«العجة» السورية تنفجر في وجه نتنياهو ..عبير بشير

الجمعة 01 سبتمبر 2017 01:26 م / بتوقيت القدس +2GMT



 
 

عندما زار نتنياهو موسكو العام الماضي للمرة الرابعة تحت غطاء الاحتفال بمناسبة مرور 25 عاماً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وتل أبيب، كانت الزيارة سياسية بامتياز والأكثر أهمية كونها طالت عموم الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط، وأتت لتوطيد شبكة العلاقات مع روسيا على خلفية دورها الصاعد في سورية والإقليم.
والأخطر من ذلك، أن نتنياهو ذهب إلى موسكو، للمطالبة بحصته من الكعكة السورية، حيث إن إسرائيل كانت تنظر إلى سورية على أساس أنها ذهبت ولن تعود.
وقال نتنياهو من موسكو بالحرف الواحد بعد لقائه القيصر بوتين إن "عجة البيض السورية لن تعود بيضاً نيئاً مجدداً".
وقد سعى نتنياهو خلال لقائه بوتين الذي أصبحت بلاده صاحبة الولاية والوصاية على دمشق إلى انتزاع شرعية دولية للهوية الإسرائيلية للجولان السوري. 
قرار نتنياهو في وقت أسبق - بعقد جلسة الحكومة الإسرائيلية بكامل أعضائها في الجولان المحتل، ذهب في هذا الطريق، حيث كان هناك بند رئيس على جدول أعمال الحكومة، بأن مرتفعات الجولان هي جزء لا يتجزأ من الدولة العبرية.
وأتت زيارة نتنياهو الرابعة إلى موسكو ليقول لرعاة الملف السوري، إنه مهما كانت التسوية التي يعكف المجتمع الدولي على بلورتها، فإن تل أبيب لن تقبل بإعادة الجولان إلى سورية الأم. هذه الرسالة طار بها نتنياهو إلى موسكو أكثر من مرة.
ولكن في تلك الزيارة، أراد نتنياهو نيل مباركة الكرملين، وخصوصاً أن إسرائيل أصبحت تنساق وراء هذه الفكرة أكثر فأكثر، وهي ترى بوتين يغدق المديح على نتنياهو، ويفرش له البساط الأحمر، ويهديه دبابة إسرائيلية أسيرة.......فيما التزمت روسيا الصمت، حيال إعلان نتنياهو من قلب موسكو، أن الجولان سيبقى تحت السيادة الإسرائيلية إلى الأبد.
وناقش نتنياهو خلال لقائه بالمسؤولين الروس استمرار التنسيق الاستخباراتي والعسكري بين روسيا وإسرائيل، وتطوير آلية منع التصادم، لتلافي وقوع حوادث غير مرغوب بها أو صدام بين الطرفين داخل الأجواء السورية، ولكن الهدف المحوري الآخر للزيارة والذي تحدث عنه نتنياهو بنفسه، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس بوتين في ختام لقائهما، هو أن إسرائيل تعمل على التأكد من أن لا تتحول سورية إلى قاعدة انطلاق اعتداءات ضد إسرائيل سواء من قوات تابعة لإيران، أو قوات تابعة للتنظيمات الإسلامية المتشددة.
كلام نتنياهو كان أوضح، خلال لقاء مع رؤساء الطائفة اليهودية في موسكو، بأنه بحث مطولاً مع الرئيس الروسي، مصير عدد من الدول التي انهارت وعلى رأسها سورية، لذلك والكلام لنتنياهو نحن بحاجة إلى تدابير أخرى، للتأكد من أن الجهة أو الجهات التي ستحل مكان تلك الدول، لن تعرض دولتينا للخطر.
وأضاف نتنياهو إن سياستنا ترتكز على اتخاذ كافة الإجراءات المطلوبة، لمنع وقوع هجمات على إسرائيل، وإن حكومته تقوم لهذا الهدف بعمليات من حين لآخر... من دون أن يحدد طبيعتها. 
وأعرب نتنياهو لبوتين خلال لقائه معه، عن خشيته بأن يتمدد حزب الله والميليشيات الإيرانية إلى جنوب سورية والاقتراب من الحدود مع إسرائيل، وأوضح له أن هناك رهاناً إسرائيلياً على أن روسيا رغم تحالفها مع طهران على الأراضي السورية، لن تسمح بذلك.
فيما تحدثت صحيفة التايمز البريطانية، عن المقايضة الروسية - الإسرائيلية، بشأن الدور العسكري الروسي في الشمال السوري، مقابل النفوذ العسكري الإسرائيلي في الجنوب السوري من درعا إلى الجولان.
