشعري ، و دهاءً من معاوية ، و جبروتاً من الحجاج الثقفي ، و يستمرون في وضع خطط حقيقية ، و يتدارسون و يحللون بشكل جدي ، و يجتهدون ، و ينتظمون ، بشكل يعجب الناظرين ، و لكن أوهن البيوت ، بيت العنكبوت .. و هنا ، يمكننا أن نفهم ، و نفكك بعض رموز الغرابة السلوكية لدى الإخوان في حلفهم مثلاً مع قطر ، و تفاهمهم مع مصر ، و في نفس الوقت ، هذا التعاقد و التفاهم مع جماعة دحلان ، و الإمارات العربية ، و الجمع بين المتناقضات ، و اللعب على الحبال ، و تبديل المواقف ، و تغيير الأقوال ، و قلة الكر ، مع كثرة الفر ..

 و ربما ايضاً ، يمكننا هذا من فهم معطيات التحركات الجديدة ، بالإستجابة للمساعي المصرية ، التي تقطع الطريق أمام أي تدخلات إقليمية تركية كانت أم إيرانية في الشأن العربي ، و الأمن القومي ، و خاصة ما يمس مباشرة بمصر ، مساساً و تماساً ..  تماماً ، و ربما بشكل أكثر قوة من التحرك الأردني إبان أزمة بوابات الأقصى ، الذي تحرك بإصرار ، و ذكاء ، بغطاء المصلحة القومية و الأخوة الفلسطينية الأدرنية ، مدافعاً عن صكوك و معاهدات الوجود الهاشمي التاريخية ، و التي شكلت تصرفات حكومة اليمين الصهيوني الهستيرية  مساساً بها ،وهنا أيضاً ، ربما يمكن أن نفكك رموز و أسباب الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس عباس لتركيا ، و حث أردوغان على القيام بمبادرة لإنهاء الإنقسام .. و بذلك إستفز أبا الهول المصري ، الباسط لنفوذه  و إحترامه ،منذ فجر التاريخ ، محققاً لمصر درة تاج العلاء ، دورها الرائد التاريخي ، في قيادة الأمة العربية ، و إنارة العالم الإسلامي بأزهرها الفاطمي ، و مذهبها الشافعي الأشعري ، الداعي إلى الوسطية ، و السماحة ، و المعترف بالمذهب الجعفري الإثنا عشري الشيعي مذهباً خامساً ، و بالتالي المحترم من كل الأمة ، في المشرق و المغرب . هذا الدور ، و هذه المكانة غير قابل للتفريط ، أو مجرد التفكير في التقليل منه أو حصاره أو منافسته ، فما بالك لو كان له بعد يعود على  مصر ذاتها ، و أمنها و إستقرارها . فتحركت مصر ، و نجحت إلى حد بعيد .. وبدأت معركة السيادة .. هذه المعركة ، إن حظت بإيمان عميق من قبل اللاعبين ، بالمعاني التي أوجزناها آنفاً ، فلن تعرف الراحة ، و لن تتوقف أبداً حتى تصل إلى هدفها .. وهو نسف الإنقسام ، و تحقيق السلم و الأمن على الحدود الشرقية الشمالية للجمهورية  .. حامية الأمن القومي العربي ، و تقطع الطريق تماماً على أي حلم يهدف إلى خلق حزب الله آخر ، أو رأس حربة إيرانية ، أو داعشية ، أو نفوذ قطري مريب ، إلا في الحدود الإنسانية و الإجتماعية المقبولة .. أما ما سوف يدور في الداخل ، بين الفلسطينيين أنفسهم ، حتى ولو كان خلافاً و تنباذاً بالألقاب ، فلا يجب أن يعكر صفو الأجواء ، و الخطوط العريضة ، و القواسم المشتركة التي ترضى مطالب الأمن المصري و الأمن القومي العربي ، إذا إختلفوا على سلاح حماس و القسام ، فهذا شأنهم ، فليختلفوا ولكن دون الوصول إلى إنقسام آخر ، أو صوت مرتفع يسمعه الجيران .. إن إختلفوا على حقيبة أو وزارة أو سفارة ، أو نفوذ ، فهذا شأنهم ، ولكن ضمن نفس الحدود .. بعيداً عن الأسوار ، و ليظل الخلاف في داخل البيت ، دون أن يصاب الجيران بالصداع .  لأن الأمر لم يعد يحتمل مسكنات صداع ، الأمر أصبح أكبر من ذلك بكثير ، إنه يتعلق بالوجود ، فبغير مصر ، لا ترى الشرق يرفع الرأس ،ولا وقت لإضاعته في ألعاب المراهقين .. أنها معركة السيــــــادة .