لماذا كل هذا الاهتمام بالتحقيق مع نتنياهو؟ .. صادق الشافعي

السبت 19 أغسطس 2017 02:00 م / بتوقيت القدس +2GMT



 

يلفت النظر ويستدعي الانتباه أن التحقيق مع نتنياهو وطبيعة الاتهامات الموجهة إليه والمستوى الذي وصل اليه التحقيق والنتائج التي يمكن ان تتمخض عنه يحظى باهتمام كبير في  وسائل الإعلام، ومن قبل طيف واسع من المحللين وكتاب الرأي، والمسؤولين ايضا. وفي مركز الاهتمام احتمال كبير ان تكون نتيجة التحقيقات وتوجيه الاتهامات إسقاط نتنياهو من موقع رئيس الوزراء.

يحصل ذلك في منطقتنا العربية بشكل عام، ويحصل في إطارنا الفلسطيني ايضا.
قلة لا تكاد تذكر، من المهتمين التفتت الى ان أجهزة دولة الاحتلال المعنية قادرة على ملاحقة رأس الدولة الأول والتحقيق معه في مخالفات منسوبة اليه يمكن ان تصل الى توجيه الاتهام له وتقديمه الى المحاكمة، ويمكن ان تطيح به من موقعه. وان هناك من القوانين والقواعد المرعية ما يمكنها من ذلك، ويمكنها من التعامل، الى حد كبير، مع رأس النظام كما تتعامل مع اي مواطن عادي.
في النظر الى نتنياهو وتجربته في الحكم، ليس بالأمر المهم كثيرا توصيفه، من زاوية نظرنا، كأسوأ رئيس وزراء لدولة الاحتلال او واحد من الأسوأ.
كل واحد من رؤساء وزارات دولة الاحتلال كان الأسوأ في فترة حكمه وظروفها، وبما حققه  لصالح الكيان الغاصب وضد الشعب الفلسطيني وحقوقه وسلب ارضه وتشريده وحرمانه من ممارسة حقوقه بأبسط أشكالها. بدأ ذلك مع بن غوريون وتواصل مع بيغن، وليفي، وغولدا مئير وشارون.....
كل منهم كان نتاجاً مرّاً  للاتجاه الغالب في المجتمع الصهيوني في زمنه وللظروف العامة المحيطة.
وحين ثارت الشكوك باحتمال ان يكون «رابين» اقل سوءا تم اغتياله في مشهد احتفالي، في وضح النهار.
نتيناهو أيضا، هو الأسوأ خلال سنوات رئاسته المديدة للوزارة.
 هو ثاني أطول رئيس وزراء يستمر في الحكم بعد بن غوريون مؤسس دولة الاحتلال، وعلى وشك تجاوزه ليصبح الأول. وهو، كما سابقيه، نتاج طبيعي لحالة مجتمع دولة الاحتلال في هذا الزمن، المغرقة في أغلبيتها الساحقة في يمينيتها، والمقترنة بقوة مع اتجاهات عنصرية وفاشية وفصل عنصري.
هناك سمات ميزت فترة حكم نتنياهو وائتلافاته الحاكمة، يبرز في مقدمتها ثلاث سمات: 
الأولى، إطلاق العنان للاستيطان بمعدلات غير مسبوقة من المساحات واستباحة المناطق ومن أعداد المستوطنين، حتى تضاعف عدد المستوطنين خلال فترة حكمة عشرات المرات وتضاعفت وتوسعت المستوطنات اكثر من مرة. وحتى تحول الاستيطان الى حركة لها كل مقومات الحضور والتأثير وأصبحت تلعب دوراً أساسياً- ان لم يكن الأساسي- في تحديد اتجاه الحكم وسياساته. 
الثانية، انه قاد، او مكّن وساعد على، إصدار عدد  كبير من التشريعات والقوانين التي تشرعن  الاستيطان وتعزز انتشاره، وتؤكد سيطرة الاحتلال على حقوق وممتلكات ومرافق اهل البلاد وبالذات في القدس وما حولها. وتشرعن أيضا، الإجراءات التوسعية العنصرية والقمعية التي تخدم مخططاتها لتعزيز سيطرتها على الوطن الفلسطيني وأهله في جميع المجالات.
والثالثة، الرفض المطلق بكل صراحة لمطلب إنهاء الاحتلال، ووقف الاستيطان، ولفكرة الدولة او اي كيانية سياسية فلسطينية على اي جزء من ارض فلسطين المحتلة.
ساعد نتنياهو على تكريس هذه السمات انها اولا وأساساً تنسجم تماما مع حالة مجتمع دولة الاحتلال وقواه السياسية والمجتمعية، وانه هو نفسه يعبر عن هذه الحالة اصدق تعبير. واستفاد في ذلك ايضا، من حالة الضعف وعدم الفاعلية السائدة التي يعيشها الإقليم وبخاصة وضع الدول العربية فيه، إضافة الى عدم فاعلية الوضع الدولي وتراجع وضع القضية الفلسطينية والنضال الوطني الفلسطيني في سلم أولوياتها.
لا يجب وضع الآمال والمراهنات ان سقوط نتنياهو، فيما لو حصل، قد يؤدي الى تغيير جوهري في أوضاع دولة الاحتلال او في مواقف وسياسات حكومتها الجديدة وممارساتها. فليس هناك متغيرات في حال مجتمع دولة الاحتلال تدفع الى ذلك، وليس هناك تغير هام في أوزان القوى السياسية ولا في نسب تمثيلها المتوقعة في حال جرت انتخابات للكنيست، وسيبقى التنافس وتغير النسب محصورا في اغلبه في دائرة أحزاب اليمين. وهو ما يبقي أمر الملاحقات والتحقيقات في دائرة الوضع الداخلي لدولة الاحتلال بدرجة كبيرة.
وستبقى، الى ذلك، حركة الاستيطان بمكوناتها قوية ومتنفذة وحاسمة في تقرير أوضاع الحكم والحكومة. ونظرة الى الاسماء البديلة المتداولة في حال ذهاب نتنياهو تؤكد أنها ليست اقل سوءا من  نتنياهو. فحسب الاستطلاعات يحتل « بينيت «، رمز وعنوان الاستيطان الأبرز، المركز الأول بين الخلفاء  المتنافسين، وتليه أسماء من نفس  طينته مثل ليبرمان وساغر وكاتس، و.... 
نتنياهو ليس بالشخصية البسيطة الذي تغادر المشهد بهدوء، ولا يبدو انه اكتفى من الحكم ومستعد لمغادرته بيسر او عبر مساومة مقبولة تحفظ له ماء الوجه.
انه كما يتضح من مجريات الأمور مقاوم شرس ومستعد لاستخدام كل أسلحته، وأولها تظاهرات التأييد له والمطالبة بوقف ملاحقته، والمشككة بصحة التهم الموجهة إليه.
وليس مستبعدا والحال كذلك، ان يقوم بالهروب الى الأمام، بافتعال عمل متهور ساحته المرشحة الأولى هي الفلسطينيون سواء بالتصعيد ضد قطاع غزة، حتى لو وصل الى عدوان عسكري مباشر، او بتصعيد التضييق والخنق والاستيطان للضفة الغربية ومحاصرة السلطة القائمة وإضعافها وأحراجها.