أما في ما يتعلق بالتناقض الظاهري بين وجود روسيا على رأس التحالف الذي يضم النظام السوري وإيران، وبين التحالف الصاعد بين إسرائيل وروسيا، فهو تناقض لا وجود له على الأرض، حيث ادعى مسؤول إسرائيلي أن بلاده قدمت مساعدات لروسيا مكنتها من التدخل في سورية بشكل مثالي، ودون هذا التعاون، كان الروس سيغرقون في الوحل السوري إلى العنق.
ولكن ما أثار اهتمام المراقبين وقتها هو الرغبة الخفية التي تدفع موسكو لاستقبال نتنياهو بترحاب حار لأكثر من مرة في السنة الواحدة ! وكيف يمكن تفسير الكرم الروسي البالغ! حيث جرى التوقيع خلال زيارات نتنياهو على اتفاقية تدفع بموجبها روسيا لعشرات الآلاف من المتقاعدين الروس الذين هاجروا إلى إسرائيل حتى العام 1992، مخصصات تقاعد على خلفية عملهم في مؤسسات الدولة السوفياتية.
وحسب التقديرات فإن الحجم السنوي لمخصصات التقاعد تراوح ما بين 150 مليوناً، 200 مليون دولار، ما وصفه نتنياهو بأنه إنجاز تاريخي ما كان سيتم لولا التدخل الشخصي للرئيس الروسي.
بالإضافة إلى قيام بوتين بإعطاء نتنياهو الدبابة الإسرائيلية الأسيرة، والتي سبق أن أهداها نظام الراحل حافظ الأسد، إلى الاتحاد السوفياتي، بعد استيلاء القوات السورية عليها في معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع الغربي، إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
وكان من اللافت جدا أن تسمح روسيا لأول مرة بعرض «وثائق البحر الميت» في  أهم المتاحف الروسية.
غير أن حديث قيادي كبير في الليكود، يمكن أن يعطي تفسيراً لهذا التحالف الصاعد بقوة بين تل أبيب وموسكو، حيث قال إن الرئيس الروسي يدرك التأثير الطاغي لإسرائيل على الكونغرس الأميركي، ويخشى من أن تحشد تل أبيب الكونغرس ضد التدخل الروسي في سورية، في حال لم تؤمن إسرائيل مصالحها من هذا التدخل، ويجري احتواؤها روسياً على أرفع مستوى. 
ولكن بعد سنة ينقلب المشهد في سورية، ويطير نتنياهو للقاء بوتين في منتجع سوتشي على البحر الأسود ويتحدث معه وهو يتصبب عرقا قائلا: إن طهران ترث داعش في سورية، وإن الحرس الثوري الإيراني وتحت ذريعة التسوية السلمية في سورية ومناطق خفض التوتر يتوسع زاحفا في سورية ويعمل على تسليح وإعداد مقاتلي حزب الله والمليشيات الموالية لها لشن هجمات ضد إسرائيل.
وهدد نتنياهو خلال اللقاء بأن بلاده مستعدة للتحرك منفردة من أجل لجم عملية سيطرة إيران على سورية وخصوصا منطقة الجنوب، ومنع استنساخ تجربة حزب الله اللبناني عند حدودها الشمالية.
وعلى الرغم من الالتزام الروسي القوي بالحفاظ على أمن إسرائيل في أي ترتيبات تجري في سورية، إلا أن المراقبين يرون أن موسكو لن تعطي إسرائيل بعد الآن حرية كاملة للعمل العسكري في الفضاء السوري، لأن هناك مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وتغييرات هيكلية جرت على الأرض السورية لصالح المشروع الروسي في سورية.
وقد شكل إعلان نائب قائد القوات الجوية الفضائية الروسية سيرغي يشيرياكوف أن الخبراء العسكريين الروس والسوريين أنشؤوا نظام دفاع جوي موحدا ومتكاملا على الأراضي السورية حيث جرى دمج المعدات الاستخبارية الجوية الروسية والسورية في نظام موحد فنيا ومعلوماتيا - بداية الغيث -. 
ولكن القلق الحقيقي الذي تشعر به إسرائيل هو غموض الموقف الأميركي بشأن وراثة إيران والمليشيات التابعة لها لداعش سواء في سورية أو العراق.
وبأنه وبالرغم من تغريدات ترامب ومواقفه الهجومية المعلنة من طهران ومشروعها الإقليمي، إلا أن ما يجري على الأرض وفي الميدان شيء مختلف تماماً، وهو على ما يبدو عودة إلى الاستراتيجية الأميركية بعيدة المدى والتي ترى في التمدد الإيراني في الجغرافيا العربية مصلحة استراتيجية عليا.